Menu
إعمار غزة مشروط بإفقار المقاومة

إعمار غزة مشروط بإفقار المقاومة

إعمار غزة مشروط بإفقار المقاومة   بقلم:د.عصام نعمان         ليس المهم في مقررات مؤتمر شرم الشيخ المبالغ التي وعدت بها الجهات المانحة بل الشروط الموضوعة لمنحها وصرفها في إعمار غزة. فالوعود دائماً سخية، لكن الشروط أسخى. والشيطان يكمن دائماً في تفاصيل.. الشروط. من يضع الشروط؟ الجواب: أمريكا ومن ورائها “إسرائيل”. فقد تلفظت هيلاري كلينتون في شرم الشيخ بالعنوان العريض للشروط، وحرصت على تفصيلها في “إسرائيل”. اشترطت في شرم الشيخ “ألا تقع هذه الأموال في الأيدي الخطأ”. هذا الاشتراط موجّه إلى المانحين عامةً وإلى محمود عباس خاصةً. المانحون “يتفهمون” دائماً هذا الشرط، فهو المخرج اللائق للتحلل من وعودهم في المستقبل القريب أو البعيد. أما أبو مازن فهو أبو الشرط المذكور وأمه قبل أن تتلفظ به هيلاري لأنه النَفَق السياسي الذي تعود من خلاله “سلطته” إلى غزة. ومع ذلك حرصت هيلاري على التأكيد علناً أنها حصلت على “ضمانات” من محمود عباس بأن الأموال لن تذهب إلى “حماس”. هل أبو مازن في وضع يسمح له بأن يضمن أحداً، خاصة “حماس”؟ لا يهم. المهم أن تكتمل لعبة الكلمات المتقاطعة. الكلمات تأخذها هيلاري من العرب و”الضمانات” تأخذها من “إسرائيل”. في القدس المحتلة أكملت هيلاري “معروفها”: قالت، أولاً، إن أمريكا تؤيد أي حكومة سيجري تشكيلها في “إسرائيل”. معنى ذلك أن واشنطن ستؤيد حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة أياً كان برنامجها وسياستها وسلوكها تجاه قضية فلسطين والفلسطينيين. قالت، ثانياً، إن أمريكا حريصة على “أمن إسرائيل”. معنى ذلك أن واشنطن تؤيد “إسرائيل” ضد كل من يهدد وضعها الراهن واحتلالها فلسطين التاريخية من النهر الى البحر. أي أنها ضد المقاومة وضد كل من يدعمها في كفاحها المشروع ضد الاستيطان والجدار العازل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم. قالت، ثالثاً، إن أمريكا تؤيد حل “دولتين لشعبين”. لا معنى لهذا التأييد بينما يعلن نتنياهو رفضه هذا “الحل” ومعارضته وقف الاستيطان وعدم استعداده للتفاوض حول مستقبل القدس. القدس؟ هل من تحد لكل الدول والهيئات السبعين في مؤتمر شرم الشيخ أقوى وأوقح من شروع “إسرائيل”، عشية انعقاده، بهدم 88 منزلاً “غير مرخص” لفلسطينيين فقراء في حي سلوان في القدس الشرقية، والإعلان عن خطة لوزارة الإسكان لبناء 73 ألف وحدة سكنية في الضفة الغربية؟ صحيح أن محمود عباس حذّر من أن جهود إعادة الإعمار ستبقى “مهددة في ظل غياب الحل السياسي”، مطالباً “قبل كل شيء بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية”، لكن هل من مفعول لتحذيره طالما الانقسام الفلسطيني ما زال قائماً ونتنياهو غير ملتزم بوقف الاستيطان بل ممعن في توسيع رقعته؟ ما صورة الوضع في المستقبل المنظور؟ بات واضحاً أن “إسرائيل” حرصت على تدمير غزة في سياق خطة مدروسة مآلها إخضاع المقاومة بالحرب وإذا تعذر ذلك بإفقارها بالإعمار. كيف؟ ها هو مؤتمر شرم الشيخ يمنح “السلطة الفلسطينية” أكثر مما طلبت لإعمار غزة وقطاعها. أعطاها وعوداً بأكثر من 5 مليارات دولار مشترطاً صرف الأموال بواسطة الحساب الموحد للخزينة الفلسطينية والآليات والصناديق القائمة بالفعل. ويقصد بالآليات تلك التي استحدثها البنك الدولي وبنك التنمية الإسلامي والأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية لإنعاش القطاع الخاص وتنمية الاستثمار في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إذا حاولت “حماس” منع تنفيذ مشاريع الإعمار إلاّ بواسطتها، فستقوم قائمة أمريكا وأوروبا والدول العربية “المعتدلة”، كما ستجد دول أخرى في تصرف “حماس” ذريعةً لعدم الوفاء بوعودها التمويلية. في هذه الأثناء سيجري إطلاق حملة، بل هي انطلقت بالفعل، لتظهير الدمار والخراب الذي لحق بغزة وقطاعها. كل ذلك من أجل إبراز مسؤولية “حماس” وتقصيرها بحق شعبها عندما تمنع الإعمار لكونه يتم بواسطة غيرها ! أكثر من ذلك، سيصار إلى فتح المعابر، كلها أو جلها، لنقل بعض أجهزة وآليات التعمير والإعمار الى داخل القطاع تدليلاً على جدية متولّي الإعمار، حتى إذا عرقلت “حماس” أعمال التنفيذ جرى شجبها وإدانتها وتأليب الناس عليها. وفي المقابل يجري تنفيذ بعض المشاريع الإعمارية في الضفة الغربية لإيجاد رصيد لحزب السلطة وتوسيع نفوذه. ولا بأس، في نهاية المطاف، في أن تقتصر “الدولة” الفلسطينية على الضفة دون القطاع! ما العمل؟ حيال كل هذا الذي جرى ويجري، يقتضي أن يتحمل الفلسطينيون مسؤوليتهم الوطنية، فيباشرون مسؤولين ومواطنين، قياديين ومقاومين، تنظيمات وهيئات، إلى الترسمل على إخفاق “إسرائيل” في حربها على غزة واضطرار أمريكا وسائر أصدقاء “إسرائيل” الى جمع أكثر من 70 دولة وهيئة في شرم الشيخ من أجل لجم تيار المقاومة ووقف تثوير المنطقة وإعادة السيطرة على مقدراتها، يقتضي لمجابهة كل هذه التحديات توافق قوى الشعب الفلسطيني على وضع استراتيجية للمواجهة تقوم على الأسس الآتية: * تسريع المصالحة بين الأطراف الفلسطينية الفاعلة وبالتالي إقامة حكومة توافق وطني برئاسة شخصية وطنية مستقلة، مصطفى البرغوثي مثلاً، لتتولى أعمال الإدارة السياسية والأمنية والاقتصادية وأعمال التعمير والإعمار والتفاوض مع الدول والهيئات الدولية وذلك خلال فترة انتقالية محدودة، يصار في نهايتها إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. * تضمين البيان الوزاري لحكومة الوفاق الوطني موقفاً صريحاً واضحاً باعتبار الأراضي الفلسطينية وفق القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي سنة 1967 أراضي محتلة، وأن “إسرائيل” تعتبر تالياً سلطة محتلة، على أن يجري، قبله أو بعده، إعلان موقف مشابه من طرف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن سائر التنظيمات التي لا تنضوي فيها. كل ذلك بقصد الرد على سياسة حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة التي ترفض حل الدولتين ووقف الاستيطان والتفاوض حول القدس وعودة اللاجئين. * تكريس دعم الدول العربية لحكومة الوفاق الوطني وموقفها من “إسرائيل” واحتلالها بقرار في مؤتمر القمة الذي سينعقد في الدوحة أواخر الشهر الجاري. * مباشرة المحادثات والترتيبات الآيلة الى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على نحوٍ يكفل انطلاقها من جديد كحركة تحرير وطني تضم جميع القوى الحية في الشعب الفلسطيني. * اللجوء إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة من أجل استصدار قرار بإدانة حرب “إسرائيل” الوحشية على غزة وبالتالي إقامة محكمة دولية خاصة بها لمحاكمة المسؤولين “الإسرائيليين” من مرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة. هذه الخطوات الثورية الخمس من شأنها تكريس المقاومة طريقاً لتحرير كامل التراب الفلسطيني، وتفعيل المقاومة المدنية والميدانية ضد الاحتلال “الإسرائيلي”، وإعادة بناء قضية فلسطين بما هي القضية المركزية للأمة.