Menu

الشوق والحنين للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم

  الشوق والحنين للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم أترقب هلال ربيع الأول وهو يحمل للأمة أعطر ذكرياتها وأطيب نفحات الله تعالى للبشرية ، كيما تتلطف الأجواء التى يعيشها المسلمون اليوم ، وكيما يتجدد الإيمان فى قلوبهم وتنشط نفوسهم وتجد فى طلب الفلاح فى الدارين . مضت أيامٌ طويلة شديدة ، أثقلت النفوس وأرهقتها بين شد وجذب ، ومنافسة ومناكفة ، كثُر الكلام وقلَّ العمل ،وغالب دعــاة الفتنة والفرقة وتسلطوا وتصبروا ، حتى كادوا أن يزرعوا الشك فى كل شئ وكاد الحصاد أن يبور لولا أن قيد الله تعالى للحق دعــاة يزودون عنه ويبددون دعاوى الزيف والبهتان والشك والتضليل . تلهفت لمجئ شهر ميلاد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ليقينى أن الذكريات خزينة المشاعر ومسكونة بوجدانيات طيبة و روحانيات سامية تسمو بنفوس المحبين وتخفف عنهم وطأة الأقدار المؤلمة التى تعترض مسارحياتهم ، ولا أبالغ إذا قلت إنَّ ذكرى مولد النيى الكريم صلى الله عليه وسلم لها مكان التربع فى قلوب المسلمين ،لهذا كنت أترقب الهلال ليحمل لأمتنا التعبة روح المحبة والتقدير والشوق للحبيب الأكرم صلى الله عليه وسلم .   أيام قليلة ونستقبل ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتذكر القيم العليا والأخلاق الطيبة والمثل السامية التى تجسدت فى شخصه الكريم ، نتذكر رسالته الخاتمة وسنته الباقية ومشروع إنقاذ البشرية من الهلاك فى الدنيا والخسران فى الأخرة وكيف كان رحمة للعالمين وكان رحمة مهداة من رب العالمين ، بشر المؤمنين وأنذر العصاة وانحاز دائما للحق وحكم بالعدل فما زلَّ وما ضلَّ ، صلى الله عليه وسلم   نستقبل ذكرى ميلاده والقلوب مشتاقة الى لقياه والنفوس تواقة لرؤياه ، والعيون تتوق للنظر الى وجهه الحبيب وقد حُرمنا من كل ذلك الفضل فى الدنيا وندعو الله تعالى أن يُعوضنا فى الأخرة صحبته ومرافقته فى الفردوس الأعلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   :   " والذي نفس محمد بيده! ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني. ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم" رواه مسلم في الفضائل ،باب فضل النظر إليه وتمنيه(4/1836).   لقد تكرم الله تعالى على جيل من البشر واكرمهم وزادهم من فضله فجعلهم الجيل الذى آمن بسيدنا محمــد صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا صوته ونالوا شرف صحبته وهم جيل الصحابة الكرام فكانوا خير الأجيال وافضل الناس ، احاطوا بقلوبهم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وضربوا المثل فى علو الهمة فى محبته وشدة الشوق اليه ، ليس فى الدنيا وحدها بل سبق شوقهم اليه حتى وصل الى الجنة ، هذا ثوبان مولي رسول الله صلي الله عليه وسلم- كما روي البغوي كان شديد الحب لرسول الله صلي الله عليه وسلم، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه، فقال عليه الصلاة والسلام: ما غير لونك؟ فقال يا رسول الله: ما بي مرض ولا وجع، غير أني إذا لم أراك استوحشت وحشة شديدة حتي ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك، لأنك ترفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة فأنا في منزلة أدني من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا، فنزلت هذه الآية   :   { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فأولئك مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقا} [النساء: 69] [13]   رضى الله تعالى عن أصحاب نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وقد مضت عليهم سنوات طوال بعد موت حبيبهم ثم وفد عليهم بلال بن رباح مؤذن النبى صلى الله عليه وسلم وكان قد رحل عن المدينة بعد موت النبى الكريم عليه الصلاة و السلام ، لم يستطع العيش فيها بعد موته فسكن الشام واستقر بها ، تابع معنا ما رواه الحافظ ابن عساكر بسند جيد عن بلال بن رباح رضي الله عنه أنه لما نزل ((بداريا)) اسم مكان قريب من الشام رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بعد وفاته وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني؟ فانتبه بلال حزينا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه!!! فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما فجعل بلال يضمهما ويقبلهما فقالا له: نتمنى أن نسمع آذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فعلا سطح المسجد ووقف موقفه الذي كان يقف فيه فلما قال: ((الله أكبر، الله أكبر)) ارتجت المدينة فلما قال: ((أشهد أن لا إله إلا الله)) ازدادت رجتها، فلما قال: ((أشهد أن محمدا رسول الله)) خرجت العواتق ـ النساء ـ من خدورهن وقلن: أبُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فما رؤي يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعده صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك اليوم.. سير أعلام النبلاء(1/358).   وعلى الدرب سارت اجيالٌ فاضلةٌ نافست الصحابة الكرام فى محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم و ضربوا الأمثلة مثلهم فى الحب الصادق والشوق القوى والحنين الشديد ، وسطروا بدموع الليالى على خدودهم وهم واقفون بين يدى ربهم ويناجونه ويمجدونه ، تعرفهم الأسحار بصلاتهم وذكرهم ، وتعرفهم المساجد بسيرهم اليها فى الظُلم ، وعمارتهم لبيوت الله تعالى ، لهم ذكر طيب بين الناس بأخلاقهم وسلوكهم وأدبهم الذى تعلموه من سيدهم محمد طب قلوبهم وشفاء صدورهم صلى الله عليه وسلم .   إنَّ الملايين التى تهتف اليوم " الرسول قدوتنا " وتسعى بكل همة ونشاط حتى تسير البشرية سيراً طيباً مقتفية هدى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وتبذل من وقتها ومالها وراحتها وحريتها بل وروحهامن أجل ان تكون كلمة الله تعالى هى العليا و ان تسود القيم والمبادئ والاخلاق التى بشر بها النبى صلى الله عليه وسلم وامر بها ، وان تكون المرجعية العليا لحياتهم ومنهاجهم وتشريعتهم ودستورهم للمنهاج الذى جاء به النبى محمــد صلوات الله وسلامه عليه ، فى ذكرى مولد الهادى البشير يطيب لى أن احيى هذه الأمة المباركة امة الإسلام وهى تعيش اليوم مخاضا عسيرا يعقبه - بإذن الله تعالى - ميلاد جديد وفجر عظيم تشرق بعده شمس امتنا ولا تغيب .   وأهتفُ فى أذن الأحبة الكرام المبلغين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحاملين لواءه أئمة المحراب وأعلام المنابر : هذه مناسبة ذهبيــة تتاح لكم كيما تذكر الناس بحبيب قلوبهم ونور حياتهم ، كيما تشحنوا قلوب الناس باليقينيات المنجية والمؤيدات الربانية وما اجراه الله تعالى من كرامات ومعجزات ومصدقات على يدى النبى الكريم والإيمانيات الحيــة والمحبة الصادقة والإتباع للنبى محمد صلى الله عليه وسلم ،ليكن شهرا ربيع مساحة زمنية لشحذ الهمم وايقاظ روح المنافسة فى محبته واتباعه والدفاع عنه وعن سنته . وددتُ لو خصصنا كل حديثنا فى الفترة الوجيزة القادمة للسير فى هذا الإتجاة العظيم نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتكن خطب الجمع والجماعات وخواطر الصلوات والمحاضرات ، و دروس الليل والنهار ،والمسابقات والحوارات ،كلها تفيض بهذه المعانى التى أشرت الى بعضها ،وأود ان اتلقى إجابة من إخوانى الدعاة ، بل من كل حبيب للنبى الكريم عليه الصلاة والسلام : إذا لم تشتاق القلوب وتحنُّ لرسول الله فى هذه الأيام فمتى نشتاق إليه ؟ ومتى نحنُّ اليه وتهفو نفوسنا إليه ؟ أكاد أسمع صرخات إمام التابعين الحسن البصرى رضى الله عنه وهو يحدث الناس بحديث حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان الحسن البصري رحمه الله يحدِّث بحديث الجذع الذي كان يخطب رسول الله عليه ثم تركه واتخذ المنبر فحنَّ الجذع وسُمِع له صوت كصوت العِشار ـ كحنين الناقة التي يُنتزع منها ولدها ـ حتى سمعه كل من في المسجد فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكن - والحديث بالصحيحين البخارى ومسلم -فكان الحسن البصرى إذا حدّث بهذا الحديث يقول :   (يا معشر المسلمين.. الخشبة تحِنُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه .)   إنَّ على الدعاة دوراً عظيمــاً اليوم لإحداث نهضــة روحيــة تحتاجها الأمة وهى تتأهب لتحقيق نهضتها الشاملة وبناء دولتها الحديثة ، يقظة الأرواح ونهضـــة النفوس بداية الطريق وأول المسير ، وماأطيب ما ذكره إمامنا الشهيد حسن البنــا رحمه الله وهو يجيب على سؤال طرحه على الأمة من أين نبدأ ؟ فيقول :   ( إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادىء تحتاج من الأمة التى تحاول هذا أومن الفئة التى تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل فى عدة امور   إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف وفاء ثابت لايعدو عليه تلون ولا غدر - تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل معرفة بالمبدأ والإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه ، والإنحراف عنه والمساومة عليه ، والخديعة بغيره على هذه الأركان الأولية التى هى من خصوص النفوس وحدها ، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبنى المبادىء وتتربى الأمم الناهضة وتتكون الشعوب الفتية وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنا طويلا وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة ، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه ، فهو شعب عابث مسكين، لايصل إلى خير ولا يحقق أملا وحسبه أن يعيش فى جو من الأحلام والظنون والأوهام : ( إن الظن لايغنى من الحق شيئا ) (رسالة إلى أى شىء ندعو الناس   وقبل أن نفترق أذكر الإخوة الأكارم براية التحدى التى رفعها سيد من سادات التابعين رضى الله عنهم أجمعين أبو مسلم الخولاني رحمه الله ( أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا، فوالله لنزاحمنهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم قد خلفوا ورائهم رجالا .) فمن يجيب و يردد معه ويسير سيره يزاحم الصفوة المختارة من الخلق ليكون فى زمرة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ؟؟؟