Menu
بيوت "الزينكو" تروي معاناة اللاجئ الفلسطيني في الأردن

بيوت "الزينكو" تروي معاناة اللاجئ الفلسطيني في الأردن

قـــــاوم- قسم المتابعة: على أعتاب مخيم البقعة، أكبر مخيمات اللاجئين في الأردن، تقف العشرينية أحلام باحثةً عمن يشتري منها بعض القرطاسية والدفاتر، أملاً في الحصول على لقمة العيش. ورغم الوضع المادي السيئ التي تعيشه أحلام وذويها، فإنها تؤكد في كلماتها أنها وملايين اللاجئين، يمتلكون الإصرار والعزيمة التي لا تلين.   ما يحرق قلب أحلام على أشقائها الصغار، هو ألواح الزينكو التي باتت السقف للمنزل المتداعي الذي يؤويهم في أحد أزقة المخيم.   تقول لـ«العـودة»: «بيوت الزينكو لا تقي من برد الشتاء ولا من حرّ الصيف», بين بيوت الصفيح حكايات وقصص إنسانية لا يمكن أن تنساها أحلام، قائلة: «ستظل ألواح الزينكو غصّة كلما تذكرها اللاجئ الفلسطيني، وستبقى هذه الذكرى لعنة تطارد المفاوض الفلسطيني الذي يساوم على حق اللاجئ في العودة إلى وطنه».   وهكذا يروي وجيه عزايزة مدير دائرة الشؤون الفلسطينية، قصة صفائح الزينكو بعيداً عن وجع السياسة وإشاعاتها.   تعاوده صورة عائلة تسكن مخيم حطين كان قد زارها قبل عامين، المشهد لا يبارحه.. فالماء يدلف داخل بيت الصفيح من كل مكان، وهم يفترشون «جنبيّات» عفا عليها الزمن، والأطفال يلتفون حول أمهم لعلهم يشعرون بدفء من الصعب أن يعرفوه.   ويتمنى عزايزة أن «ننتهي بعد عامين من وجود بيوت الزينكو»، فالمخيمات كما يقول «معاناة إنسانية تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية لإنهائها، ورغم كل ما يقدمه الأردن ووكالة الأونروا، فإن الوضع يبقى صعباً وقاسياً».   وبحسب إحصاءات رسمية صادرة عن الأونروا، فإن كثيراً من مساكن اللاجئين تفتقر لأدنى مقومات الحياة، وفي كثير من الأحيان تدهم الأمطار أسقف الزينكو وتشقق الجدران، مخلفة بركاً مائية تتوسط المنازل لأيام قبل أن تزول، لعدم وجود التهوية.   وتعتبر المشكلة الأبرز للمخيمات، أنها بُنيت على أراضٍ محدودة غير قابلة للتوسع الأفقي، فيما تضاعفت أعداد اللاجئين الذين يقطنونها أربع مرات، وفقاً للإحصاءات الرسمية ذاتها.   الحاجة زينب الفرّاج تروي لـ«العـودة» قصتها مع صفائح الزينكو: «الحيوانات ما بتعيش عيشتنا، أغلبنا بِنّام وبنصحى تحت رحمة الزينكو، الكل اتنكر لحالنا، والله يكون بالعون».   وتوضح رحمة فضيلات هي الأخرى قصة دراستها داخل الصفائح الحديدية الهشّة، قائلة: «غالباً ما ينقطع التيار الكهربائي عن الغرفة التي نعيش فيها، وغالباً ما أطالع دروسي وإخوتي على أضواء الشموع الخافتة، لكن الأنكى من ذلك هو معيشتنا في غرفة مسقوفة بالحديد المتهالك..».   تتساءل فضيلات عن الذنب الذي اقترفه اللاجئ الفلسطيني ليعيش حياة «الذل»، «ويتجرع أصناف الإهانة بأشكالها المتعددة في كل يوم؟!». وتضيف: «كل ذلك لن يزيدنا إلا إصراراً على حقنا في العودة إلى البلاد مهما طال الزمن، جدّي ورّثني مفتاح البيت هناك في فلسطين، وأنا بالتأكيد سأورثه لأحفادي إن لم تُكتب لي العودة، وحالَ بيننا الموت».   وتقول مريم حامد من مخيم الوحدات: «في كثير من الأحيان نقضي الشتاء بأكمله بلا تدفئة، وخاصة مع قلّة البطانيات الموجودة، بسبب غلاء الأسعار وشدة الضائقة الاقتصادية، التي لا تمكّننا من شراء المحروقات اللازمة كالكاز..».   وتتكبد أم محمد الزبيدي معاناة إضافية في كل فصل شتاء من كل عام، بسبب قلة الموارد المالية التي تحدّ من القدرة على تلبية احتياجات أطفالها الستة، بعد فقدان العائل.   وتبادر أم خميس في أيام البرد إلى استخدام الحطب بديلاً للتدفئة، بعد أن اقتصر سقف منزلها على ألواح الزينكو. وتوضح قائلةً: «بتنا نستبدل الحاجات الضرورية بأخرى مهمة لمجرد العيش حدّ الكفاف، توقفت عن شراء الحليب رغم أهميته لأطفالي حتى نتمكن من شراء إسطوانة الغاز، فيما حرمنا منذ زمن بعيد أنواعاً عديدة من الأطعمة التي أصبحت تدرج في خانة الكماليات عندنا!».   ماذا يقول الشباب؟   في هذه الأثناء فإن حدة الظروف الحياتية باتت تنعكس على الخطاب الشبابي في المخيمات. فالشاب علي الجبالي يرى أن «ظروف الحياة الصعبة تحدّ من الطموحات والآمال»، ويضيف: «اضطررت إلى الخروج المبكر من المدرسة حتى أوفّر مصدر دخل لعائلتي المكونة من ستة أفراد، على رأسهم أبٌ عاجزٌ، أصيب منذ عمر النكبة بطلقات نارية إسرائيلية أعطبت قدميه فأقعدته عن الحركة».   ويقضي الشاب إبراهيم عبد المنعم، جُلّ يومه متنقلاً من زقاق إلى آخر في المخيم مع ثلة من أصحابه، بعد أن «أغلقت الأبواب أمامه للالتحاق بعمل ثابت عقب تركه مقعد الدراسة مبكراً».   وتفتقر مساكن الكثير من اللاجئين إلى النواحي الصحية الملائمة، بما يُضعف صمودها أمام عوامل الطقس المتقلبة في فصلي الشتاء والصيف على حد سواء، «ما يؤدي إلى تسرب الأمطار عبر تشققات الجدران في الشتاء، والرطوبة القاتلة في الصيف».   وتبتعد غالبية الوحدات السكنية عن معايير البناء المعمول بها، وخاصة حينما يعمد كثير من اللاجئين إلى معالجة مشكلة الاكتظاظ السكاني بطريقتهم الخاصة، لمواجهة أحد أبرز التحديات في عمل وكالة الأونروا ودائرة الشؤون الفلسطينية في المخيمات الثلاثة عشر، التي بنيت على مساحات أراضٍ محدودة غير قابلة للتوسع أفقياً.   أضيق من أن تسكن   وبسبب ضيق المساحة المخصصة للأسرة الواحدة المكونة في الغالب من 5 إلى 7 أفراد ضمن 80 متراً مربعاً، يقوم العديد من أهالي المخيمات بالتوسع عمودياً، ببناء طبقتين إلى ثلاث طبقات فوق الوحدة السكنية الواحدة، من دون الالتفات كثيراً إلى المعايير البنائية المتبعة.   وتشير تقديرات الأونروا إلى أن نحو 46% من بيوت اللاجئين تحوي ثلاثة أفراد أو أكثر في الغرفة الواحدة.   وتقود إشكالية ضيق مساحة السكن، وندرة المساحات العامة والمناطق الخضراء التي لا تتجاوز نسبة 10% من مجمل المساحة الكلية للمخيمات في الأردن، إلى تخصيص أزقة المخيم ونواصي زواياه، كأمكنة مفضلة لتجمعات أطفاله وشبابه، بحيث تشكل رؤية الأطفال وهم يلعبون طوال اليوم أمام منازلهم، مشهداً متكرراً مع ما يحمل ذلك من مشاكل صحية ناجمة عن سوء الظروف البيئية، وتردّي البنية التحتية، وشيوع المكارِه الصحية، وتراكُم النفايات في الأزقة وعند المداخل.   وفي الوقت نفسه، تصبح أزقة المخيم وممراته المكان المحبب أيضاً لكثير من اللاجئات في الأوقات القليلة «المشمسة»، في سبيل للحصول على التدفئة اللازمة في أيام الصيف.   وتشير سجلات الأونروا إلى وجود ما يقارب 46 ألف حالة عسر شديد بنسبة 2.6% من قرابة مليون و900 ألف لاجئ مسجلين لديها.   وحسب معلومات الوكالة، فإن اللاجئين الفلسطينيين يبلغ عددهم في الأردن مليون و930 ألفاً، يعيش منهم داخل المخيمات الثلاثة عشر ما يقارب 400 ألف.