Menu

إطفاء نور “أقمار القدس”.. انتقام سياسي وإنساني

قاوم _ تقارير / يريد الاحتلال لهم أن يدفنوا بلا صوت ولا شاهد وبجنازات متواضعة تُقلل من قيمة ارتقائهم شهداء في أقدس مدن فلسطين، لكن “أقمار القدس” ارتدوا علم فلسطين كفنا ثم تمت مواراتهم الثرى قرب الأقصى، فيما فضلت عائلات شهداء آخرين بقاء أبنائها في ثلاجات الاحتلال على دفنهم بشروط الاحتلال.

 

يؤكدون: الأهم دفنهم بجوار الأقصى


الشهيد أحمد أبو شعبان الذي لقب بالشهيد المظلوم، أعدم بدم بارد بدعوى محاولة تنفيذ عملية طعن في المحطة المركزية  بشارع يافا، يقول والده فتحى إن الاحتلال أجل تسليم جثمانه مرتين، حيث وضع شرطا في المرة الأولى بعدم حضور أكثر من 50 شخصا للتشييع، قبل أن يتراجع عن شرطه ويطلب حضور 14 شخصا فقط للتشييع.

 

ورغم هذا الشرط؛ فإن التسليم الذي تم بتاريخ 14/شباط الماضي لم يمر دون إجراءات مشددة، فأكثر من خمسة آلاف جندي انتشروا في محيط سوق الجمعة وباب الأسباط والمقبرة اليوسفية، وهي المنطقة المحيطة بالمقبرة التي دفن فيها الشهيد، بل إن العشرات منهم تواجدوا في المقبرة أيضا لضمان تنفيذ الشرط وقمع أي احتجاجات قد تحدث بعد التشييع.

 

ويعلق أبو شعبان، “الحمد لله رب العالمين وحسبي الله ونعم الوكيل، أحمد أول إنسان على وجه الأرض منذ خلق آدم أمه وخواته وأخوته يحملنه ويكفنه ثم يقمن بزفافه للروضة الخاصة به في المقبرة، ثم يصلين عليه ويضعنه تحت التراب”.

 

ويضيف، “أطفأ تسليم أحمد نار الشوق وارتاح البال فقد سكن جسده روضته، وهو أول شهيد يدفن بالمقبرة اليوسفية بباب الاسباط”، داعياً أن تنطفأ لوعة اشتياق ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم حتى اللحظة وأن تجف دموعهم.

 

ويوضح أبو شعبان، أن سلطات الاحتلال سلمته جثمان نجله عاريا مغطى بكيس أسود، لكن اعتبر أن هذا الغطاء كان ستار الكعبة، ويضيف واصفا أجواء التشييع، “شعرت بهدوء تام، كنا نكبر أثناء مرورنا بحي الشيخ جراح والطور وواد الجوز وسلوان، وسكانها سمعوا تكبيراتنا وكانوا شاهدين من منازلهم على تشييع أحمد لرضوته”.

 

أما الشهيد مصعب الغزالي، فقد أجل الاحتلال تشييع جثمانه لثلاثة أسابيع أحرق خلالها أعصاب العائلة، بعد أن أشعل النار في قلوب أفرادها منذ احتجاز الجثمان، ثم بوضع شروط قاسية كان أحدها غير مسبوق بعدم اصطحاب الهواتف النقالة واستخدامها أثناء التشييع، ومنع رفع الأعلام ومنع التكبير، وحضور 30 شخصا فقط للتشييع، إضافة لإلزام العائلة بدفع 20 ألف شيكل كفالة لضمان تنفيذ الشروط.

 

وسلم الاحتلال جثمان الشهيد مصعب بتاريخ 28/شباط، ويقول شقيقه معتز، إن مخابرات الاحتلال عاينت القبر بحضور عائلة الشهيد ومحامٍ فلسطيني يتابع القضية، وعند العاشرة والنصف تم حصر أسماء المشاركين في التشييع، وبعد ساعة أبلغ الاحتلال العائلة بالتوجه للمقبرة، مبينا، أن قوات الاحتلال نصبت ثلاثة حواجز عسكرية في الطريق للمقبرة وفتشت السيارات كما فتشت المشاركين بالتشييع جسديا لضمان عدم وجود هواتف نقالة.

 

ويضيف معتز، “الحمد لله أن مصعب دفن بجوار الأقصى وفي القدس بعد احتجاز دام لأكثر من 50 يوماً، فحالة ذوي الشهداء صعبة جداً إذ يبقون في حالة انتظار يومية ومستمرة حتى استلام الشهيد لتقر عيونهم برؤيته ووداعه”.

 

ويتابع، “مصعب كان منور الله يرحمه ويغفرلنا، ومثل قالب ثلج سلم، وشرطنا الوحيد كان بإخراجه من الثلاجة قبل 48 ساعة من الاستلام، لكن الاحتلال لم يلتزم بالشرط”.

 

مبعدون عن قدسهم حتى بعد مفارقة الحياة


الدفن بشروط مشددة، لم تكن سياسة الاحتلال الانتقامية الوحيدة من الشهداء وعائلاتهم، فالإبداع في التنكيل بهذه العائلات وصل لاشتراط الدفن خارج القدس، في كفر عقب كما حدث في حالة الشهيد مصطفى الخطيب الذي دفن في رام الله، والشهيد إسحق بدران الذي دفن في كفر عقب التابعة للقدس لكنها تقع خارج الجدار الفاصل بين القدس وقرى وبلدات تابعة لها.

 

الشهيد إسحق بدران سلمت سلطات الاحتلال جثمانه بتاريخ 5/كانون أول، بعد اشتراط مشاركة 20 شخصا فقط في التشييع الذي اشترطت أيضا أن يتم بعد ساعتين فقط من استلام الجثمان، وبعد إلزام العائلة بدفع كفالة مالية.

 

ولتجنب تشييع خجول لا يليق بنجلها الشهيد، وافقت العائلة على أن يكون الدفن في كفر عقب ليتيح لها ذلك كسر شروط الاحتلال كما يقول والده، مبينا أن العائلة أصرت على أن يتم التشييع نهارا في اليوم والتالي وبمشاركة كل من أراد المشاركة في التشييع، وأصرت أيضا على الترحيب بكل من أتوا “لتقديم التعازي والتبريكات”، حسب قول والده.

 

ويشير محمد محمود محامي مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان إلى أشد الشروط غرابة وهو عدم اصطحاب الهواتف المحمولة للمقبرة، بما في ذلك الهاتف الشخصي الخاص به هو كمحامٍ، معلقا بأن الاحتلال يعتقد بأن تصوير الجنازات وتناقلها سيجعل من الشهيد مثالا يحتذى عند الفلسطينيين.

 

واعتبر محمود شروط الاحتلال عنصرية وظالمة كونها تحرم ذوي الشهيد وأصدقاءه من وداعه، وتؤكد أن الاحتلال يمارس إجراءات تعسفية بحق أبناء القدس على وجه التحديد حتى في حالات الموت، موضحا أن القانون الصهيوني يكفل تشييع ثم دفن أي شخص يتوفى حسب أحكام الدين الذي يعتنقه، ما يجعل الشروط على تشييع شهداء القدس مخالفة للقانون الصهيوني نتيجة قرار سياسي.

تجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال مازالت تحتجز جثامين تسعة شهداء من القدس هم، ثائر أبو غزالة وحسن مناصرة وبهاء عليان وعلاء أبو جمل ومعتز عويسات ومحمد نمر وعمر سكافي وعبدالمحسن حسونة ومحمد أبو خلف.