Menu
الإسراء والمعراج .. المسؤولية المتجددة !!

الإسراء والمعراج .. المسؤولية المتجددة !!

الإسراء والمعراج .. المسؤولية المتجددة !! بقلم/ أسامة الصالح لم يكن حادث الإسراء والمعراج بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حادثاً عرضياً، ولا حلماً في المنام، ولا خيالات في الخاطر. بل كان حقيقة واقعية، وترتيباً إلهياً، له مدلولات ومعان عظيمة، فقد ثبت في الصحيح أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مع جبريل طست من ذهب فيه حكمة، فشق صدر النبي عليه الصلاة والسلام، وغسل قلبه، وأفرغ ما في الطست في صدره الشريف، ثم أغلقه، وأتاه بدابة – هي البراق – وحمله عليها إلى بيت المقدس في الرحلة الأولى، وهي رحلة الإسراء، والتي سطرها القرآن الكريم آيات عظيمة تتلى إلى قيام الساعة، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة عظيمة سميت بـ (سورة الإسراء) أو (سورة بني إسرائيل) – ولأسماء السور القرآنية دلالات عظيمة ومعان فريدة لمن اطلع على ذلك وفتح الله عليه في الربط بين اسم السورة والمعاني التي فيها- قال سبحانه: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير}. فإذاً كانت رحلة الإسراء إلى بيت المقدس والمسجد الأقصى على وجه التحديد لإظهار العبودية لله وتعظيمه سبحانه وتعالى وتسبيحه وتقديسه، وليري حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام من آياته العجيبة، وليثبت البركة للمسجد الأقصى وما حوله. فهل فطن المسلمون إلى عظم هذه الحادثة الليلية العجيبة، وأن الله تعالى يسبح على فعله العظيم، وأنه تعالى خاطب نبيه صلوات الله وسلامه عليه بمقام العبودية التشريفية والتي لم يخاطبه بها إلى في مواطن عظيمة محددة وردت في القرآن.  وأن وصف بيتي الله تعالى جاء بصيغة (المسجد) ولم يقل الباري سبحانه وتعالى : من البيت الحرام إلى بيت المقدس – مثلاً-، وذلك للإشارة إلى أهمية السجود والخضوع والعبودية لله تعالى، ودور ذلك في المحافظة على المسجدين!! وأن المسجد الحرام مرتبط بالمسجد الأقصى والعكس صحيح، وأن كلاهما يرتبط برباط وثيق عميق في عقيدة التوحيد، وأن السجود لله تعالى في المسجد الحرام يبقى ناقصاً حتى يتم كماله في المسجد الأقصى !!  وأن المقصود هو بقعة السجود وليس البناء، وإن كنا مطالبين بالحفاظ على كل ما يمت للمكان بصلة، ولكن لا يقتصر المسجد الأقصى على المصلى القبلي أو على قبة الصخرة، أو على المصلى المرواني، بل كل ما هو داخل السور ويتبع للمكان ومساحته قرابة (143) كيلومتر مربع، كل ذلك يسمى المسجد الأقصى، فتنبه أيه المسلم واحفظ ذلك جيداً. وأن من يفرط في أحد المسجدين يمكن أن يفرط في الآخر، فكلاهما مقترن بالآخر، وكلاهما منطلق لعبودية الله، فالأول منطلق رحلة الإسراء، والثاني منطلق رحلة المعراج، والعجيب أن الثاني أعظم في منطلقه، وذلك أن المسجد الحرام كان منطلقاً للقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بينما الثاني كان منطلقه عليه الصلاة والسلام للقاء رب الأرباب ومالك الملك سبحانه وتعالى، والأول كان بالسر عن عيون الناس لأن فيهم المشركون والمنافقون، والثاني كان بالعلن أمام أعظم كوكبة وأشرف جمهرة عرفتها الأرض على مر العصور والأزمان، فهلا تنبهت يا مسلم إلى هذه اللفتة المهمة !! وأيضاً فقد ذكر المسجد الأقصى بأن ما حوله مبارك، ومن باب أولى أن يكون هو أشد بركة وأكثر تعظيماً، وهذا يدل على أهمية أيضاً، والبركة لا تشترى ولا تتحصل، ولكنها فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء، وهنا نسب الله تعالى إيجاد البركة للمسجد الأقصى وما حوله بأمره سبحانه ومنه (الذي باركنا حوله)، فهي بركة خاصة عظيمة تولى المولى عز وجل إسباغها عليه، فتنبه إلى ذلك وعظمته. وكذلك، فمن ارتبط وربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، لا يفرط ببركة الأقصى وما حوله، ويتشبث بها، ويحافظ عليها. ومن الإشارات في هذه الآيات أيضاً، أن هذه الحادثة وما تبعها من المعراج، كانت ليرى رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم من آيات الله عز وجل –وقد رآها، كما جاء في سورة النجم: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}-، فالآيات ابتدأت بشق صدره الشريف، وملئ قلبه وصدره بالحكمة، وبحمله على البراق، ووصوله السريع – الذي يمكن أن نشبهه بسرعة الضوء، فكما جاء في الحديث الصحيح أن الدابة هذه كان تضع حافرها عند منتهى بصرها – فسبحان من خلقها وأوجدها وسخرها لحمل أشرف نبي وأشرف ملك!!، ومن ثم وصوله إلى المسجد الأقصى ولقاؤه مع الأنبياء والمرسلين جميعاً من لدن آدم إلى عيسى عليهم جميعاً صلوات ربي وسلامه، فإذا بالمصطفى صلى الله عليه وسلم يعطى القيادة العامة، والريادة التامة على جميع الأنبياء والمرسلين، ويقدم لأعظم صلاة شهدتها الكرة الأرضية، في محفل مهيب عجيب، يقيم الصلاة جبريل عليه السلام أمين السماء، ويتقدم أمين الأرض محمد صلى الله عليه وسلم للإمامة، ويصطف خلفه سادة الدنيا، وسادة الجنان، ولا يعلم عددهم تماماً إلا الله عز وجل، والأحاديث الواردة في عدتهم ضعيفة، والمذكور منهم في القرآن الكريم خمس وعشرون نبياً ورسولاً، وهناك أعداد لم يذكرها الله تعالى {ورسلاً قد قصصناهم عليك ورسلاً لم نقصصهم عليك}، وفي هذا الجمع المبارك المهيب، صلى رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهي إشارة إلى هيمنة الإسلام على سائر الأديان، وتبعية الرسالات كلها لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يتم لأحد إيمان ولا نجاة إلى باتباعه، ولذلك فقد تكفل الله تعالى بحفظ دينه وكتابه القرآن الكريم، لأنه سيكون نبراس الناس ودستورهم إلى قيام الساعة.  ومن حفظ الله تعالى لشعائر هذا الدين؛ حفظه للمسجد الأقصى، فهو المسجد المبارك، وهو محل صلاة الأنبياء والمرسلين، وهو منطلق معراج حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أحد ثلاثة مساجد لا تشد الرحال إلا إليها، وصلاة فيه تعدل مائتين وخمسين، أو خمسمائة – على اختلاف الروايات -، وهو محشر الناس ومحل نفخ الصور، فهل ترون أن الله تعالى يسلمه ويتركه لإخوان القردة والخنازير ليبقوا فيه إلى ما لا نهاية !! ولذا فإن الآية الكريمة ختمت بقوله سبحانه وتعالى (إنه هو السميع البصير) فهو سبحانه وتعالى يسمع ما يدور هناك، ويبصر ما يجري، ولا يظنن ظان أن الله تعالى يغفل عما يفعله الظالمون، ولكن له حكمة وإرادة غالبة، وقد وضع في هذه الدنيا سنناً وقوانين، من سار وفقها فاز ووصل، ومن تركها ضل وفشل. ولذا فعلى الأمة الإسلامية جمعاء؛ أن تعرف قدر نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، والمكانة العظيمة التي أعطاها له رب العزة سبحانه وتعالى، وتعرف أهمية المسجد الأقصى في الإسلام، وربطه بالمسجد الحرام، وأن تسعى جادة بالسجود أولاً لله وحده، والسعي ثانياً – كما سعى رسولنا صلى الله عليه وسلم- وببذل الجهد والاجتهاد في حماية الأقصى وتطهيره، وأن هذا لا يتم إلى بالعودة إلى التوحيد الخالص لله عز وجل، وتوحيد القبلة نحو المسجد الحرام، والاجتماع على الدين، ثم الانطلاق باتجاه المسجد الأقصى بقوة وسرعة كالبراق، فساعتها يتحقق الوعد الذي جاء في نفس السورة العظيمة {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً، عسى ربكم أن يرحمكم، وإن عدتم عدنا، وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً} فمن يتقدم ليتبر ويهدم ما علاه يهود !!