Menu

“العمالة” أو الموت.. الاحتلال يبتزّ مريضات بالسرطان على حاجز “إيريز”

قـــاوم_قسم المتابعة / “تحت الصفر” هكذا وصفت الفلسطينية هيلانا السرحي حالتها النفسية السيئة، إثر تكرار رفض الاحتلال منحها تصريح مرور عبر معبر بيت حانون (إيريز) للعلاج من مرض سرطان الكبد، في مستشفيات الضفة.

وتجربة هيلانا (36 عاما) ليست استثنائية بالنسبة لمرضى قطاع غزة الذين يواجه نحو 44% منهم رفضا صهيونيا للتصريح لهم بالعلاج في مستشفيات الضفة والقدس المحتلتين، مما أدى إلى وفاة العديد منهم، بينما يواجه آخرون “الموت البطيء” في القطاع المحاصر.

ابتزاز على المعبر

قبل نحو 3 شهور، وبعد 4 طلبات للحصول على تصريح خروج للعلاج قوبلت بالرفض، طلبت مخابرات الاحتلال المريضة من قطاع غزة هيلانا للمقابلة في معبر “إيريز” وهو المنفذ الوحيد من غزة للمرور إلى باقي الأراضي الفلسطينية، ومخصص لشريحة محدودة من الأفراد والحالات الإنسانية.

في تلك المقابلة تعرّضت هيلانا لضغوط وابتزاز لمنحها التصريح مقابل حصول مخابرات الاحتلال على معلومات (أي العمل لصالحهم). وتقول للجزيرة نت “لم أفكر لحظتها في حياتي ورفضت فوراً هذا الابتزاز.. وغادرت المكان وكلمات ضباط الاحتلال تلاحقني: ستموتين في غزة ولن تحصلي على العلاج”.

اكتشفت هيلانا، وهي متزوجة وأم لولد وبنت، إصابتها بالسرطان عام 2019، وخضعت لعملية جراحية في غزة لاستئصال جزئي للكبد، وتعاني كغيرها من مريضات السرطان والأروام من عدم توفر العلاج كاملاً في مستشفيات غزة.

مرض لسنوات وعلاج لمرة واحدة

واحدة من هؤلاء هي الخمسينية صفية الصوالحة، التي تكررت إصابتها بأمراض السرطان منذ تشخيصها بذلك لأول مرة عام 2008، وخضعت في ذلك الحين لعملية استئصال رحم.

وعام 2014، اكتشفت صفية إصابتها بسرطان المثانة، وخاضت جولات من العلاج الجزئي بغزة، والإشعاعي بمصر. ويقول نجلها أحمد (23 عاماً) إن الاحتلال سمح بسفرها لمستشفى في مدينة الخليل بالضفة في مايو/أيار الماضي، لمرة واحدة، لتركيب دعامة لم تصمد حتى وصولها إلى غزة جراء مشاق الطريق.

وقبل هذه الموافقة وبعدها، قوبلت طلبات صفية (55 عاماً) للحصول على تصريح برفض صهيوني يصفه نجلها أحمد بأنه “غير مبرر”.

ولدى صفية 5 أبناء، أحدهم أحمد المتكفل بمرافقتها ومساعدتها، وجميعهم يعملون بمهن بسيطة، ولا يقوون على تحمل تكاليف السفر والعلاج في مصر كبديل عن مستشفيات القدس والضفة التي تتطلب تصريحا صهيونيا. ويتساءل الابن بمرارة “كلنا في البيت نتألم لألم أمي (..) لماذا يتم منعها من السفر للعلاج؟”.

عقاب جماعي

وتشير تقارير حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية ومراكز حقوقية فلسطينية إلى أن الاحتلال رفض خلال يوليو/تموز الماضي 19% من طلبات المرضى للحصول على تصريح علاج خارج القطاع، وكذلك طلبات 51% من مرافقي المرضى، فضلاً عن استدعاء 80 مريضاً للمقابلة الأمنية مع ضباط مخابرات صهاينة في معبر “إيريز” بكل ما يحمله ذلك من معاناة وضغوط وابتزاز أحيانا.

ووصف الباحث بمركز “الميزان لحقوق الإنسان” باسم أبو جري -للجزيرة نت- ما يتعرض له مرضى غزة بأنه “عقاب جماعي” تنتهك به الكيان الصهيوني “القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية”.

وقال أبو جري إن الاحتلال أضعف -على مدار 16 عاماً من الحصار- المنظومة الصحية، ويزيد من معاناة المرضى بسياسة الضغوط والابتزاز ورفض تصاريح العلاج للمرضى ومرافقيهم.

توقعات بتضاعف أعداد المرضى

وتسجل غزة سنوياً 2000 إلى 2500 حالة إصابة بالسرطان، بحسب الدكتور صبحي سكيك مدير عام مستشفى الصداقة التركي (متخصص بأمراض السرطان والأورام بغزة). وقال للجزيرة نت إن أمراض السرطان هي السبب الثاني للوفاة بغزة، وتشكل 15.4% من إجمالي الوفيات، بزيادة تقدر بنحو 3% عما كانت عليه قبل 3 سنوات.

واستدل سكيك على خطورة واقع مرض السرطان في غزة بدراسات لمنظمات دولية تشير إلى أن أعداد مرضى الأورام بالقطاع ستتضاعف بحلول العام 2040 في أوساط النساء والرجال.

وما يزيد من الواقع سوءا بالنسبة لمرضى السرطان عدم توفر 45% من الأدوية الأساسية، فضلاً عن رفض الاحتلال منح تصاريح العلاج لنحو 44% من المرضى عامة.

وبحسب بيانات مركز “الميزان” توفي جراء سياسة رفض تصاريح العلاج منذ مطلع العام الماضي 10 مرضى، من بينهم 4 أطفال، آخرهم الرضيع يوسف أبو رجيلة (4 شهور).

وقالت “أم عايش” والدة الضحية -للجزيرة نت- إن يوسف كان يعاني من مرض وراثي بالدم، لا يتوفر علاجه في غزة، وقد منحته سلطات الاحتلال تصريح علاج بالمستشفى الاستشاري بمدينة رام الله في الضفة، غير أنها رفضت مراراً بعد ذلك منح مرافقيه التصاريح اللازمة، حتى توفي بغزة في أبريل/نيسان الماضي.

حياة استثنائية

يكتفي الكيان الصهيوني من أساليب الضغط وزيادة آلام المرضى جسدياً ونفسياً، وهو ما عانت منه منى الشرافي مريضة سرطان الثدي التي بادرت لإطلاق مبادرة “رحلة روح” للتخفيف من الضغوط النفسية على قريناتها من المريضات.

وتقول للجزيرة نت إن طلبات 23 مريضة قوبلت برفض سفرهن للقدس من أجل ما وصفتها بـ “السياحة العلاجية والصلاة في المسجد الأقصى المبارك”.

والشرافي (41 عاماً) متزوجة وأم 4 أبناء، لم تكن قد زارت القدس قبل إصابتها بالسرطان وتلقي العلاج بمستشفى المطلع المقدسية، وتساءلت “أليس من حقنا زيارة القدس ومقدساتنا من دون ارتباطات بالمرض وآلام العلاج الإشعاعي؟”.

أما إيمان سليم (47 عاماً) وهي أم لبنتين، وعضو المبادرة، فخضعت للعلاج الجراحي والكيميائي بغزة بعد تشخيص إصابتها بسرطان الثدي عام 2019، وتضطر لخوض رحلة العلاج الإشعاعي في القدس بمفردها من دون مرافق تحتاج إليه، إثر رفض صهيوني متكرر أيضا.