Menu

إنفلونزا الخنازير داءٌ ودواءٌ - فوائد وأحكام (1-3)

إنفلونزا الخنازيرداءٌ ودواءٌ - فوائد وأحكام     يحيى بن موسى الزهراني الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الأميين ، صلى وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد :فإن العالم بأسره بجميع وسائل إعلامه ، يمعن النظر عن كثب على هذا الأمر الخطر ، والمصاب الجلل ، الذي دق نواقيس الخطر ، فيما يسمى بـ’ إنفلونزا الخنازير ’ ، هذا المرض الذي جره إلى العالم البعد عن منهج الخالق الرازق المحيي المميت ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي له ملك السموات والأرضين ، فمتى ابتعد الناس عن ربهم أصابتهم البلاقع ، وداهمتهم الفواجع ، وحلت بهم المواجع .ونحن اليوم نسمع ونشاهد ما يؤلم القلوب ، ويدمع المقل ، من ويلات شهوات مسعورة ، تتداعى على عتباتها أرواح كثير من البشر ، كل ذلك بسبب البعد عن خالقهم وموجدهم ، ولا غرو أن يصاب البشر ، بما يؤرق حياتهم ، وينغصها ويحيلها إلى جحيم لا يطاق .إن المعاصي سبب عظيم لما يحصل في العالم من ويلات ونكسات ، ونكبات ونحسات ، أصابت جميع البشر ، وأكلت اليابس والأخضر ، دارت رحاها في كل قطر ومصر من أقطار الأرض وأمصارها ، ولا مخرج من ذلك ، ولا منقذ منه ، إلا التمسك بالإسلام واتخاذه ديناً قيماً ، ودستوراً وحكماً ، وإلا فإن مسلسل الكوارث لن يتوقف ، وها نحن اليوم نسمع عن شيء من ذلك ، ألا وهو ذلك القاتل السفاح الذي يقتل البشر ، ويمرض الآخرين ، إنه : انفلونزا الخنازير . وسيكون حديثنا في هذه العجالة عن هذا المرض الخطير ، وما يلحقه من أحكام ، فبالله التوفيق ، ومنه العون والتسديد : تأثير المرض على الاقتصاد العالمي :الاقتصاد العالمي اليوم منهك بما فيه الكفاية ، لأنه نظام رأسمالي يعتمد على الربا ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وجاء هذا المرض ليدعو دول العالم لإنفاق المزيد من الأموال لإيجاد علاج ناجع له ، مما سيزيد من كثرة البطالة على مستوى العالم ، الأمر الذي سيؤدي لانتشار الجريمة والأوبئة ومزيد من الأمراض الأخرى ، مما سيسهم في مزيد من النكبة الاقتصادية العالمية .علاج المرض :ولو تأمل العقلاء على مستوى العالم بأسره أن العلاج الحقيقي لهذا المرض هو اتخاذ الإسلام ديناً ، واتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وتحكيم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بين الناس كافة ، لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة .ولا بأس بالتدابير الوقائية والعلاجية الطبية ، لكنها أمور ثانوية ، والأصل الحذر من المعصية والوقوع في الذنب ، فإن الحرام سبب للأوبئة والأمراض المهلكة ، كما سيأتي بيانه بعد قليل .اسم المرض :أطلق على هذا المرض الفتاك اسم [ H1 N1 ] ، هذا هو اسم مرض انفلونزا الخنازير ، أجارنا الله وجميع المسلمين منه .تحذير دولي :تم رفع التحذير من هذا المرض الخطير المميت إلى الدرجة الخامسة ، في مقياس من 6 درجات ، وهذا يعني أن الحالة ربما أصبحت وباءً عالمياً .وكما قال بعض الأطباء : أنه ليست هناك دولة في العالم بمعزل عن الإصابة بهذا المرض ، لأنه ينتقل عن طريق الإنسان ، والناس من طبيعتهم المخالطة والاجتماع ، لذلك من البدهي جداً الإصابة بهذا المرض الخطير .وقالت منظمة الصحة العالمية : أن العالم بأسرة معرض للإصابة بمرض انفلونزا الخنازير .وفي تقرير خطير للغاية : إذا لم يتم علاج المرض بأقصى سرعة ، وإلا فإنه ربما أصيب نصف البشر بهذا الداء الفتاك .سبب المرض :لا يغفل الناس أن سبب المرض هو معصية الله تعالى ، فكلما عصى الناس ربهم سلط عليهم عذاباً وأموراً ينكرونها ، ليراجعوا أنفسهم ، ويتركوا المعاصي ، ويعودوا إلى ربهم الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم ووهب لهم كل ما يريدون من الخيرات والنعم ، فلازم ذلك أن يشكروه ولا يكفروه ، ويطيعوه ولا يعصوه .عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ’ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ’ [ رواه ابن ماجة وحسنه الألباني هناك ، وقال في صحيح الترغيب والترهيب ، والسلسلة الصحيحة : صحيح لغيره ] . بلد انتشاره :انتشر هذا المرض العضال ، والداء القتال في دولة المكسيك ، ثم سرى انتشاره بين دول العالم ، عن طريق التنفس والاختلاط ، هذا وقد خسر الطيران المكسيكي الملايين من الدولارات بسبب توقف الرحلات من وإلى هذه الدولة الموبوءة .بل أمر رئيس البلاد هناك بإيقاف جميع الأعمال ، وعدم خروج الناس من منازلهم لمدة خمسة أيام للحد من خطورة المرض ، وعدم انتشاره بين الناس ، في تدابير وقائية .ولعلنا في هذه الصفحات والأسطر نتحدث عن هذه الحيوان الخبيث ، المسبب لهذا الوباء الخطر :الخنزير :بكسر الخاء ، وهو حيوان دجون من الفصيلة الخنزيرية ، والجمع خنازير ، وله كنىً كثيرة منها : أبو دلف ، وأبو قادم ، وغيرهما ، والأنثى منه تسمى : خنزيرة .وهو يشترك بين البهيمية والسبعية ، فالذي فيه من السبع : الناب ، وأكل الجيف ، والذي فيه من البهيمية : الظلف ، وأكل العشب ، والعلف ، وهذا النوع يوصف بالشبق .والخنازير من أنسل الحيوانات ، ومدة الحمل : أربعة أشهر ، وقد يصل عمرها إلى خمس عشرة سنة [ حياة الحيوان 1/290 ، والحيوان للجاحظ 4/55-56 ] .أعدادها :يوجد في العالم 840 مليون رأس من الخنازير في إحدى الإحصائيات .أكبر منتج لها :تعد البرازيل أكبر دولة منتجة للخنازير ، وتكر في جنوب شرقي الولايات المتحدة ، وجزر الهند ، واستراليا ونيوزيلندا وأوروبا وروسيا والصين وغيرها . أنواعها :للخنازير أنواع كثيرة منتشرة في العالم ، وإليك شيء من أنواعها وأصنافها ومواطن عيشها :1- خنزير الأرض : وهو حيوان ينتمي إلى عائلة السنجاب ، وهو من مجموعة القوارض ، تعيش في أمريكا الشمالية ، له ذيل كثيف ، ورأس عريض مسطح ، ذو لون بني أو رمادي ، ويعيش في الجحور التي يحفرها .2- خنزير البحر : وهو أصغر أنواع الدلفين ، وظهورها سوداء ، وبطونها وجوانبها بيضاء ، ويعيش كثير منها في المياه الباردة كالمحيط الأطلسي الشمالي ، وفي الأنهار وغيرها وهو من فصيلة الحوت ، سئل الإمام مالك عنه فقال : ’ أنتم تسمونه خنزيراً ، والعرب لا تسميه بذلك ، لأنها لا تعرف في البحر خنزيراً ، والمشهور أنه الدلفين ، ويجوز أكله [ حياة الحيوان الكبرى 1/293 ، 323 ] .3- خنزير الثالول : وهو خنزير إفريقي متوحش وكبير ، وللذكر أنياب منحنية في رأسه الكبير المسطح ، ويوجد بين الأنياب والعيني ثلاثة ثواليل ، اشتق منها الاسم ، يعيش في منطاق رملية وجافة ، ويكثر في جنوب إفريقيا وأثويبيا .4- الخنزير البري : وهو أسود مشوب بلون رمادي ، وله شعر قصير ، وهلب خشن ، وهو نوع قوي وشرس ، وله نابان قويان في فكه السفلي ، يعيش في الأدغال الكثيفة ، وموطنه أوروبا وجنوب غرب أسيا ووسطها ، وشمال إفريقيا ، وهو أكلة مفضلة لسكان أوروبا .5- خنزير غينيا : حيوان ثديي صغير ، وهو مستأنس أليف ، وهي ليست خنازير حقيقية ، بل هي قوارض ، له رأس كبير ، وأذنان صغيرتان ، وأرجل صغيرة وقصيرة ، ومعظمها له فرو طويل خشن أو رمادي وغير ذلك ، وكما أسلفت يعيش في غينيا .6- خنزير الماء : وهو أكبر الحيوانات القارضة حجماً ، وهو يشبه الخنزير العادي ، ويغطي جسمه المكتنز شعر ذو لون بني مائل للحمرة أو رمادي ، وهو كبير الرأس ، قصير الذنب ، يستطيع السباحة بسهولة ، وموطنه بنما الشرقية ، وشرقي جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية .7- الخنزير الهندي : وحشي يتميز بجلد خشن مجعد ، ذو لون رمادي غامق ، وله أذنان صغيرتان ، وذيل قصير ، وأنياب طويلة ، ويعيش في إندونيسيا [ الموسوعة العربية 10/163،335 ] .شكلها :منظره مقزز ، لا يُشعر بالراحة ، تبغضه عندما تشاهده .قال القزويني : ’ الخنزير حيوان سمج ، تكرهه العين ، له نابان مثل الفيل ، ورأس كرأس الجاموس ، وله ظلف كظلف البقر والغنم [ عجائب المخلوقات 411 ] .وهو حيوان ثديي ذو عمود فقري ، يغذي أولاده على اللبن [ الموسوعة العربية 8/11 ] .ذكرها في القرآن :ورد ذكر الخنزير في القرآن الكريم ، خمس مرات كما يلي :في قوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة173 ] .وفي قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المائدة3 ] .وفي قوله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } [ المائدة60 ] .وفي قوله تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأنعام145 ] .وفي قوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل115 ] .حكم قتلها :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ’ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً مُقْسِطاً ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ’ [ متفق عليه ] . قال النووي رحمه الله معلقاً على الحديث السابق : ’ وَفِيهِ دَلِيل لِلْمُخْتَارِ مِنْ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّا إِذَا وَجَدْنَا الْخِنْزِير فِي دَار الْكُفْر أَوْ غَيْرهَا وَتَمَكَّنَّا مِنْ قَتْله قَتَلْنَاهُ ، وَإِبْطَال لِقَوْلِ مَنْ شَذَّ مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ فَقَالَ : يُتْرَك إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَاوَة ’ [ شرح النووي على مسلم 1 / 281 ] .قال الخطابي : وفي قوله : ’ ويقتل الخنزير ’ ، دليل على وجوب قتل الخنازير ، وبيان أن أعيانها نجسة [ حياة الحيوان 1/290 ] .وقال ابن حجر رحمه الله تعالى : ’ والجمهور على جواز قتله مطلقاً ’ [ فتح الباري ] .ما شُبِّهَ بلحم الخنزير :عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ _ بريدة بن الحصيب رضي الله عنه _ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ’ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ ، فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ ’ [ رواه مسلم ] .قَالَ الْعُلَمَاء : النَّرْدَشِير هُوَ النَّرْد ، فَالنَّرْد عَجَمِيّ مُعَرَّب ، وَ ( شِير ) مَعْنَاهُ الفرس الحُلْو ، والمقصود به لعبة الطاولة أو الزهر التي يلعبها بعض الناس اليوم . وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُور فِي تَحْرِيم اللَّعِب بِالنَّرْدِ . وَأَمَّا الشِّطْرَنْج : فَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد : حَرَام ، قَالَ مَالِك : هُوَ شَرّ مِنْ النَّرْد ، وَأَلْهَى عَنْ الْخَيْر ، وَقَاسُوهُ عَلَى النَّرْد . وَمَعْنَى : ’ غمس يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير وَدَمه ’ وَهُوَ تَشْبِيه لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلهمَا ، وَاللَّهُ أَعْلَم [ شرح النووي على مسلم 7 / 446 ] .وجاء في تحريم اللعب بالنرد هذا الحديث :عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ’ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ’ [ رواه أبو داود وأحمد وابن ماجة ومالك ] .قال الشوكاني رحمه الله : ’ وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ أَنَّ وَضْعَهُ عَلَى هَيْئَةِ الْفَلَكِ بِصُورَةِ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَتَأْثِيرَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ تَحْدُثُ عِنْدَ اقْتِرَانَاتِ أَوْضَاعِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَقْضِيَةَ الْأُمُورِ كُلِّهَا مُقَدَّرَةٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ لَيْسَ لِلْكَسْبِ فِيهَا مَدْخَلٌ ، وَلِهَذَا يَنْتَظِرُ اللَّاعِبُ بِهِ مَا يُقْضَى لَهُ بِهِ وَالتَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ ’ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ [ نيل الأوطار 12 / 418 ] .وقال المناوي رحمه الله : ’ سبب حرمته أن واضعه سابور بن أزدشير أول ملوك ساسان ، شبه رقعته بوجه الأرض ، والتقسيم الرباعي بالفصول الأربعة ، والشخوص الثلاثين بثلاثين يوماً ، والسواد والبياض بالليل والنهار ، والبيوت الاثني عشر بشهور السنة ، والكعاب الثلاثة بالأقضية السماوية فيما للإنسان وعليه وما ليس له ولا عليه ، والخصال بالأغراض التي يسعى الإنسان ، واللعب بها بالكسب ، فصار من يلعب بها حقيقا بالوعيد المفهوم من تشبيه أحد الأمرين بالآخر ، لاجتهاده في إحياء سنة المجوس المستكبرة على الله ’ [ فيض القدير 6 / 219 ] .قال شيخ الإسلام رحمه الله : ’ وقد أجمع العلماء على أن اللعب بالنرد والشطرنج حرام إذا كان بعوض وهو من القمار والميسر الذي حرمه الله والنرد حرام عند الأئمة الأربعة سواء كان بعوض أو غير عوض ولكن بعض أصحاب الشافعي جوزه بغير عوض لاعتقاده أنه لا يكون حينئذ من الميسر وأما الشافعي وجمهور أصحابه وأحمد وأبو حنيفة وسائر الأئمة فيحرمون ذلك بعوض وبغير عوض وكذلك الشطرنج صرح هؤلاء الأئمة بتحريمها مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم وتنازعوا أيهما أشد فقال مالك وغيره الشطرنج شر من النرد وقال أحمد وغيره الشطرنج أخف من النرد ولهذا توقف الشافعي في النرد إذا خلا من المحرمات إذ سبب الشبهة في ذلك أن أكثر من يلعب فيها بعوض بخلاف الشطرنج فإنها تلعب بغير عوض غالبا وأيضا فظن بعضهم أن اللعب بالشطرنج يعين على القتال لما فيها من صف الطائفتين والتحقيق أن النرد والشطرنج إذا لعب بهما بعوض فالشطرنج شر منها لأن الشطرنج حينئذ حرام بإجماع المسلمين ’ [ مجموع الفتاوى 32 / 244 ] .من يصبح خنزيراً :هناك أناس يغضب الله عليهم ، فيحولهم إلى خنازير ، لكن لماذا يفعل الله بهم ذلك ، لنتأمل هذه الأحاديث الواردة بهذا الشأن :عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ - أَوْ أَبُو مَالِكٍ - الأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ’ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ، يَأْتِيهِمْ _ يَعْنِى الْفَقِيرَ _ لِحَاجَةٍ ، فَيَقُولُوا : ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً ، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ’ [ رواه البخاري ] .الحر : الفرج ، والمراد به الزنا ، علم : هو الجبل العالي ، المعازف : آلات الملاهي ، سارحة : الماشية تسرح بالغداة إلى رعيها ، وتروح : ترجع بالعشي إلى مألفها ، يأتيهم لحاجة : يأتيهم يطلب حاجة ، فيبيتهم الله : يهلكهم ليلاً ، يضع العلم : يوقعه عليهم . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ’ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَيَبِيتَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَبَطَرٍ ، وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ ، فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، بِاسْتِحْلاَلِهِمُ الْمَحَارِمَ ، وَاتِّخَاذِهِمُ الْقَيْنَاتِ ، وَشُرْبِهِمُ الْخَمْرَ ، وَأَكْلِهِمُ الرِّبَا ، وَلُبْسِهِمُ الْحَرِيرَ ’ [ رواه أحمد ] .عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ’ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ’ [ رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5454 ] .وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ : يَا أَنَسُ : ’ إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَاراً ، وَإِنَّ مِصْراً مِنْهَا يُقَالُ لَهُ الْبَصْرَةُ أَوِ الْبُصَيْرَةُ ، فَإِنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بِهَا ، أَوْ دَخَلْتَهَا ، فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا وَكِلاَءَهَا وَسُوقَهَا وَبَابَ أُمَرَائِهَا ، وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ ، وَقَوْمٌ يَبِيتُونَ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ’ [ رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7859 ] .هذه الأحاديث وغيرها كثير ، تدل على أن هناك فئة من الناس يرتكبون أعمالاً محرمة ، وكبائر مجرمة ، يحولهم الله تعالى بذلك الجرم والإثم إلى قردة وخنازير والعياذ بالله .فعلى المسلم أن يحرص على طاعة الله تعالى ، ويحذر معصيته ، فربما أُخذ المفتون وهو يرى أنه سيعيش عمراً طويلاً ، فالبدار البدار بالتوبة النصوح ، قبل أن تغرغر الروح ، ولا تنفع ساعة مندم .فاحذروا هذه الموبقات ، والمهلكات التي جاءت في هذه الأحاديث وهي :شرب الخمر وتعاطي المسكرات ، وأشد من ذلك وأخطر ، تعاطي المخدرات التي دمرت البيوت والأسر والمجتمعات .ثم الحذر من الأغاني والموسيقى ، لأنها حرام بنص القرآن والسنة ، وإجماع علماء الأمة ، لما فيها من تقسية القلوب ، وأنها بريد للزنا ، وفعل الخنا ، ولما فيها من إضاعة للوقت في معصية الله عز وجل .وكذلك أكل الربا ، ولبس الحرير والذهب المحرمان على الرجال ، وكذلك استحلال كل حرام ، فهذه الأمور تؤدي إلى غضب الجبار الواحد القهار ، مما يجعل بعض الناس قردة وخنازير والعياذ بالله . لحم الخنزير وباءٌ وداءٌ :لقد أثبت العلم الحديث أن الخنزير يصاب ببعض الديدان الخطيرة ، التي تنتقل منه للإنسان ، وأنها تغلف نفسها داخل لحم الخنزير بحويصلات واقعية ، تكون في حالة سكون ، إلى أن يتناولها الإنسان واخل وجبة من لحم الخنزير ، فتأتي عصارة المعدة فتذيب الأكياس التي تتحوصل فيها الديدان ، وتخرج منها لتتعلق بالأمعاء عن طريق خطاطيف في فمها ، وتتغذى على غذاء الإنسان ، ولا يمكن التخلص منها .كما يوجد في لحم الخنزير أنواع أخرى من البكتيريا والجراثيم تصيب أجهزة أخرى .ثم أثبت العلم أن شحم الخنزير يسبب ترسبات في كلى الإنسان ، ينشأ عنها الحصوات التي تصيبها ، وتشير آخر الأبحاث أن لحم الخنزير يحتوي على نمط من الأحماض الأمينية تسبب الإصابة بمرض السرطان .قال الدكتور غياث : يصاب الخنزير بحوالي ست وستين مرضاً طفيلياً ، يمكن انتقال ثلاثين منها للإنسان ، ويصاب الخنزير بأربع وثلاثين مرضاً فيروسياً ، ينتقل منها ثمانية أمراض للإنسان ، ويصاب بالأمراض الجرثومية والفطرية ، وأمراض التغذية ، وكلها تنتقل للإنسان عن طريق الخنزير [ أسماء الحيوان في القرآن 96 ] .بيع الخنزير وشرائه :قال ابن بطال رحمه الله : ’ أجمع العلماء على أن بيع الخنزير وشرائه حرام ، ثم قال : ألا ترى أن عيسى ابن مريم يقتله عند نزوله ، فقتله واجب .والخنزير حرام في شريعة عيسى عليه السلام ، وقتله له تكذيب للنصارى أنه حلال في شريعتهم . وقال بن قدامة رحمه الله : ’ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْخِنْزِيرِ ، وَشِرَاءَهُ ، حَرَامٌ ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ : ’ إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْرِ ، وَالْمَيْتَةِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، وَالْأَصْنَامِ ’ [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ] [ المغني 8/473 ] .عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم : ’ نهى عن ثمن الكلب ، وثمن الخنزير ، وثمن الخمر ، وعن مهر البغي ، وعن عسب الفحل ’ [ رواه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6948 ] .وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ’ إن الله حرم الخمر وثمنها ، وحرم الميتة وثمنها ، وحرم الخنزير وثمنه ’ [ رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني ] .الخلاصة : أجمع الفقهاء على عدم صحّة بيع الخنزير وشرائه ، لحديث جابر بن عبد اللّه : ’ إنّ اللّه تعالى ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل : يا رسول اللّه ، أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس ، فقال : لا ، هو حرام ، ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل اللّه اليهود إنّ اللّه لمّا حرّم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه ’ ولأنّ من شرط المعقود عليه _ سواء أكان ثمناً أم مثمّناً _ أن يكون طاهراً وأن ينتفع به شرعاً .والأصل في حلّ ما يباع ، أن يكون منتفعاً به ، لأنّ بيع غير المنتفع به شرعاً لا يتحقّق به الرّضا ، فيكون من أكل المال بالباطل ، وهو منهيّ عنه لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } .والخنزير إن كان فيه بعض المنافع إلاّ أنّها محرّمة شرعاً ، والمعدوم شرعًا كالمعدوم حسّاً [ الموسوعة الفقهية 20/35 ] . يتبـــــــع....