Menu
رسالة للمجاهدين في أرض غزة

رسالة للمجاهدين في أرض غزة

رسالة للمجاهدين في أرض غزة أيها المرابطون في أرض غزة ! أيها الشرفاء في أرض العز والشرف والإباء ! أيها الكبار في رحلة التاريخ ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد لم يكن الشرف في لحظة من تاريخ الأمة عبر رحلتها الطويلة في عيش الكبار لمجرد البقاء فترة أطول على تراب الأرض ، كلا ! وإنما كان الشرف الحقيقي لتلك النفوس العيش لغايات هذا الدين والرحلة من أجله ولو على الأرواح . أيها المجاهدون :إن للشام في القلب صلة ، ولنا فيها رباط ، فهي الأرض المباركة ، وهي مسرى الأنبياء ، وذكرياتنا هناك بلسم على القلب ، وروح تسري على طول المسافات ، فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول ’ ياطوبى للشام ، قالوا يارسول الله ! وبم ذلك ؟ قال : تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام ’ . ويقول صلى الله عليه وسلم ’ عليكم بالشام ... فإن الله عز وجل تكفّل لي بالشام وأهله ’، وقال صلى الله عليه وسلم ’ إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نورٌ ساطع عُمد به إلى الشام ، ألا إن الإيمان ـ إذا وقعت الفتن ـ بالشام ’ وقال صلى الله عليه وسلم ’ إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ’ ، وقال صلى الله عليه وسلم ’ ... اللهم بارك لنا في شامنا ’ وقد قال عبد الله بن حوالة يارسول الله ! اكتب لي بلداً أكون فيه فلو أعلم أنك تبقى لم اختر على قربك ، قال : عليك بالشام ، عليك بالشام ، عليك بالشام ’ وفي رواية ’ عليك بالشام ، فإنه خيرة الله من أرضه يجتني إليها خيرته من عباده ’ فهذه ذكرياتنا عندكم وتلك الحادي لأشواقنا إليكم ، فيا لله كم هو هتاف تلك القلوب إلى أرض الرسالات ، ومهبط النبوات ؟! أيها المجاهدون : قُبلة عز وشرف لكم أيها المرابطون في أرض الإباء والشجاعة ، وأنتم تكتبون رسالة ، وتخلدون مجد أسلافنا الكبار ، وتعيدون صفحات التاريخ جذلة ريانة ، فيا لله ما أروعكم ! ويالله ما أكبركم ! ويا الله ما أعز أمة الإسلام بكم أيها الكبار الشرفاء على أرض الكبار ! لقد طال العهد بيننا وبين التاريخ لدرجة أن أصبحت أمثلة الكبار الذين تعطشوا للجهاد بالأمس وكتبوا من خلاله أروع صور الحضارات صوراً بعيدة طواها الزمن ، ومحتها الأيام من ذاكرة الأجيال ، وبعدت مسافتها الزمنية فكأننا لا نتحدث إلا عن أحلام وأمنيات لم تشهدها أعيننا وإنما جادت بها أسطر التاريخ على مسامعنا ، فأعدتم اليوم أيها الكبار صورتها ، وقربتم أحداثها ، ولويتم أعناق الأمة كلها كباراً وصغاراً على مشاهدة صورة الشرف والعز في تاريخ الأمة ليس للأمس البعيد .. كلا ! وإنما لليوم الحاضر القريب . أيها المجاهدون : الرجال بدينهم وقيمهم ومبادئهم كانت بالأمس هذه الكلمات مجرد حروف لا نجد لها في مساحة أمتنا الحاضرة وجوداً عملياً ، أما اليوم فلم يكتبها القلم أو يلفظها اللسان ، وإنما نثرت حروفها دماءكم أيها الشرفاء ، وسطّرت بها تلك الدماء على أرض غزة أروع معانيها ، وخلدتها في رحلة الشرفاء الكبار في تاريخ الأمة .. يكفينا أنها منثورة على أشلاء أجسادكم المجاهدة ، ومكتوبة في تاريخ صمودكم ، وستبقى رايات ترفرف على عالم اليوم بأروع معانيها وأضخم آثارها في الأرض . لقد ظن الأعداء أن القوة في الكثرة ، وأن الانتصار وليد القوة ، ونسوا أن هذه المعاني تموت وهي جذلة أمام قوة العقيدة ، وتموت وهي ريانة أمام صمود الرجال ، وتتجرع الهزيمة أمام ثبات القيم ، وشموخ العز في قلوب الرجال وبعد عشرين يوماً من التجربة بأعظم تقنيات الدمار ثبت لليهود أن صدور الرجال ، وأجساد الكبار وهي من لحم قادرة على أن تدفع كل معاني القوة التي يستنجد بها الأعداء في سبيل الغلبة . وهيهات ! أيها المجاهدون : كل من رحل عن غزة تدعونا بشريتنا أن نبكي لفراقه ، وتدمع أعيننا لغيابه ، لكن مع ذلك كله ينبغي أن ندرك أنه هو سبب نصرنا ، وهو شمعته المضيئة ، ونوره المستنير .. بعد توفيق الله تعالى ، كل من سقط مضرجاً بدمائه على أرض غزة هو من قرّب صورة النصر التي نشهدها اليوم .. وكل من رحل من غزة ترك لنا إرثاً تكتبه الحضارات التي تتحدث عن الإنسان الفذ في تاريخ أمته .. وإن غابت صورة النصر عن أعينهم على تراب غزة فقد فتح لهم باب النصر بمصراعيه هناك على أرض الجنان ، هذه هي الشهادة التي ينتظرها المسلم الحر على أرض الدنيا ! وهذه هي الخاتمة الكبيرة الرائعة التي تهتف لها أرواح المسلمين في عالم الأرض ! وهذه هي النهايات الكبيرة التي يتروّح لها المسلم اليوم ، وطال انتظاره للقياها . فيا لله ما أروعهم ! وقد لقوا إن شاء الله تعالى بغيتهم وآمالهم . يكفيهم شرفاً وعزاً ونهاية قول نبيهم صلى الله عليه وسلم ’ والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله ـ والله أعلم بمن يكلم في سبيله ـ إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك ’، وقول رسولهم صلى الله عليه وسلم ’ ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار ’ ، وقول نبيهم صلى الله عليه وسلم ’لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ’ ، وقول رسولهم صلى الله عليه وسلم ’ رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان ’، وقول رسولهم صلى الله عليه وسلم ’ إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ’ ، وقول رسولهم صلى الله عليه وسلم ’ أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئاً ؟ قالوا : أي شيء نشتهي ؟ ونحن نسرح في الجنة حيث شيئنا ، ففعل بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يارب ! نريد أن ترُد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ’ . فما ذا بقي في أعيننا عليهم ؟! اهـ على منيّة كمنيتهم ، ورحلة كرحلتهم ، ونهاية كنهايتهم .. فيارب ! إما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العداعلام تبكون أيها الشرفاء ؟! والراحلون كتبوا لأمتكم تاريخها المشرق ، ونسفوا عن الحاضر الذي تعيشه الأمة كل صور الوهن والعجز والكسل والضعف ... فيا لله ما أروعهم ! أيها المجاهدون : يكفيكم شرفاً أنكم غيرتم مسار الأمة ، وبدلتم حالها من الضعف والوهن والتبعية إلى القوة والعز والشموخ .. يكفيكم شرفاً أيها الكبار أنكم كتبتم تاريخكم بسطور من دماء غسلت كل معاني الهزيمة من روح الأمة ، واثبتت لها اليوم من أرض الواقع أنه لا شيء مستحيل ، وليست الكثرة والقوة والكبر علامات نصر دائم ، كلا ! وإنما هي سبب الهزائم حتى تصدق الأرواح في معانقة أملها ، وكتابة تاريخها القريب . أيها المجاهدون : أرباح الحرب أكبر من أن يتحدث عنها إنسان ! وأعظم من أن يأتي على بعض معانيها قلم من الأقلام ، كيف ؟ وقد سُطّرت بدماء ، وكتبت بأروح ، ودونت بأشلاء ! وغزة ذات الثلاثة الأحرف كتبت في تاريخ الأمة أن الملحمة التاريخية لا يديرها السلاح ولا تسهم في ثباتها القوة المجردة ، وإنما تديرها عقيدة ، ويسهم في ثباتها عز رجال ، وشموخ أمة حتى لو كانت أجسادها العارية هي الوسيلة الوحيدة لدفع قوة السلاح ، ووهج النار . أيها المجاهدون : لم تنتهوا بعد ! وإنما بدأتم الخطوة الأولى نحو الشرف المأمول والنهايات الكبيرة ! وكتبت لكم هذه التجربة أنه على قدر صلابة الإيمان في قلوب الرجال تصمد معاني الشرف والعز والإباء في أجسادهم ، وعلى قدر وهج التربية تستمد الأرواح نورها المستطير في أفق السماء .. فالله الله في تجديد العلاقة مع الله تعالى ، وقد قال تعالى في محكم التنزيل ’ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  ’ وقال تعالى ’ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ’ وقال تعالى ’ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ’ فهذه مواثيق النصر ، وهذه بشائر الفوز ، والمتعلقون بها هم الفائزون على ظهر الأرض .. والله المسؤول أن يكتب أن يرفع ذكركم ، ويعلي شأنكم ، ويكبت عدوكم ، ويجمع الأمة على كتب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم . والحمد لله رب العالمين بقلم: مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي المصدر: صيد الفوائد