Menu

إبعاد الفلسطينيين وإخلاء "الإسرائيليين" ... بقلم : د. عصام نعمان

إبعاد الفلسطينيين وإخلاء "الإسرائيليين" بقلم : د. عصام نعمان في مفارقة لافتة حدثت في أقل من 48 ساعة، كشفت مصادر "إسرائيلية"، أهلية وعسكرية وسياسية، حقيقتين خطرتين تتناولان الفلسطينيين و"الإسرائيليين". حكومة نتنياهو لم تنفِ الحقيقتين المعلنتين، لأن مصدر الحقيقة الأولى موثوق، ومصدر الثانية هو قائد المنطقة المركزية في جيش الاحتلال "الإسرائيلي". الحقيقة الأولى كشفتها مؤسسة "موكيد" لحماية الفرد في"إسرائيل"، مفادها أن سلطات الاحتلال سحبت حقوق الإقامة من نحو ربع مليون فلسطيني من قطاع غزة والضفة الغربية من العام 1967 ولغاية العام 1994. كشف هذه الحقيقة جاء متزامناً مع إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي تعديلاً لقانونٍ يفرض التفرقة بين اللاجئين الفلسطينيين من العام 1948 والجيلين الثالث والرابع، تمهيداً لتبديد حق العودة. كل ذلك في وقت أوغلت سلطات الاحتلال في توسيع سياسة الاستيطان بهدم بيوت الفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية بدعوى افتقارها إلى تراخيص. العدد الفعلي للفلسطينيين المتضررين من إجراءات الإبعاد أعلى من الرقم المعلن عنه رسمياً، لأن عائلات بكاملها أجبرت على مغادرة بيوتها بعد سحب الإقامة من أحد أفرادها. رئيس الفريق القانوني في "موكيد" إيدو بلوم قال إن السياسة التي انتهجت طوال 27 عاماً تشكّل انتهاكاً للقانون الدولي عبر "قيام القوة المحتلة بتقليل عدد السكان المحليين بسحب حقوق إقامتهم عبر إجراء إداري". في سياق موازٍ، أقرت لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ الأمريكي تعديلاً على قانون المساعدات الخارجية تجاوباً مع الجهد "الإسرائيلي" لتبديد حق العودة للاجئين الفلسطينيين. التعديل ينص على تصنيف اللاجئين الذين يتلقون مساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا)، إضافة إلى تحديد أعدادهم. السبب؟ لأنه "إذا أراد الفلسطينيون حل الدولتين، فلا يمكن للأنروا مواصلة تضخيم عددهم". السبب المعلن غير صحيح وغير منطقي، مادام الفلسطينيون قد "اختاروا" حل الدولتين، فماذا يضير "إسرائيل" إذا ما كان اللاجئون المشكو من "تضخيم" تناسلهم يسكنون أو يرغبون في العودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية في قطاع غزة والضفة؟ الحقيقة أن "إسرائيل" ترفض "حل الدولتين" ولا تريد بالتالي عودة الفلسطينيين إلى القدس والضفة الغربية اللتين تتعرضان لبرنامج استيطان واسع، ترفض حكومة نتنياهو وقفه رغم مطالبات اللجنة الرباعية الدولية. الجانب الأخطر في الموضوع يتعلق بتوقيته، فلماذا اتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي الآن قراره الخطر بتصنيف اللاجئين قبل موعد الانتخابات الرئاسية في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟ من المعلوم أن مجلس الشيوخ يسيطر عليه الديمقراطيون، أي حزب الرئيس أوباما، فهل يعقل أن يتخذوا مثل هذا القرار من دون موافقته؟ ما داموا قد فعلوا، وبموافقة أوباما، فمعنى ذلك أن الأخبار التي ترددت مؤخراً عن تأكيد الرئيس الأمريكي لزعماء اللوبي اليهودي "إيباك"، أن "حل الدولتين" قد انتهى، صحيحة، وأن ذلك كان شرطاً لضمان تأييد اليهود الأمريكيين له في انتخابات الرئاسة. المفارقة اللافتة أن الترتيبات القائمة لإبعاد الفلسطينيين عن وطنهم تزامنت مع ترتيبات جارية لإخلاء "الإسرائيليين" من تل أبيب، فقد أعلن قائد المنطقة المركزية في جيش الاحتلال "الإسرائيلي" الجنرال آدم زوسمان، أن "إسرائيل" قد تخلي جميع سكان مدينة تل أبيب في حال ضربها بالصواريخ، لا سيما إذا كانت هذه الصواريخ مجهزة برؤوس حربية غير تقليدية. ومن المعلوم أن الجنرال زوسمان هو أيضاً قائد الجبهة الداخلية في منطقة "غوش دان" التي تشمل تل أبيب وضواحيها، كما تشمل السهل الساحلي بين يافا وحيفا بطول نحو 90 كيلومتراً وعرض نحو 10 كيلومترات. تصريحات الجنرال زوسمان تزامنت بدورها مع ازدياد المخاوف "الإسرائيلية"، وقبلها الأمريكية، من "احتمال وقوع أسلحة كيماوية في قبضة المتمردين في سوريا وانتقالها إلى يد منظمات إرهابية" بحسب صحيفة "معاريف" (11-6-2012)، خصوصاً بعد إعلان المعارضة "سيطرتها الأحد الماضي على قاعدة لسلاح الجو السوري في مدينة حمص تشمل صواريخ مضادة للطائرات ووسائل قتالية أخرى". تكذيب خبر السيطرة على القاعدة الجوية لاحقاً لم يمنع نائب رئيس هيئة الأركان العامة اللواء يائير نافيه من التعقيب قائلاً، إن سوريا تملك أكبر ترسانة للأسلحة الكيماوية في منطقة الشرق الأوسط، وإنه "لا يجوز ل"إسرائيل" إن تغمض عينيها عنها ولو للحظة واحدة". مخاوف القادة العسكريين "الإسرائيليين" من تسريب صواريخ كيماوية سورية إلى "منظمات إرهابية"، المقرونة بتسريب ترتيبات عن إخلاء تل أبيب من سكانها في حال قصفها بصواريخ ذات رؤوس غير تقليدية، أي كيماوية أو جرثومية، وجدت أصداء لها في عواصم القرار، وأثارت بدورها مخاوف مضادة. ذلك أن بعض المحللين العسكريين تخوّفوا من أن يكون وراء تسريب هذه الأخبار والترتيبات خطة لدى "إسرائيل" لتسديد ضربة جوية وصاروخية خاطفة لسوريا هدفها تدمير ما تيسّر من قواعدها ومخازنها ووسائل قوتها الجوية والصاروخية بدعوى الحؤول دون سقوطها بأيدي المنظمات الإرهابية. محللون سياسيون لم يشاطروا المحللين العسكريين تشاؤمهم، إذ استبعدوا قيام "إسرائيل" بضرب سوريا في هذه الآونة لسببين: الأول، معارضة إدارة أوباما لخطوة بالغة الخطورة والتداعيات عشية انتخابات الرئاسة. الثاني، التخوف من ردود الفعل الثأرية التي قد تصدر عن سوريا وإيران والمقاومة اللبنانية. الرأي الغالب لدى المحللين السياسيين أن إعلان "إسرائيل" عن ترتيباتها الأمنية بشأن إخلاء تل أبيب من سكانها، والخوف من تسريب صواريخ كيماوية إلى "منظمات إرهابية"، إنْ هو إلاّ لون من ألوان ضغوط "إسرائيل" المتصاعدة على الولايات المتحدة للحصول على مزيد من الأسلحة المتطورة من جهة، وتقرير مزيد من العقوبات على سوريا وإيران من جهة أخرى.  هذه التفسيرات السياسية لا تبدد تلك المخاوف والاحتمالات العسكرية. صحيفة الخليج الإماراتية