Menu

ثواب الأضحية

يحتفل المسلمون في العاشر من ذي الحجة من كلّ عام بقدوم عيد الأضحى المُبارك، وهو ثاني العيدين عند المسلمين بعد عيد الفطر، ويمتدّ لأربعةِ أيام؛ أي حتّى اليوم الثّالث عشر من الشّهر الهجريّ نفسه، ويأتي هذا اليوم المُبارك في وقت لا يزال فيه الحجّاج يُؤدّون مناسكهم، وسُمّي هذا اليوم بيوم النّحر لأن الأضاحي تُنحر فيه. 

أما الأيام الثّلاثة التي تعقبه فسُمّيت بأيام التّشريق، وقد اختُلِف في سبب تسميتها؛ فقيل أنّها أيام التّشريق لأنّهم كانوا يشَّرِقون اللّحم فيها أي يعرضونها للشّمس. والقول الثّاني هو أنّ صلاة العيد تُصلّى بعد شروق الشّمس، وهذه الأيام تتبع اليوم الأول، فجاءت تسميتها من باب تسمية الشيء ببعضه.

ما هي الأضحية تعريفها الأضحية وجمعها أضاحٍ، وهي ما يُذبح من بهيمة الأنعام، الإبل والبقر والغنم، تقرُّباً إلى الله تعالى وهي مَأخوذة من الضّحوة، وهو أول زمنها، أي وقت الضُّحى.

أدلّة مشروعيتها لقد شرّع الله عزّ وجلّ للمسلمين أن يُقدّموا الأُضحية، وحثّهم عليها، ومن أدلّة ذلك: من القرآن الكريم: قال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)، وقال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر). من السنة النبوية: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُضَحِّي بكبشَينِ أملحَينِ أقرنَينِ، ووضَع رِجلَه على صفحتِهما، ويذبحُهما بيدِه).

حكمها لقد اختلف الفُقهاء في بيان حكم الأُضحية إن كانت سنّةً أو فرضاً على النّحو الآتي: القائلون بأنّها سنّة: ذهب جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعيّة والحنابلة، وهو الأرجح عند مالك وإحدى الروايتين عند أبي يوسف، إلى أنّ الأُضحية سنّة مُؤكّدة، ودليلهم قوله -عليه الصّلاة والسّلام- عن أم سلمة -رضي الله عنها-: (إذا دخلتِ العَشْرُ وأراد أحدكم أن يُضحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعرِهِ وبشرِهِ شيئًا)، ووجه الدّلالة في الحديث أنّه -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (وأراد أحدكم)، أي أنّ الأمر مُفوّض للإرادة. القائلون بوجوبها: ذهب إلى هذا القول أبو حنيفة، ومن أدلّته قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر).

ثواب الأضحية الأضحيةُ شكرٌ لله تعالى على نعمة الحياة، وهي إحياءٌ لسنّةِ سيدنا إبراهيم الخليل عليه السّلام إذ رأى في المَنام أنّه يذبحُ ولده إسماعيل، ولأنّ رُؤيا الأنبياء حقٌّ فقد هَمّ سيدنا إبراهيم بذبح ولده امتثالاً لأمر الله، ولكنّ الله -سبحانه وتعالى- أرسل كَبشاً عظيماً فداءً لسيّدنا إسماعيل. 

يتّعظ المسلم من هذه القصّة أنّ الصّبر وإيثار مَحبّة الله على مَحبّة النّفس والولد يكون سبباً في رفع البلاء وهي توسعة على النّفس وأهل البيت، وإكرامٌ للجار والضّيف، وصدقةٌ للفقير، وهو تحدّثٌ بنعمة الله، قال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ). ،كما أنها من باب المبالغة في التصديق بما أخبر به الله -عز وجل- .

 وممّا رُوِي في فضل الأُضحية عن عائشةَ أم المؤمنين -رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (ما عَمِلَ آدَمِيٌّ من عملٍ يومَ النَّحْرِ أَحَبَّ إلى اللهِ من إهراقِ الدَّمِ إنه لَيَأْتِي يومَ القيامةِ بقُرونِها وأشعارِها وأظلافِها وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ من اللهِ بمكانٍ قبلَ أن يقعَ من الأرضِ فطِيبُوا بها نَفْسًا). وقوله -عليه الصّلاة والسّلام- عن أبي سعيد الخُدَرِيّ: (يا فاطمةُ قُومي إلى أضحيتِكِ فاشهدَيها، فإنَّ لكِ بكلِّ قطرةٍ تَقطرُ من دمِها أن يُغْفَرَ لكِ ما سلفَ من ذنوبِكِ. قالتْ: يا رسولَ اللهِ ألنا خاصةً أهلَ البيتِ أو لنا وللمسلمينَ عامةً ؟ قال: بل لنا وللمسلمينَ عامةً).

شروط الأضحية شروط الأُضحية تُقسم إلى قسمين: 

الأول شروطُ يجب توافرها في المُضحيّ، وأما القسم الثّاني فيتعلّق بالحيوان المُضَحّى به:[١٤] شروط المُضحّي: الإسلام، والإقامة، والبلوغ، والعقل، والغنى. 

وقد عبّر المالكيّة عن الغنى بألّا يحتاج لثمنها في ضروريّاته في عامِه. 

شروط الأُضحية ذاتها: أن تكون من الأنعام؛ أي الإبل، أوالبقر، أو الغنم. أن تبلغ السنّ المطلوبة شرعاً؛ ففي الإبل أن تبلغ خمس سنوات وتدخل في السّادسة، وفي البقر أن تكون قد أتمّت السّنتين ودخلت الثّالثة، وفي الغنم أن تتمّ السّنة، ويَتَساهَل في الضّأن منه؛ فأجاز الحنفيّة أن يكون عمره ستّة أشهر إذا كان سمين اللحم، وهو قولٌ عند المالكيّة. أن تكون خالية من العيوب: كالمرض الظّاهر، والعَوَر، والعَرَج.

وقتُ الأضحية وللأضحية وقت مُحدّد تُهدى فيه، معلومٌ أوله وآخره أولُه: يبدأ وقت الأُضحية عند الشافعيّة والحنابلة إذا طلعت شمس يوم النّحر، وقال مالك إنّ وقت الأُضحية يبدأ بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه، وفرّق الحنفيّة في بداية وقتها بين أهل الأمصار وأهل القرى والبوادي؛ فأمّا أهل الأمصار فبداية وقتها بعد أن يُصلّي الإمام ويذبح، وعن أهل القُرى والبوادي فوقتها في حقّهم إذا طلع الفجر. 

آخره: عند الشافعيّة: مغيبُ شمسِ اليوم الثّالث من أيّام التّشريق، وبهذا تكون أيّام الذّبح عندهم أربعُ أيامٍ وهي العاشر والحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من شهر ذي الحجّة، ودليلهم قوله -عليه الصّلاة والسّلام-: (كلُّ أيَّامِ التَّشريقِ ذبحٌ) عند أبي حنيفة وأحمد ومالك -رحمهم الله جميعاً- هو مغيب شمسُ اليوم الثّاني من أيام التّشريق، وبهذا تكون مدّة الذّبح ثلاث أيامٍ وهي العاشرُ والحادي عشر والثّاني عشر من أيام شهر ذي الحجة.

تقسيم الأضحية ومن السُّنن التي يُستحبّ للمُضحّي فعلها أن يأكل من أضحيته، لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، ولقوله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إذا ضَحَّى أحدُكم فَلْيَأْكُلْ من أُضْحِيَتِهِ)، قال ابن قدامة: (ولنا ما روي عن ابن عباس في صفة أضحية النبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: (ويطعم أهل بيته الثّلث، ويطعم فقراء جيرانه الثّلث، ويتصدّق على السّؤال بالثّلث)).

 ويُشار إلى أنّ هذه القسمة ليست القسمة الواجبة، وإنّما في الأمر خلافٌ؛ فيرى المالكيّة استحباب الجمع بين الأكل منها والتصدّق والإهداء دون حدٍّ مُعيّن من ثلث أو غيره، ويرى الحنفيّة أنّ التصدّق بها أفضل من ادّخارها إلا أن يكون له حاجة فحاجته وعياله مُقدّمة.