Menu

أهالي "البراجنة": هكذا علمنا بـ"صبرا وشاتيلا"

قاوم - قسم المتابعة - قل من عشرة أيام مضت على مغادرة المقاتلين الفلسطينيين بيروت عام 1982، بدأ الأهالي يعودون إلى مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية في أوائل شهر أيلول (سبتمبر).

كل خيوط البؤس اجتمعت لتنسج مأساة؛ الجزء الأكبر من المخيم دُمّر.. مئات الشهداء ارتقوا.. وعشرات منهم نالوا المراد وهم يواجهون الاحتلال عند بوابة بيروت الجنوبية في خلدة والمطار.. آلاف المقاتلين غادروا.. لا كهرباء ولا ماء، وضبابية تحكم المستقبل.. انكسار وشعور بالمرارة لأن التحرير الذي كان على بعد رمية حجر من قلعة شقيف ابتعد إلى ما خلف البحار.
خرجوا ولم يعودوا

ظن سكان المخيم أن المأساة قد بلغت ذروتها، لكن يوم 18 أيلول (سبتمبر) بدّد تلك الظنون.. أخذت الأخبار تتداول عن أشخاص من المخيم ذهبوا إلى محيط مخيمي صبرا وشاتيلا، ولم يعودوا منذ يوم (17-9).

- نبيل الأشوح حمل عدة العمل وذهب إلى مقرّ عمله ولم يعد عند الغروب كعادته.
- الدكتور سامي الخطيب، الطبيب العامل في مستشفى غزة عند حدود مخيم صبرا، هو الآخر لم يعد إلى منزله في مخيم برج البراجنة، ولا مجيب على رنين هاتف المستشفى.
- عشرات آخرون كان أقاربهم في انتظارهم بكثير من الأمل والقلق أيضًا.

حاول الكثير من الناس الوصول إلى مخيمي صبرا وشاتيلا اللذين يبعدان حوالى 3 كيلومترات عن مخيم البرج، صدّتهم حواجز الجيش اللبناني القريبة.. الهواجس تزداد، وعبارات مطمئنة تنطلق: "المبعوث الأمريكي فيليب حبيب أعطى تعهدًا لمنظمة التحرير بعدم تعرّض الفلسطينيين للأذى، والقوات المتعددة الجنسيات بدأت بالانتشار".
المأساة تروى

عند صباح يوم السبت (19-9)، وبعد ليلة لم ينم فيها سكان المخيم، تأتي امرأة مسنّة تصرخ وتولول.. إنها أم زهير عكاشة، والدة الشهيد زهير عكاشة؛ قائد عملية عينتيبي، الذي استُشهد قبل خمس سنوات. كانت تحدّث عن تلال الجثث الملقاة على قارعة الطريق.. الأطفال المذبوحين بحدّ السكّين.. والنساء اللاتي بُقرت بطونهن.. ذكرت أنها مرّت على مستشفى غزة، فقيل لها إن الطاقم الطبي خُطف ثم ذُبح، وكان الطبيب سامي الخطيب من ضمن ذلك الطاقم. تروي عشرات القصص، وبين قصة وقصة إغماءة تؤكد سوداوية المشهد. الناس بين مصدّق باكٍ، وبين رافض تصديق الرواية لفظاعتها.

يوم الأحد، ازدادت أعداد الشهود القادمين، والذين استطاعوا الوصول إلى المخيم. ما قطع الشك باليقين.. امرأة حافية القدمين، صمتت ملامح وجهها، ولسانها لا يذكر سوى أربع كلمات: عزيز، إبراهيم، منصور، أحمد.. إنها أم عزيز ديراوي، سكنت مع أبنائها في بيت مجاور للمخيم، وخُطفوا أمام عينيها.. بحثت عنهم في كل وجوه الجثث، وما زالت تبحث حتى اليوم.

يقول الصحفي روبرت فيسك، في كتابه "ويلات وطن"، إنه ظن أن المذبحة في مخيم برج البراجنة، فذهب إلى هناك. ربما لأن معظم القتلة مروا سرًّا بالقرب من المخيم وهم ذاهبون من المطار إلى مخيمي صبرا وشاتيلا.

فرّ الأهالي خارج المخيم، إلى مسافات بعيدة، والمئات باتوا في حديقة مختار المنطقة اللبناني حسن السبع، الذي عاونهم عند لجوء آبائهم عام 1948. وكلّما أُشيع عن اقتراب القوات اللبنانية أو قوات العميل سعد حداد من المخيم يتكرر الهروب نفسه.

ثلاثة أيام نُفّذت خلالهم مذبحة صبرا وشاتيلا، هي الأيام الأطول في تاريخ مخيم برج البراجنة، لن ينساها السكان أبدًا، كما يقولون.