Menu
خطيب الحرم المكي: بيت المقدس أمانة في أعناق المسلمين

خطيب الحرم المكي: بيت المقدس أمانة في أعناق المسلمين

قــاوم- قسم المتابعة: أكّد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد؛ أن قضية القدس وبيت المقدس وفلسطين هي قضية كل المسلمين، وأن بيت المقدس أمانة في أعناق المسلمين جميعًا، مشيرًا إلى أن أكناف بيت المقدس تجسد صمود المرابطين في أرض الإسراء، وتدون ملاحم الجهاد لشعب فلسطين ومن ورائهم إخوانهم العرب والمسلمون، دفاعًا عن الدين والأرض والعرض والمقدسات. فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى أساس في العزة ومنطلق الالتزام الصادق الحي بالدين والقيم والغيرة وبالوطن وسيادة العقيدة وشموخ المبادئ. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام: إنّ ’قضية فلسطين هي أم القضايا وهي الجرح الأعمق في جراح الأمة وفلسطين، وبيت المقدس أمانة في أعناق جميع المسلمين؛ هي أرضهم وفيها مقدساتهم، بيت المقدس قبلتهم الأولى ومسرى رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم’. ومضى فضيلته يقول: وتتعاظم المسؤولية وتشتد الأمانة؛ مع تعاظم المخططات والتعديات وظلم الممارسات والأخطار على القدس، التي تزداد يومًا بعد يوم، وسياسة التطهير العرقي وأخذ الحكم بوضع اليد، وإخراج أهل الدور من دورهم، وتشريد الآلاف من ممتلكاتهم والاستيلاء على بيوتهم ومزارعهم ومساكنهم؛ ليقيم عليها اليهود مستعمرات ومغتصبات، يسمونها مستوطنات. وتابع فضيلته: اعتداء على المصلين والمتعبدين والركع السجود، والتهويد المبيت والنهب المخطط والالتهام المدبر، هدف واضح؛ والخطة معلومة والعمل معلن، اتفق عليه اليهود بكل انتماءاتهم واتجاهاتهم وأحزابهم. الجدار العازل والحصار الاقتصادي، وسحب الهويات والاعتقالات، وتدني مستوى الخدمات، وإغلاق المؤسسات الخيرية، وانتشار البطالة بين الفلسطينيين، ومضايقة السكان بشتى ألوان المضايقات. مشيرًا فضيلته إلى أن ممتلكات المسلمين في القدس وفلسطين المحتلة تتناقص يومًا بعد يوم؛ بسبب العبث اليهودي من أجل طمس حقائق الحق الشاهدة على الأرض ودلائل الإثبات الراسخة. وأوضح فضيلته أنه لم يجد مع اليهود وعبثهم المواثيق الدولية، ولا الاتفاقات الثنائية أو الرباعية، ولا معاهدات ولا استنكار؛ فالمعاهدات الدولية تمنع من العبث أو التغيير في المعالم في الأرض المحتلة أو الاستيلاء على أثارها، فضلاً عن طمس تاريخها وهويتها. هذا هو الواقع وهذه هي الحال. وأردف يقول: ومع هذا الحال المظلم والوضع البائس يظن الظالم أنَّه قادر على تزييف الحقائق والتاريخ بجرة قلم، أو اتفاقية ظالمة، يظن أنَّه قادر على العبث بالذاكرة الإنسانية، يعتقد أنّ الأمم تبقى في سبات دائم لا يقضه معه. مشيرًا فضيلته أنّ دوام الحال في هذه الدنيا من المحال، والشعوب لا تقبل الهزائم والنفوس تأبى الظلم، والأمم ترفض الاحتلال، ناهيكم بتدنيس المقدس والعبث بالتراث، ولكي تعلموا يقظة الشعوب وثبات الحق، تأملوا الاحراجات التي يتلقاها مسئولو الدول الكبرى، وهم يتلقون ألوانًا من الأسئلة الصريحة الفاضحة، وتنديد بالمعايير المزدوجة ووعي الأجيال العربية والمسلمة بحقوقها، فهي حقوق ثابتة لا تسقط بالتقادم؛ فالمحتل قد يملك من وسائل الظلم ما يملك، من السجون والجنود والسلاح، ويبطش ويهدم ويقتل ويطرد ويسجن ويشرد، ولكنه ضعيف خوار أمام الصبر والكفاح والجهاد والمقاومة، فوجوده باطل وسلوكه محرم وتصرفه مجرم. والأرض لن تضيع. وأفاد فضيلته أن الحديث ليس عن قراءة التاريخ؛ بل عن الوعي بالتاريخ والسنن، فهو الذي ينهض بالأمة، وتقوم عليه النخب المسلمة، والليل مهما طال فعاقبته الفجر الصارم، والظلم مهما امتد فهو زائل، فالنصر للمظلومين، وسوء العاقبة للظالمين، ولا يقول المسلم أن ذلك أماني وتسليات، بل هو عقيدة وإيمان ويقين. القدس والمقدسات لا يعمر بها ظالم، والتاريخ شاهد أنّ كل الظالمين الذين دخلوها زالوا واندحروا وتبقى القدس وفلسطين لأهلها. على الظالم أن يقرأ التاريخ قراءة حكمة، والعلم بسنن الله عز وجل. عمر الاحتلال مهما بدا طويلاً في حساب الأفراد؛ فإنه قصير في حساب الأمم والشعوب. كما دعا فضيلته الأشقاء العرب لمعالجة خلافاتهم ومقاومة أي محاولة لتمزيق الصف وتفريق الجمع، مشيرًا إلى أن الاختلاف يضيّع الأوطان ويمزّق الكيان ويمكّن العدو. الأمة الحرة لا تطلب إحسان من أصحاب الإساءات والمغفرة من الظالمين الأمة الكريمة تعرف عدوها كما تعرف سبيل المجرمين وكيد الماكرين في وعي وعمل حكيم وسعي دؤوب. وأردف فضيلته يقول: ’أهلا لأهلينا المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس رفضوا الاستسلام وأصروا على أن يعيشوا أعزة ويموتوا شهداء. مقاومة أهلنا في القدس مقاومة مباركة شريفة يقومون بها بشجاعة وبسالة، متعالين على العنت الصهيوني والتسلط الظالم. أما إخوتنا في القيادات الفلسطينية فأوصيهم بتقوى الله في أنفسهم ومسؤولياتهم، إن خلافهم يضعف قضيتنا ويبعثر جهودنا، ويضعف أي تأثير عربي وإسلامي والرابح في هذا الخلاف هو العدو. كما ذكّر فضيلته الإخوة في فلسطين بقول الله عز وجل: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}، وبقوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. ثم دعاهم فضيلته وهو في مهبط الوحي وباسم إخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أذكركم بإيمانكم وبمواثيقكم المغلظة يوم اجتمعتم في البيت الحرام أمام الكعبة المشرفة. إنني أستحلفكم بالله رب البيت أن تكونوا جديرين بجيرة المسجد الأقصى، وأستحلفكم بالله أن يكون إيمانكم أكبر من جراحكم، أستحلفكم بالله أن توحدوا الصف، وأبشركم إن فعلتم ذلك، بنصر الله وفتح قريب. هذا هو الحال وهذه هي الوصية والآمال كبار، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولا عدوان إلا على الظالمين. وفي المدينة المنورة تطرق فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ حسين آل الشيخ في خطبة الجمعة اليوم إلى ما تعانيه أمة الإسلام من محن وفتن. وقال فضيلته: إنّ الأمة الإسلامية وهي تُعاني أقاسي المحن وأشد الفتن، لفي أشدّ الحاجة إلى أنّ تتعرف على التاريخ المجيد لسلفنا الصالح رضوان الله عليهم. ذلك التاريخ الذي يحمل في مضامينه ما يُعين الأمة على مواصلة رحلتها في الحياة على منهج صحيح وهدي رشيد، إنّه التاريخ الذي يغذي الأرواح، ويهذب النفوس، وينور العقول، ويقدم الدروس والعبر، مما فيه شحذ للهم وتقوية الإرادة، وإعداد الأمة وتأهيلها لمدارج العز، ومواطن النصر وأسباب التمكين. وبيَّن فضيلته أنّه في عهد الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه، تواصلت الفتوحات الخيّرة التي تحمل السعادة لبني الإنسان، والأمن بشتى صوره لجميع الأنام. مشيرًا إلى أنّه كان من طلائع تلك الفتوحات فتوحات الشام، والتي يأتي على رأسها فتح المقدس، وفتح القدس في العام السادس عشر. وأفاد فضيلته أنّ ذلك الفتح حمل دروسًا عظيمة وعبرًا جليلة، منها أنّ المسلمين يجب عليهم الاعتزاز بدينهم والثقة بربهم، وتحقيق التوحيد والتوكل عليه، وإخضاع حياتهم كافة لتقوى الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه قاعدة العز وأصل التمكن وأساس النصر والتأييد وسبب دفع المثولات ورفع البلايا. وتحدث فضيلته عن عهد عمر بن الخطاب وكتاباته إلى من سيرهم للفتوحات، التي أوصاهم فيها بتقوى الله والاستنصار بالله والتوكل عليه، والإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لما تحمله هذه الكلمة من معنى عظيم. كما تحدث عن صلاح الدين ومنهجه الرشيد الذي اتخذه في حياته. وقال فضيلته في هذا الصدد إنهم قوم تكلموا قليلاً وعملوا كثيرًا، وصدقوا وأخلصوا فأورثهم الله عز الدارين وفلاحهما. وأضاف فضيلته: إنّ من هذه الدروس الميمونة والعبر المباركة أنّ الأمة المحمدية من سماتها وعناصر وجودها؛ أنها أمة تُؤثر الآخرة على الدنيا، وليست أمة ترف، ولا بذخ، ولا لعب، ولا لهو، بل أمة تعيش همًا ساميًا، ومعنى راقيًا هو تحقيق العبودية لله، وإخلاص التوحيد له عز شأنه، وإصلاح هذه الدنيا لتكون معبرًا للآخرة الباقية، فليست الدنيا هي الهدف كما عليه كثير من الأمة اليوم. وأكّد فضيلته أنّ المسلمين المؤمنين الموحدين لا يأس عندهم، ولا يساورهم قنوط أبدًا، ما داموا معتصمين بالله متوكلين عليه، بل يعلمون أنّ ظلام الليل يعقبه نور الصباح، وأنّ العسر يتلوه اليسر، وأنّ الكرب يعقبه الفرج، فهم مهما اشتد بهم الكرب وعلتهم المحن؛ فهم بإيمانهم أقوياء وبتوكلهم على ربهم أشداء. وقال فضيلته: إنّ عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه عند فتح القدس يخبره ويستشيره بوضع قائد الروم، وما هو عليه من الدهاء والنكاية بأعدائه، ووصف أن له جندًا عظيمة في فلسطين وفي إيلياء؛ فقال عمر رضي الله عنه كلمته الشهيرة، التي تنم عن ثقة بالله عز وجل، ’قد رمينا ارطبون الروم ـ أي قائدهم ـ بأرطبون العرب فانظروا عما تنفرج’ . فكانت المعركة التي انتصر فيها عمرو على الروم، والتي مهدت الطريق إلى فلسطين. وفي نهاية خطبته ذكّر فضيلته الأمة الإسلامية أنّ المسجد الأقصى مكث في الاحتلال الصليبي الحاقد قرابة اثنين وتسعين عامًا، حتى تم فتحه بحمد الله جل وعلا على يد صلاح الدين؛ بفضل العودة إلى دين الله والتوكل عليه، وتحقيق التوحيد الخالص له، فاستبشر الناس من قبل فتح بيت المقدس بكل خير، بسبب ما رأوا من تغير أحوال الأمة وعودتها الصادقة لله سبحانه وتعالى.