Menu

مشاكل الكيان الصهيوني المتزايدة في تأكيد القوة برغم امتلاكها

قــاوم_قسم المتابعة/رغم انهماك الكيان الصهيوني الدائم وهوسه بتعزيز قوتها العسكرية فإنها في العقد الأخير صارت تعاني من مشاكل جدية في اثبات هذه القوة ليس فقط أمام الغير وإنما في الأساس أمام نفسها، ولا تزال حاضرة في الأذهان نتائج لجنة التحقيق التي تشكلت في أعقاب عدوان تموز في العام 2006 الذي اشتهر باسم حرب لبنان الثانية، وإذا كانت حرب لبنان الثانية قد أطاحت وزراء دفاع ورئيس أركان وقادة جبهة أثناء وفور انتهاء الحرب فإن الحرب الصهيونية على غزة في العام 2014 شكّلت صدمة أخرى.

صحيح أن قيادة الجيش الصهيوني طورت مفاهيم وتعابير خاصة مثل «تدفيع الثمن» و «تصفية الحساب» و «نظرية الضاحية» وهي ما تجلت بأساليب وحشية وتدميرية واستخدام قوة نارية هائلة وبكثافة شديدة إلا أن الصورة في النهاية كانت بعيدة عن النصر الساحق في حرب 1967. وإذا كانت حرب تشرين قد دفعت الصهاينة للاعتقاد بأن انتصارات كالتي تحققت في حزيران 67 لم يعد بالوسع تحقيقها بسهولة فإن الحروب اللاحقة مثل حربي لبنان الأولى ولثانية والحربين الأخيرتين على قطاع غزة بينت بشكل واضح أن ثمة معادلة جديدة.

ولهذا السبب شرع الجيش الصهيوني بالحديث عن تغيير الاستراتيجية والانتقال من وضع الاستعداد لمقاتلة جيوش عربية إلى مواجهة تنظيمات تمتلك مقدرات دولة. 

ولكن هذا الانتقال لم يضعف النهم الاستراتيجي لدى الجيش الصهيوني لامتلاك المزيد والمزيد من الأسلحة النوعية، فقط يمكن من خلال مراجعة أنباء الأسبوع الأخير فهم مدى التغيير، فقد أقرّا الكيان الصهيوني شراء سرب آخر من طائرات إف 35 المتهرّبة من الرادار ليغدو لديها بعد سنوات خمسين طائرة من هذا النوع الذي يقال إن وجوده في المنطقة سيغير المعادلات العسكرية، كما أقره الكيان الصهيوني شراء ثلاث غواصات جديدة من طراز دولفين مع ما رافق ذلك من مشاكل وفضائح واتهامات بالفساد.

ولا يقتصر الأمر عند ذلك فالتغييرات تطال الجيش البري ذاته من خلال العودة للتركيز على القوات البرية عموما وقوات النخبة خصوصا، ومن المقرر أن يقيم الكيان الصهيوني لواء كوماندو جديد في ظل التحسب من احتمالات الاضطرار لمواجهات أوسع ليس فقط مع المقاومة المعروفين في لبنان وفلسطين ، فالدبابات لم تعد رأس الحربة في المعارك البرية وكثيرا ما صارت تابوتا للجنود الموجودين فيها.

ومهما يكن الأمر فإن الجيش الصهيوني يحاول تأكيد حضوره في المجتمع الصهيوني بعد أن صار يعاني من تراجع هيبته وقيمته، صحيح أنه في نظر الرأي العام لا يزال الجيش يحتل المكانة الأعلى في التقييم بين كل مؤسسات الدولة العبرية لكن الفارق كبير بين تقديره وبين الافتخار به في الماضي. 

فقد كان الشاب الصهيوني يندفع للتجند في الجيش الذي كان يشكل ليس فقط مصدر فخر لها وإنما أيضا بوابة للتقدم في الهرم الاجتماعي والاقتصادي الصهيوني، واليوم ليس بالضبط هذا هو الحال وتكفي قراءة أخبار الأسبوع الفائت للتعرف على مجموعة من ثمانين مجندا تمردوا على محاولة إدراجهم في سلاح المدرعات، والصراع على أشده داخل الجيش بين المحافظين والليبراليين حول خدمة الفتيات في الوحدات القتالية وخصوصا في سلاح المدرعات، ومعروف أن الجيش الصهيوني يضطر بين الحين والآخر لتعيين حاخام متطرف كبير للحاخامات العسكريين لعدم قدرته على مواجهة النفوذ المتزايد للمتدينين داخل الجيش، وهذا يترك بين الحين والآخر أثره على العلاقة بين المتدينين والعلمانيين داخل الجيش الصهيوني.

وعموماً ورغم تقلب رئيس الحكومة المتطرف بنيامين نتنياهو بين التفاخر بعلاقاته مع دول عربية معينة وبين اتهامه للعرب عموما والفلسطينيين خصوصا بالتآمر من أجل إبادة الكيان الصهيوني يجد اليمين نفسه في ورطة، فهو بحاجة دائمة لإظهار أن الكيان الصهيوني في خطر وأن لا أحد فيها قادر على حمايتها أكثر من اليمين المتطرف.

 وفي الوقت نفسه يدرك أن مواصلة سياسة التهويل والتخويف من شأنها مع مرور الوقت أن تمس بالصورة القادرة التي يحاول اليمين المتطرف تأكيد وجودها في المحيط، ومع ذلك فإن أحداثا مثل حرائق القدس وحيفا برهنت على أن الكيان الصهيوني التي تستعد صبح مساء من أجل مواجهة الحرب تظهر في مواجهة كوارث طبيعية أقل شمولا في وضع بائس.

وقد أشار إلى ذلك عدد من المعلقين الذين تساءلوا عما كان سيحدث في الكيان الصهيوني لو أن هذه الحرائق تمت أثناء حرب مع «حزب الله» القادر بصواريخه التي تطال كل بقعة في فلسطين أن يجعل الحرائق كابوسا لا ينتهي، ولهذا ثمة أهمية كبيرة لما يرد في تقرير مراقب الكيان عن الحرب الصهيونية على غزة أثناء تعداده لمثالب حكومة نتنــــياهو. فالحرب لا تواجه بالحديث عنها ولا بالحديث عن الاستعدادات لمواجهتها وإنما أيضا بالعمل من أجل منع وقوعها.

وحكومات اليمين، منذ حرب لبنان الثانية وحتى الآن تتورط في حروب تعجز عن حسمها ولا تحقق من ورائها إنجازات تذكر والأهم أنها تخلق للكيان الصهيوني اسما سيئا، وهذا السوء لا يأتي فقط من العجز عن حسم المعارك وإنما أيضا من العجز عن الحيلولة دون وقوعها، فالحروب لم تعد نزهة وصارت مكلفة والأهم أنها صارت فقيرة الأهداف عدا الرغبة في الانتقام، ورغم أن الكيان الصهيوني تحاول غسل نزعة الانتقام فيها بأن تتحدث عن الردع كقيمة عليا في استراتيجيتها، إلا أن الانتقام بقي العامل الحاسم في رسم وبلورة «نظرية الضاحية».