Menu
تقرير : ولادة الأسيرات ..نار قسوة السجان ونار بعد الأهل إلى جانب آلام المخاض

تقرير : ولادة الأسيرات ..نار قسوة السجان ونار بعد الأهل إلى جانب آلام المخاض

قــــــاوم-قسم المتابعة/ تقرير - أسماء محسن : مرت الأيام كل يوم كان يحمل معاناة عشرات الأعوام, كانت تحفه الآلام الشديدة والأوجاع التي تعجز الأقلام الكتابة عنها, وقد آن الموعد وهي لاتزال تقبع خلف أسلاك حديدية بعيدة عن زوجها وأهلها, فتشتد الآلام لتتيقن أنها أوشكت على الولادة, فيتحلق الخوف حولها وتبدأ آهات الصراخ وحرقة الدموع تسيطر على مشاعرها..ولن تجد أمامها سوى سجان قاسي يكبلها ويصرخ ويشتم وتبدأ حكايتها مع أقسى أنواع الولادة....   هكذا حال كل أسيرة تخوض مراحل الحمل والولادة داخل السجون الإسرائيلية, حيث تحدثنا أسيرات محررات ذقن تلك المرارة في التقرير التالي: أخذوني مقيدة الأسيرة المحررة أميمة الأغا خاضت تلك التجربة المؤلمة جسدياً ونفسياً في لحظات لن تنساها أبداً, تقول:" اعتقلت وأنا حامل بشهرين عام 1993م وتم نقلي إلى سجن المجدل وبقيت هناك, ولم أكن أعرف أنني حامل إلا بعدما حدثت معي آلام وذهبت إلى المستشفى وقالوا لي هناك إنني حامل، وقد قضيت فترة الحمل كاملة داخل السجن وقد كانت فترة مليئة بالمصاعب والمتاعب التي أرهقتني, وقد مرت الأيام والشهور حتى آن موعد الولادة وبدأ وجع الطلقات يؤلمني وأنا داخل السجن بعيدة عن زوجي وأهلي".  "أخذوني للولادة في مستشفى السجن وأنا مقيدة الأيدي والأرجل، وقد اعترضت الطبيبة على تقييدي، وبعد جدل كبير بين الطبيبة وإدارة السجن والسجانين المرافقين، تم فك أرجلي وربطت يداي بالسرير، بالإضافة إلى المعاناة النفسية حيث لا يوجد أحد من أهلي معي، كما أن إدارة السجن رفضت أن تبلغ الصليب الحمر ليقوم هو بإبلاغهم، وبعد مخاض عسير أنجبت طفلتي حنين، وبقيت معي عامين وفقاً للقانون الإسرائيلي ثم أخذها الصليب الأحمر في أواخر 1995 إلى أهلي، فيما بقيت أنا في السجن". أقاوم المعاناة لن تختلف معاناة الأسيرة المحررة ميرفت طه عن سابقتها فهي الأخرى ذاقت مرارة المعاملة القاسية وآلام الحمل والمخاض, تحدثنا عن تلك التجربة:" لم أظفر بأي معاملة معقولة كوني حاملاً, فعندما كنت في سجن الجلمة كان يأتي ممرض كل يومين أو ثلاثة لفحص ضغط الدم والنبض عندي, أما في سجن الرملة فلم يتم فحصي على الإطلاق, ومع ذلك مرت الأيـام رغم عناء الحمل". حان وقت ولادتها وقد أتعبتها آلام المخاض وبدأ شعورها بالخوف الشديد آنذاك, فهي تتألم بين نارين محرقتين نار قسوة السجان عليها ونار بعد الأهل عنها, كانت المعاملة معها لا إنسانية كالعادة حين ولادة كل أسيرة, الأمر الذي أدى إلى تعسر ولادتها, ثم تم نقلها إلى المستشفى مكبلة الأيدي والأرجل, وكانت محاطة بأربع مجندات بحجة الحفاظ على الأمن من امرأة أضعفتها آلام المخاض القاتلة. تتذكر معاناتها آنذاك وتعجز عن وصفها من شدة القسوة التي لاقتها إلى جانب ألمها الشديد, تضيف:" لقد فكوا قيودي قبل ربع ساعة فقط من الولادة، ومن ثم أعادوا تكبيلي وأعادوني للسجن، رغم الإرهاق والتعب الشديد الذي كنت أعانيه، ثم بدأت أقاوم معاناة جديدة بسبب الاهمال حيث كنت أشعر بآلام شديدة في صدري, ولم أكن أتمكن من إرضاع طفلي, في الوقت الذي لم تقدم فيه إدارة السجن الحليب الصناعي إلا مرتين فقط، وكنت دائمة الخوف عليه". تطرقت في حديثها إلى أثر حياة السجن على طفلها قائلة:" إن الأطفال يفترض أن يولدوا في ظروف صحية مناسبة، وينعموا بالحرية ويعيشوا حياة مليئة باللعب والضحك، ولكن ابني وائل لم يجد أمامه سوى السجان والعتمة وضيق المساحة، فكان يلجاً للاختباء الدائم في حضني للبكاء أو النوم بعد تعب طويل في البحث عن لعبة تستهويه أو طعام يسد جوعه، راغباً بالخروج من الزنزانة المعتمة الضيقة للعب بحرية مع أطفال مثله وألعاب تناسب عمره". ولادة قيصرية المعاناة كانت واحدة والآلام متشابهة لكل من قدر لها أن تلد داخل السجن فالأسيرة المحررة سمر صبيح وهي آخر الأسيرات اللواتي وضعن مواليدهن في الأسر، لا تختلف ظروف ولادتها عن سابقاتها، حيث أدخلت لمستشفى "مئير- كفار سابا" بطريقة سيئة ومنافية للمواثيق الإنسانية، وتعرضت للتفتيش العاري والمهين وهي مكبلة اليدين والرجلين بمرافقة ثلاثة سجّانين، إضافة إلى خضوعها للفحص الطبي دون فك قيودها، وتم إبلاغها أن ولادتها ستتم من خلال عملية قيصرية، ورغم ذلك لم يسمح لأمها بمرافقتها أو لزوجها الذي كان معتقلاً آنذاك في معتقل النقب، وبقيت مقيدة لحين دخولها إلى غرفة العمليات، ومن ثم أعيد تقييدها بالسلاسل بعد العملية، وتعرضت لعملية التفتيش العاري مرة أخرى أثناء عودتها من المستشفى لسجن "تلموند"، دون مراعاة لوضعها الصحي. عبد الناصر فروانة الباحث المختص بقضايا الأسرى أوضح أن حالة الولادة داخل السجون الإسرائيلية كما أفادت به الأسيرات المعنيات قهرية وصعبة للغاية ولم تتم بشكل طبيعي، كما تفتقر للحد الأدنى من الرعاية الطبية، وكالعادة تنقل الأسيرات الحوامل من السجن إلى المستشفى في ظروف صعبة تفاقم المعاناة، وتحت حراسة عسكرية وأمنية مشددة ومكبلات الأيدي والأرجل بالأصفاد المعدنية، دون السماح لعائلاتهن بالحضور والوقوف بجانبهن، ويتم تقييدهن في الأسرّة بالسلاسل الحديدية أيضاً، حتى لحظة دخولهن لغرف العمليات، وبعد عملية الولادة يُعاد تقييدهن ثانية بالسرير. وأضاف فروانة أنه ومن الناحية الطبية فإن من طرق تخفيف آلام الولادة الطبيعية هو رفع الروح المعنوية للسيدة الحامل وتهيئة أجواء مريحة لها وأن الطبيعة المحيطة الذي تعيش فيه وتأثير روايات الآخرين وتجاربهن السابقة أو تجربة حمل سابقة مؤلمة للسيدة، من شأن ذلك أن يؤثر سلباً عليها، كما أن تكبيل الحوامل خلال الحمل والمخاض وأثناء الولادة من شأنه أن يشكل خطراً على صحة الأم والجنين معاً. وأشار إلى أنه لن تقتصر معاناة الأسيرة الحامل على مرحلة الولادة، ومشكلتها لا تنتهي بانتهاء عملية الولادة، بل تمتد إلى ما بعد ذلك، حيث يُعاد تقييدها بالسلاسل في السرير الذي ترقد عليه، ويتم معاملة الطفل الجديد كأسير، وليس كطفل مولود رضيع يستحق العناية الخاصة وبحاجة إلى توفير مستلزماته الخاصة من راحة وعناية صحية فائقة وغذاء وحليب وتطعيمات ضرورية وغيره. وأكد أن هؤلاء الأطفال المواليد يحتجزون مع أمهاتهم في ظروف اعتقالية سيئة جداً ويحرمون من أبسط حقوق الطفولة، ويتعرضون لأقسى أنواع القهر والحرمان مثلهم مثل أمهاتهم الأسيرات حين قمعهن واقتحام غرفهن ورشهن بالغاز أو المياه الباردة، بالإضافة لانتشار الحشرات وندرة المياه الساخنة وانعدام التهوية، ما يعرضهم للمرض في غياب الرعاية الصحية، لافتاً إلى أنه وفي أحيان كثيرة أقدمت إدارة السجن على مصادرة حاجياتهم الخاصة وألعابهم الصغيرة النادرة التي يدخلها لهم الصليب الأحمر، وفي أحيان أخرى تتم معاقبة الأسيرات بسبب بكاء وصراخ هؤلاء الأطفال، كما يمنع الأهل من إدخال الحليب أو الفوط.وأكد فروانة أن الاحتلال لم يترك وسيلة إلا واستعملها لقمع الأطفال الفلسطينيين وإرهابهم وتحويل حياتهم إلى جحيم فسلب طفولتهم وحقهم بالعيش والاستمتاع بالحياة الطبيعية كباقي أطفال العالم, فجرح واعتقل وقتل الآلاف منهم، كما أجبر بعضهم قسرياً على أن يبصروا النور في عتمة الزنازين وأن يطلقوا صيحاتهم الأولى داخل السجن، ليكبروا وتكبر معهم المعاناة