Menu

الاحتلال يعيد الاعتبار لدور القوات البرية في الحرب المقبلة

قاوم / قسم المتابعة /  في الوقت الذي يتواصل فيه الجدل الصهيوني الداخلي، المدفوع بمعظمه باعتبارات حزبية موجّهة ضد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، حول العدوان الأخير على غزة صيف 2014، فإن الجدل حول العدوان على لبنان في يوليو/ تموز 2006، كان محور دراسات وتقارير عدة منذ مطلع الشهر الحالي، والتي ركّزت خصوصاً على وجوب اعتماد "عقيدة الضاحية"، بمعنى توجيه ضربات قوية للطرف المضاد، وهو ما تم أيضاً خلال العدوان على غزة.

وفي يوم دراسي نظمه مركز "أبحاث الأمن القومي الصهيوني"، لمناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على عدوان لبنان، اعتبر الجنرال احتياط عاموس يادلين، أن العبرة الأساسية من الحرب على لبنان تكمن في أنّ الاحتلال سمحت لنفسها أن "تلعب وفق قواعد المقاومة واكتفت خلال العدوان بمحاربة المقاومة ومواقعه من دون أن تدرك أنّها حرب شاملة بين الاحتلال ولبنان ككل حكومة وشعباً"، عندها سيختلف، باعتقاد يادلين، الموقف الدولي. وبحسب يادلين، فإن الحرب، في حال نشوبها مجدداً، كمواجهة عسكرية شاملة بين الاحتلال ولبنان وليس فقط مع المقاومة، ستدفع المجتمع الدولي إلى التدخل خلال ثلاثة أيام، لأن أمر لبنان ككل يختلف في حسابات المجتمع الدولي.

وبموازاة عشرات ومئات التقارير والأبحاث التي أجريت ونشرت في الكيان بهذا الشأن، جرت تغييرات أخرى في سياق استعداد الاحتلال للمواجهة العسكرية المقبلة، والتي يقر كثيرون في الاحتلال بأنها ستندلع لا محالة، سواء اقتصرت على مواجهة مع المقاومة أم مواجهة عسكرية في قطاع غزة. وأهم هذه التغييرات التي نجمت عن التغيير في قيادة الجيش الصهيوني وتعيين الجنرال غادي أيزنكوت رئيساً لأركان الجيش الصهيوني ليأتي بخطة لتطوير وإعادة هيكلة الجيش، إن بالصفوف أو في العقيدة القتالية، والتي عُرفت باسم "خطة غدعون"، وأقرها الكابينيت (مجلس وزاري مصغّر) الصهيوني في 16 إبريل/ نيسان الماضي. وتقوم هذه الخطة على أساس إعادة الاعتبار في المواجهات المقبلة لسلاح البر انطلاقاً من وجوب العودة في الحرب المقبلة إلى نمط التوغل في أراضي العدو وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية وبعمليات برية محدودة.

في هذا السياق، نشرت "يديعوت أحرونوت"، يوم الجمعة الماضي، مقابلة خاصة مع قائد سلاح البر، الجنرال كوبي براك، يتحدث فيها عن الأهمية التي يتولاها سلاح البر في الاستعداد للحرب المقبلة ودوره فيها، مع دلالات ضم قسم التخطيط اللوجستي لسلاح البر، ووضع جنرالين اثنين تحت قيادته على الرغم من أنهم يتساوون في التراتبية العسكرية.

ويقول براك للكاتب العسكري الذي أجرى معه المقابلة في الصحيفة، أليكس فيشمان، إنه "من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة، بحسب التنظيم الجديد والوثيقة الاستراتيجية للجيش الصهيوني التي وضعها أيزنكوت، يجب أن يكون القائد الميداني قادراً على إصدار الأوامر للقيادات العليا في غرفة قيادة العمليات لاعتراض صاروخ أو قذيفة، بعد أن يكونوا مجهزين بكل الوسائل التكنولوجية اللازمة لجمع المعلومات من الميدان، وتحديد مواقع الضربات التي يريدون استهدافها".

ويكشف الجنرال براك عن أنه إلى جانب القدرات الاستخباراتية والميدانية، فإن التشكيلة الجديدة ستعني أيضاً قدرة القوات البرية على شن هجوم وهم يتمتعون بحماية كاملة وبمساعدة الروبوتات الإلكترونية ووسائل التصوير للمسافات القصيرة (الكاميرات الطائرة)، لتوفير صورة واضحة لساحة القتال البرية التي تنشط فيها. ووفقاً لفيشمان، فإنّه عندما يتم إدخال هذه التغييرات على سلاح البر في الجيش لاستعادة قدرات المناورات البرية، عندها يمكن العودة للحديث عن حسم المعركة والحرب وليس فقط السعي للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار .

ويندرج هذا الاستعداد في سياق العمل على تحقيق الهدفين اللذين حددهما أيزنكوت في ختام استخلاص العبر من المواجهات العسكرية التي خاضها جيش الاحتلال في العقد الأخير: الأول، أنّه يجب على سلاح البر أن ينتقل بسرعة وخلال وقت قصير إلى حالة الهجوم داخل أرض العدو، وذلك للقضاء على الخطر الصاروخي الذي يهدد الجبهة الداخلية. أمّا الهدف الثاني، فيكمن في التطبيق الملموس لمصطلح الردع من خلال الإبادة التامة (المقاتلون، والبنى التحتية، والأسلحة). مثل هذا الأمر يمكن اليوم تحقيقه فقط، بحسب العقيدة الجديدة، إذا كان بمقدور قوات سلاح البر المناورة والتحرك إلى القلب .

ويكشف هذا النشاط التصور المستقبلي لطبيعة المواجهة العسكرية المقبلة التي تعتمد على مناورة القوات البرية في قلب ميادين القتال، إذ إن الحرب المقبلة، وفق الجنرال براك، "ستبدأ وسيتعرض الاحتلال لهجوم صاروخي وإطلاق نار، وهو أمر بمقدورنا مواجهته، إلا أن المشكلة تكمن في تعامل الجمهور معها، ومعرفة كيفية مجرى سير استدعاء قوات الاحتياط وتجنيد القوات وتحريكها ونقلها من موقع إلى آخر". الحرب المقبلة، كما يصفها براك، تشبه إلى حد بعيد "الحرب العالمية الثانية، حرب شاملة تكون فيها الجبهة الداخلية والجيش والمواقع العسكرية والمدن تحت القصف، وبالتالي فإنه فقط من خلال القدرات اللوجستية سيتمكن الجيش من مواصلة القتال وإدارة العمليات الحربية".

ويقر الجنرال براك بأن بوادر هذه الحرب بدأت عملياً في الحرب الأخيرة على غزة، "عندها عرفنا وشعرنا ماذا يعني ضرب الجبهة الداخلية، وضرب العمق الصهيوني الذي تمثل بضرب مطار بن غوريون، وماذا يعني القتال في الشجاعية، وفي بيئة مأهولة بالسكان، وماذا يعني القتال تحت الأرض، وحالات تسلل قوات وعناصر كوماندوس وراء خطوطنا، وضرب مراكز الغذاء المعدة لحالات الطوارئ. ستكون سلسلة القتال اللوجستية بدءا من مخازن الغذاء، مروراً بمخازن السلاح، أي كل تجمعات الجنود والقوات، تحت القصف".