عندما تنتفض مصر
بقلم / عائد الطيب
أرض الكنانة مصر , العمق الاستراتيجي للأمة العربية , مصر
التاريخ الذي خرج منها صلاح الدين الأيوبي منطلقا لتحرير بيت المقدس و ليسطر معركة
حطين على تراب فلسطين , لتتواصل المسيرة و يتكامل دور مصر في التصدي للهجمات
المهددة للعالم الإسلامي لينهض بطل آخر سيف الدين قطز و التي شاءت الأقدار أن تكون
أرض فلسطين مرة أخرى ساحة عز و شرف و ليتصدى على أرضها للتتار في موقعة عين جالوت
الشهيرة و يدحرهم و يوقف زحفهم القاتل و المدمر , مصر التي تحمل في ثقافتها
الأصيلة معاني النخوة و التصدي و لا ننكر حجم الدماء المصرية الطاهرة التي تشربتها
أرض فلسطين منذ العام 1948 م
إلى العام 1967م , ليكون الارتباط بين فلسطين ومصر , ارتباط تجسده الدماء و المصير
الحتمي و المشترك .
ثلاثة عقود كان لها الأثر في غياب الوعي و فقدان الجزء
الأكبر من الذاكرة الأصيلة للشعب المصري , لتسود حالة من الذهول و الغياب عن
الواقع المرير تحت وقع الاضطهاد و قوانين الطوارئ و منظومات قمعية بهدف تغييب كامل
الشعب المصري عن حقيقته و محيطه ودوره الريادي و الذي قام به على مدار مراحل
متعددة من التاريخ , و لكن غاب عن الجميع أن الوعي و إن غاب فهو باق في الأعماق و
الذاكرة تظل تجتر شخصيتها حتى يحين الأوان لتنتفض و تعيد تشكيل المرحلة .
مصر تفهم جيدا و عند الشدائد أين تضع قدمها و متى تنتفض , و
المثير أن الشعب المصري صاحب النفس الطويل و الصبر الجميل إذا انتفض فإنه انتفاضته
تبشر بالأمل في عودة مصر إلى موقعها كدرع واق لكل الأمة لما تملكه من إمكانيات
بشرية هائلة وعقليات لا تحتاج سوى للمناخ المناسب لتبدع و تبتكر و تتطور , إن
انتفاضة الشعب المصري بعد صبر دام لعقود ثلاث و تحمله هيمنة الحزب الحاكم و تفرده
بالقرار و الاستئثار بكل الخيرات , هذه الانتفاضة لابد لها أن تحقق أحلام الشعب
المصري بالتغيير الجذري و الشامل و الإصلاحات , و لكن حذار من أياد مشبوهة
انتهازية مسيسة إقليميا و دوليا بدأت تطفو على السطح و تريد أن تمارس الانتهازية
بأبشع صورها و استغلال الوضع القائم لتحقيق مكاسب شخصية و مكانة هم أبعد ما يكونوا
عنها , حذار من وقوع انتفاضة الشعب المصري في أيدي أحزاب سياسية و شخصيات يتم
تلميعها لمصالح خارجية بهدف تمرير مؤامرة تضمن احتواء هذه الانتفاضة بما يضمن
استمرار الأوضاع السابقة و لكن بشكل و ملامح أجمل .
إن عفوية و نقاء انتفاضة الشعب المصري يجب الحفاظ عليها بقدر
الإصرار على المطالبة بالتغيير و الإصلاح الجذري و الشامل , فهذه الانتفاضة
المذهلة جعلت جميع الأطراف يتخبط في قراءاته و رؤيته , فلم يكن أحد من المحللين
يتوقع ثورة الشعب المصري و خروجه إلى الشارع بهذا الشكل الذي يدل على أصالة و
شجاعة في مواجهة نظام حاكم كان الشعب المصري في آخر حساباته و رهاناته , ليفرض هذا
الشعب على النظام تغيير الحكومة و القيام بإجراءات ما كانت تتحقق لولا استيقاظ هذا
النظام على كابوس الإرادة الشعبية التي تستطيع فرض رؤيتها بما يضمن بقاء مصر في
دائرة دورها الريادي عربيا و إقليميا و دوليا .
عندما تنتفض مصر فهذا يعني أن زمن جميل و رائع في طريقه
للعودة , زمن قد يعيد شيئا من الكرامة العربية المسلوبة بقرار دولي و تواطؤ معظم
الأنظمة العربية الجاثمة على صدور شعوبها , هذه الكرامة آن لها أن تكون الوجه
الحقيقي لأمة عظيمة بشعوبها و لكن للأسف يعمل حكامها جهارا على قتل أي روح متوثبة
للأفضل في الصدور بالقمع و التنكيل و القتل و الاعتقال و بكافة الممارسات الممكنة
الضامنة لاستمرارية هذه الأنظمة .
عندما تنتفض مصر فهذا يعني أن شيئا من اختلال القوى في
معادلة الصراع مع العدو الصهيوني قد يستقيم لتكون مصر بالفعل لاعبا محوريا و داعما
حقيقيا لمسيرة المقاومة الفلسطينية في صراعها مع الكيان الصهيوني و الذي بات يبدي خشيته
و رعبه من هذه الانتفاضة الحلم الذي طال انتظاره , هذا الرعب الصهيوني أولى
البشائر لانتفاضة الشرفاء و المخلصين من الشعب المصري , و البقية تأتي في حال
تحقيق كافة المطالب بالإصلاح و القضاء على كافة رموز الفساد على أرض مصر .