Menu
العودة لفلسطين.. حلم يراود المهجّرين

العودة لفلسطين.. حلم يراود المهجّرين

قــاوم – تقارير : كتبه / صابر أبو الكاس  سنوات طوال ومازال الشعب الفلسطيني يحلم بالعودة إلى مدنه وقراه التي هُجِّر منها قسرًا تحت وطأة السلاح، 64 عامًا تمر على نكبة فلسطين وكأنهم 64 يومًا، فهم متمسكون بحقهم في العودة، رافضين الحلول الوهمية كالتوطين والتعويض.   مجازر ارتكبت وأراضٍ احتُلت ومنازل هدمت فوق ساكنيها وعائلات شُردت، هذا هو الواقع الأليم الذي عاشه أهل فلسطين، عندما أقدمت العصابات الصهيونية على ترويع المدنيين بقوة السلاح ليجبروهم وقتها على الهجرة عنوة.   أحداث جمّة مازالت الذاكرة ممتلئة بها، فلم ينس الكبار الذين عاشوا هذه اللحظات العصيبة ما اقترفه الاحتلال بحقهم، فالحقوق لا تسقط بالتقادم ولا يمكن التنازل عنها..     شعب أعزل وعصابات مسلحة:   كانت بداية لقيانا بالحاج حسين الشاويش ثمانيني العمر، الذي قضى عمره في نصب وتعب وتضحيات تميزت بمقارعته للعدو الصهيوني ومن قبله الانتداب البريطاني الذي عايشه وذاق من خلاله مرارته، يقول الحاج حسين للإسلام اليوم: "عندما حدثت نكبة فلسطين كان عمري وقتها ثمانية عشر عامًا، حيث كنت أقطن قرية تسمى الكوفخة، وكانت تشتهر بالبساتين والأشجار والخير الوفير وتربية الماشية، وأثناء فلاحتي لأرضي وأنا أحصد ما زرعته لأقتات به وأفراد أسرتي، تفاجأنا بقوات مدججة بالسلاح تتجه نحونا مشرعة أسلحتها علينا، هددونا بترك المكان فاضطررنا للمغادرة تحت وطأة سلاحهم وقوة بطشهم، تاركين خلفنا المحاصيل الزراعية وهي كالهشيم بعد أن أشعلوا فيها النيران من كل جانب.   ويتابع الشاويش حديثه وهو متكئ على عصاه: "توجهنا إلى مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة سيرًا على أقدامنا وفي طريقنا وجدنا رجلًا كبيرًا طاعنًا في السن ملقًى على الأرض وقد تخضّب بالدماء، وكانت قوات صهيونية قد اغتالته بدم بارد أثناء اجتياحها البلاد، وفور وصولنا بيت حانون شاهدنا الطائرات المصرية وهي تلقي بقنابلها على رتل من القوافل العسكرية الصهيونية التي كانت تجوب المناطق وتعيث في الأرض الفساد، حتى استطاعت هذه الطائرات إصابة بعض هذه الأرتال العسكرية".   وعن مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني آنذاك يقول الحاج الشاويش: "لا يوجد وجه مقارنة بين ما كانت تمتلكه العصابات الصهيونية من عتاد ومعدات عسكرية وبين ما كان يمتلكه هذا الشعب الأعزل الذي لم يكن يتوقع اغتصاب أرضه في لحظة من اللحظات".   مجموعات عسكرية:   ويستطرد الشاويش قائلا: "بالرغم من قلة إمكانياتنا، استطعنا أن نشكل مجموعات عسكرية وفدائية بمساعدة من الجيش المصري وبعض الفدائيين المصريين التابعين لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك، فانطلقنا سويًّا نحو مقارعة العدو الغاصب، واستطعنا بفضل الله تعالى أن نُثخن فيه، حيث أقدمنا على تفجير رتل عسكري كان يسير في بلدة بيت حانون وقتلنا ضابطًا كبيرًا وهو مسئول الفرقة، وغنمنا عددًا من الجيبات العسكرية والذخائر والأسلحة الموجودة فيها".   حضور مصري   وعن الدور المصري ووقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني خلال نكبته يقول الشاويش : "كان الحاج أمين الحسيني تربطه علاقة وثيقة بالدكتور المصري محمد عاهد الذي سبق زمن مصطفى كامل فقدم الكثير من أجل القضية الفلسطينية، وقد تعاون هو والحسيني في الجهاد ضد الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني من خلال نقل الأسلحة سرًّا إلى سيناء ومنها إلى الفدائيين الفلسطينيين في الداخل".   ويتابع: "بعد أن ازداد نشاطهم العسكري ضد الاحتلال تم اكتشاف أمرهم، فأوعزت الحكومة البريطانية إلى الملك فاروق لإعطاء أوامره بفرض الإقامة الجبرية على الحسيني في منزله وشددت عليه الرقابة، وظل على تلك الحال إلى أن اندلعت ثورة 1952 في مصر".   ماذا يحدث؟   وبعدما انتهينا من حديثنا إلى الحاج حسين الشاويش توجهنا بحديثنا إلى الحاجة أم فارس الشلتوني التي هجّرتها هي الأخرى العصابات الصهيونية من بلدتها الأصلية اللد شمال الضفة المحتلة، وبرغم كبر سنها والأمراض التي تلمّ بها لا تزال الحاجة أم فارس تستذكر أدق التفاصيل ومجريات الأحداث التي حصلت لها وأسرتها وهي في سن العاشرة من عمرها.   تروي لنا حكاياتها مع الهجرة وتستذكر حياة الطفولة التي عكرها المحتل الغاصب بالدماء والأشلاء ومناظر القتل والتشريد، تقول: "كنا جالسين في بيتنا وإذ بنا نرى مشاهد أناس يسرعون الخطى ويهرولون بعيدًا عن بيوتهم، تساءلنا: ماذا يحدث؟؟ أبلغونا بأن العصابات الصهيونية تجتاح المنازل وتدمرها على ساكنيها، انتابنا نوع من القلق والخوف حينها، لأننا عزّل ولا نملك سلاحًا او عتادًا ندافع به عن أنفسنا".   مجزرة مروّعة   وتردف أم فارس وصوتها يتقطع بين بكائها حينًا وصمتها أحيانًا أخرى: "قبل أن نترك بيتنا ونُهجّر منه قسرًا شاهدنا بأم أعيننا مجازر مروعة ومشاهد مقززة اقترفتها العصابات الصهيونية أمامنا، حيث قاموا باحتجاز أكثر من 400 شاب من البلدة ومحاصرتهم في أحد المساجد وقاموا بإطلاق النار عليهم بشكل مباشر فأردوهم قتلى".   وتتابع أم فارس حديثها وقد أقعدها المرض على كرسي متحرك: "عشنا في اللّد أيامًا جميلة بين كروم العنب وأشجار الزيتون التي كانت تطوف ببيتنا، وعوضًا عن ذلك فمدينة اللد مدينة سياحية ويوجد بها حاليًا أكبر مطار في فلسطين وأكبر محطة قطار أيضًا، لكن الاحتلال لم يرد أن يمتعنا في ديارنا فأقدم على سرقتها واحتلالها".   زوجي رفض   وتحلم الشلتوني بالعودة الى بلدتها المحتلة قبل أن توافيها المنيّة وقد تنقلت وأهلها من بلد إلى بلد في انتظار العودة إلى قريتها في وقت قريب، لكن هذا الوقت قد استمر أكثر من 64 عامًا، رافضة خلالها ما يسمى بمبدأ التوطين أو التعويض.   وتختم حديثها بالقول: "لقد عرض اليهود على زوجي تسليمهم أوراق بيته التي تثبت ملكيته في أرضه وأحقيته في بيته، مقابل أن يدفعوا له ملايين الأموال، لكن زوجي رفض ذلك بشكل قطعي، معتبرة أن العودة إلى الأرض حق مشروع وقادم لا محالة، فإن لم نرجع نحن فسيرجع أحفادنا".   هجرة سيرًا على الأقدام   وفي شارع آخر من شوارع قطاع غزة، تجد بيتًا تظهر عليه معالم الهجرة، إنه بيت الحاج أحمد هاشم الصفطاوي، الذي ولد عام 1929 في مدينة تُسمى المجدل، وقد احتلها اليهود عام 1948 وهجّروه منها هو وأهله.   التقينا بالحاج الصفطاوي الذي بلغ من الكبر عتيًّا، حدثنا عن بلدته المجدل التي انحدر منها ونشأ فيها، وهُجّر منها وهو في بداية العشرينيات من عمره، فقد وعى ما حصل فيها بالتحديد من أحداث ومجريات.   يقول: "كنت عائدًا من عملي إلى البيت.. وجدت أبي قد حمل عفش بيتنا ووضعه في إحدى عربات الشرطة المصرية التي كانت تحرس البلدة وقتها، سألت أبي: ما الخبر؟؟ قال سنهاجر إلى مكان آخر حتى لا تأتي علينا العصابات الصهيونية وتقتلنا جميعًا، وفعلًا هاجرنا سيرًا على الأقدام، متجهين نحو غزة التي أصبحت ملجأ لنا من بطش العصابات الصهيونية".   شيك مفتوح   ويكشف الصفطاوي النقاب عن عرضٍ قدمه له الاحتلال بتنازله عن أرضه مقابل شيك مفتوح يكتب فيه المبلغ الذي يريد، لكن رده كان قبل أن يكمل عدوه الغاصب قائلا: "لو أعطيتني مال العالم كله فلا يمكن أن أوقّع على بيع شبر واحد من أرضي".   واستهجن الحاج الصفطاوي الأصوات المنادية بتوطين اللاجئين في بعض البلدان العربية أو تعويضهم عن أراضيهم التي احتُلت عام 1948 معتبرًا أن من يفرط في أرضه فكأنما فرط في عرضه.   ويستذكر الصفطاوي، وهو حامل في يده مفتاح العودة، أيامَ وليالي بلدته المجدل، وما كانت تشتهر به من آثار وحرف كان أشهرها صناعة النسيج والذي عمل فيه والده واثنين من إخوته.   ويأمل أن تعود أرضه في الوقت القريب بسواعد المقاومين والمجاهدين الذي باتوا يملكون عوامل النصرة بعدما كنا معزولي السلاح نقاوم المحتل بصدورنا العارية، مطالبًا الدول العربية أن تمد الشعب الفلسطيني بالسلاح ليدافع هو عن نفسه وأرضه.   شطب حق العودة   وبالتزامن مع إحياء الفلسطينيين ذكرى نكبتهم الـ64 تجرى محاولات حثيثة لشطب حق العودة والالتفاف على قضية اللاجئين، خاصة بعد الاقتراح الذي قدمه الكونغرس الأمريكي بالتخلص من قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر تقليص عددهم، الأمر الذي اعتبره عصام عدوان، رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة حماس، بمثابة بالون اختبار لمعرفة ردة الفعل الفلسطيني تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، واصفًا هذا القرار بأنه يهدف إلى إجهاض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مطالبًا بضرورة التحرك فلسطينيًا في المحافل الدولية لمواجهة هذا القانون الذي يمس قضية اللاجئين, وبتخصيص الأمم المتحدة ميزانية ثابتة من ميزانية الأمم المتحدة لصالح وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بدلًا من التنكر لحقوقهم.   ومازال الشعب الفلسطيني يحيى ذكرى نكبته في الوطن والشتات لتبقى هذه الذكريات وتلك الشهادات تُروى من أفواه الكبار إلى آذان الصغار الذين ورثوا حب الوطن وحلموا كأجدادهم بالعودة إلى ديارهم وقراهم التي حتمًا ستعود عاجلًا أو آجلًا، ليس بمفاوضات هنا أو اتفاقيات هناك، بل بمقاومة باسلة كما يذكر هؤلاء، فما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.