Menu

إنفلونزا الخنازير داءٌ ودواءٌ - فوائد وأحكام (3-3)

إنفلونزا الخنازيرداءٌ ودواءٌ - فوائد وأحكام  (3-3)   يحيى بن موسى الزهراني العمل في محلات بيع لحم الخنزير :لا يجوز أن يعمل المسلم في محلات تبيع الخمور أو تقدمها للشاربين ، ولا أن يعمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للآكلين ، أو تبيعه على من يشتريه ، ولو كان مع ذلك لحوم أو أطعمة أخرى ، سواء كان العمل في ذلك بيعاً أو تقديماً لها ، أم كان غسلاً لأوانيها ، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد نهى الله عن ذلك بقوله : { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ المائدة 2 ] ، ولا ضرورة تضطر المسلم إلى أن يعمل في محلات بيع لحم الخنزير وغيره من المحرمات ، فإن أرض الله واسعة ، وبلاد المسلمين كثيرة ، والأعمال المباحة فيها شرعاً كثيرة أيضاً ، فعلى المسلم أن يكون مع جماعة المسلمين في بلد يتيسر فيها العمل الجائز ، قال الله تعالى : في سورة الطلاق : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } وقال سبحانه : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا وبالله التوفيق } ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 455 ] .قاعدة فيما يحرم من الحيوانات وما يحل :بين الله تعالى في الكتاب والسنة كل شيء ، فالقرآن الكريم كما قال الله عنه ’ تبياناً لكل شيء ’ .والسنة متممة ومكملة ومفصلة لما أجمل ومفسرة لما أبهم في القرآن ، ففي القرآن والسنة الشفاء والنور والهداية والاستقامة لمن تمسك بهما ، ولا يوجد مسألة من المسائل التي تحدث إلا وفي القرآن والسنة حلها وبيانها ، لكن منها ما هو مبين على سبيل التعيين ، ومنها ما هو مبين على سبيل القواعد والضوابط العامة ، ثم الناس يختلفون في هذا اختلافاً عظيماً ، يختلفون في العلم ، ويختلفون في الفهم ، كما يختلف أيضاً إدراكهم لما في القرآن والسنة بحسب ما معهم الإيمان والتقوى ، فإنه كلما قوي الإيمان بالله عز وجل وقبول ما جاء به في القرآن والسنة وتقوى الله عز وجل في طاعته ، قوي العلم بما في القرآن والسنة من الأحكام .وإني أقول إن القرآن والسنة فيهما الهدى والعلم والنور وحل جميع المشكلات ، وإن نظامهما ومنهاجهما أكمل نظام وأنفعه وأصلحه للعباد ، وأنه يغلط غلطاً بيناً من يرجع إلى النظم والقوانين الوضعية البشرية التي تخطيء كثيراً ، وإذا وفقت للصواب فإنما تكون صواباً بما وافقت به الكتاب والسنة .وأقول : إن هناك ضوابط بما يحرم ، فالأصل في كل ما خلق الله - تعالي - في هذه الأرض أنه حلال لنا من حيوان وجماد ، لقوله - تعالي - ’ هو الذي الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ’ . فهذا عام خلقه لنا لمنافعنا أكلا وشرابا وانتفاعا على الحدود التي خدها الله ورسوله ، .هذه قاعدة عامة جامعة مأخوذة من الكتاب وكذلك من السنة حيث قال رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، ’ وما سكت عنه فهو عفو ’ .وعلى هذا فلننظر الآن في المحرمات فمنها الميتة لقوله - تعالى - ’ إنما حرم عليكم الميتة ’ .ومنها الدم المسفوح لقوله - تعالى - ’ قل لا أجد فيما أوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتاً أو دماً مسفوحاً ’ .ومنها لحم الخنزير لقوله - تعال - في هذه الآية ’ أو لحم خنزير ’ .وإنما حرمت هذه الثلاثة لأنها رجس فإن قوله ’ فإنه ’ أي هذا المحرم الذي وجده الرسول ، عليه الصلاة والسلام ( رجس ) وليس الضمير عائداً إلى لحم الخنزير فقط كما قاله بعض أهل العلم ، لأن الاستثناء ( إلا أن يكون ) أي ذلك المطعوم ’ ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه ’ . أي ذلك المطعوم من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير (رجس) .ومنها الحمر الأهلية ، ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، أنه أمر أبا طلحة فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الأهلية فإنها رجس .ومنها كل ذي ناب من السباع ، يعني كل ما له ناب السباع يتفرس به مثل الذئب والكلب ونحوها فإنه محرم ، ومنها كل ذي مخلب من الطير كالصقر والعقاب والبازي وما أشبه ذلك ومنها ما تولد من المأكول وغيره كالبغال فإن البغل متولد من الحمار إذا نزا على أنثنى الخيل ، والخيل مباحة والحمر محرمة فلما تولد من المأكول وغيره غلب التحريم فكان حراماً .وهذه المسائل موجودة والحمد لله في السنة مفصلة وكذلك في كلام أهل العلم والأمر بين إذا أشكل عليك الأمر فارجع إلى القاعدة الأساسية التي ذكرناها من قبل وهو أن الأصل الحل لقوله - تعالى- ’ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ’ .وأما الشبة فهذا لجأ إليه بعض أهل العلم وقال إنه إذا لم نعلم حكم هذا الحيوان هل هو محرم أم لا ؟ فإننا نلحقه حكما بما أشبهه ولكن ظاهر الأدلة يدل على أن المحرم معلوم بنوعه أو بالضوابط التي اشرنا ، كما حرم النبي ، عليه الصلاة والسلام ’ كل ذي ناب من السباب وكل ذي مخالب من الطير ’ [فتاوى إسلامية 3 / 536 ] .الأكل من الحلال الطيب :إن للأكل من الحلال والطيب من المطاعم أثراً عظيماً في صفاء القلب واستجابة الدعاء وقبول العبادة كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولها ، قال - تعالى - عن اليهود ’ أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت ’ . أي الحرام ، ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له ؟ قال ، - صلى الله عليه وسلم - ، ’ أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال - تعالى - ’ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً ’ وقال - تعالى - ’ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات من رزقناكم ’ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول يارب يا رب ومعطعمه حرام ومشربه حرام وملسه حرام وغذي بالحرام فأني يستجاب له .فتوى مهمة :يقول السائل : أعمل في توكيل ملاحي وأقوم بخدمة السفن العابرة ، ومعظم هذه السفن أجنبية والعاملون بها غير مسلمين ، ويقوم صاحب الشركة ببيع لحم الخنزير لهذه السفن في بعض الأحيان ، ثم يقوم بتوزيع أرباح هذا البيع علينا نحن الموظفين ونحن نقبلها على اعتبار أن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم ، ولم يرد نص في القرآن ولا السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين ، وكذلك لأنه لا يصح أن نأخذ الخمر كقياس لأن لحم الخنزير متواجد من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر، ولكن هناك من بدأ يشككنا في مدى حلال هذه النقود فهل هي حلال أم حرام ؟وهل لأننا لا نشارك في البيع فإنه لا ضرر علينا من أخذ هذه الأرباح حيث إن صاحب العمل يعطيها لنا كصدقة ، فهل يحق لنا قبول الصدقة ونحن نعرف أصلها ؟؟ وهل ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أي حديث واضح وصريح ومؤكد يحرم فيه بيع لحم الخنزير لغير المسلمين ، حيث إن لحم الخنزير لم يحرم على أهل الكتاب .الجواب : الحمد لله .أولاً : لا يجوز لأحد أن يفتي في دين الله تعالى بغير علم ، ويجب أن يعلم خطورة فعله هذا ، والله تعالى حرم ذلك بقوله : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف/33 ] .فلا يحل لأحد أن يقول : هذا حلال ، وهذا حرام ، وليس عنده دليل صحيح على ذلك ، قال الله تعالى : { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ } [ النحل/116 ] ثانياً : بيع لحم الخنزير حرام سواء بيع لمسلم أو لكافر ، والأدلة على ذلك :قول الله تعالى : { قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } [ الأنعام/145 ] ، وقد عَلَّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدةً عظيمةً ، فقال : ’ إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه ’ [ رواه أبو داود ، وصححه الشيخ الألباني في ’ غاية المرام 318 ] .وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة : ’ إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ’ ، فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : ’ لا ، هو حرام ’ ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ’ قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه ’ [ رواه البخاري ومسلم ] .جملوه : أذابوه .قال النووي : وأما الميتة والخمر والخنزير : فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها .قال القاضي : تضمن هذا الحديث أن ما لا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه , ولا يحل أكل ثمنه , كما في الشحوم المذكورة في الحديث [ شرح مسلم 11 / 8 ] .قال ابن رجب الحنبلي _ بعد أن ساق أحاديث في تحريم بيع الخمر _ : ’ فالحاصل من هذه الأحاديث كلها : أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحاً به في : ’ إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه ’ ، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حراماً ، وهو قسمان :أحدهما : ما كان الانتفاع به حاصلاً مع بقاء عينه ، كالأصنام ، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق ، ويلتحق بذلك كتب الشرك والسحر والبدع والضلال ، وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة ، وكذلك شراء الجواري للغناء . . . .والقسم الثاني : ما ينتفع به مع إتلاف عينه ، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرّماً : فإنه يحرم بيعه ، كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة مع أن في بعضها - كأكل الميتة للمضطر ودفع الغصة بالخمر وإطفاء الحريق به والخرز بشعر الخنزير عند قوم والانتفاع بشعره وجلده عند من يَرَى ذلك - ولكن لما كانت هذه غير مقصودة لم يعبأ بها وحرم البيع ، ولكن المقصود الأعظم من الخنزير والميتة : أكلها ، ومن الخمر شربها ، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك ، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى لما قيل له : أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال : لا هو حرام ... ’ [ جامع العلوم والحكَم 1 / 415 ، 416 ] .وقد سئلت اللجنة الدائمة : هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم ؟فأجابت : ’ لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها ، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة ؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ’ إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ’ ، ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها ’ [ فتاوى اللجنة الدائمة 13/49 ] .ثالثاً : وأما قول السائل : ’ إن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم ، ولم يرد نص في القرآن ولا في السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين ’ ، فغير صحيح ، فقد سبق أدلة القرآن والسنة وإجماع العلماء على تحريم بيع الخنزير ، والأدلة بعمومها تدل على تحريم بيعه على المسلمين والكفار ، لأن الأدلة دلت على تحريم بيعه تحريماً عاماً ، ولم تفرق بين المسلمين وغيرهم .بل لو قيل : إن المقصود من تحريم بيعه هو بيعه على الكفار أصالةً لم يكن ذلك بعيداً ، لأن الأصل في المسلم أنه لن يشتري الخنزير ، وماذا يفعل به ، وهو يعلم أن الله حرَّمه ؟!وكذلك قوله : ’ إن لحم الخنزير متواجد من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر ’ غير صحيح .لأنه لا يُشترط من تحريم الشيء أن يلعن الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَه ، بل يكفي أنه ينهى عنه ، أو يخبر أنه حرام . كما حرم بيع الخنزير .رابعاً : وأما أخذكم هذه الأموال فالأجدر بكم بعد علمكم بأنه مال حرام التنزه والبعد عنه ، لاسيما وأخذكم هذا المال سيكون كالإقرار منكم لصاحب الشركة علىهذا العمل ، والواجب عليكم نصحه ، والإنكار عليه ووعظه لترك هذا العمل المحرم ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .وأما ما أخذتم من هذه الأموال قبل علمكم بالتحريم ، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى ، قال الله تعالى في آيات تحريم الربا : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } [ البقرة/275 ] ، نسأل الله تعالى أن يرزقكم حلالاً مباركاً فيه .والله أعلم .هذا ما تيسر جمعه في هذا الموضوع الخطير ، والمرض المميت ، عافانا الله وجميع المسلمين منه ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف النبيين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .  كتبهيحيى بن موسى الزهرانيإمام جامع البازعي بتبوك