Menu

دمشق: تتويج القدس عاصمةً للثقافة العربية للعام القادم

قــاوم- قسم المتابعة: من العاصمة العُمانية مسقط، وفي الدورة الخامسة عشرة لاجتماع وزراء الثقافة العرب في العام 2006، طلبت بغداد تأجيل احتفاليتها عاصمةً للثقافة العربية للعام 2009، حينها بادر وزير الثقافة الفلسطيني حينها الدكتور عطا الله أبو السبح إلى طرح القدس بديلاً عن بغداد، الأمر الذي وافق عليه الوزراء بالإجماع، وأقرّت القدس عاصمةً للثقافة العربية للعام 2009.   وبعد اجتماعات طويلة دامت شهوراً تبلورت فكرة مؤسسة القدس الدولية بإطلاق حملة أهلية لاحتفالية القدس، بالتشارك مع مؤسسة فلسطين للثقافة ومركز الزيتونة للدراسات والاستشارات وفضائية القدس بوصفها راعياً إعلامياً للحملة.   وبعد توجيه الدعوات لأكثر من ستٍّ وأربعين هيئة واتحاد ونقابة ذات امتداد عربي وإسلامي وعالمي، بالإضافة إلى عدد كبير من الشخصيات الدينية والأكاديمية والفكرية والثقافية والإعلامية والفكرية، قدموا إلى العاصمة السورية دمشق من أكثر من ثلاث عشرة دولة، نظمت مؤسسة القدس الدولية حفل استقبال للمشاركين في انطلاقة الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية 2009، وذلك في قاعة الأمويّين في فندق الشام في العاصمة السوريّة دمشق.   وأشار الدكتور محمد أكرم العدلوني في كلمة ترحيبية له بالحاضرين ’ أنّ الحملة الأهلية المزمع إطلاقها هي عبارة عن تجمّع مدني شعبي للمساهمة في دعم مدينة القدس بالتوازي مع الأنشطة الرسميّة، بما يلائم رمزية المدينة  المقدّسة’.   وقال: ’القدس ليست فقط عاصمة الفكر والثقافة، بل الحضارة والإنسانية’، مؤكداً أن هذه الحملة تأتي أيضاً لمواجهة مشروع الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول أنْ يشوه صورة القدس الثقافية والروحية والإنسانية.   الجلسة الافتتاحية وبدأ الاجتماع التأسيسي لإطلاق الحملة الأهليّة لاحتفاليّة القدس عاصمة الثقافة العربيّة لعام 2009، خلال حفلٍ حاشد، حظي باهتمام رسمي وشعبي وإعلامي لافت.   وبدأت الجلسة الافتتاحية التي ترأسها عبد العزيز السيّد وبدأها بكلمة مقتضبة عزا فيها سبب انطلاق الحملة الأهليّة للاحتفاليّة من العاصمة السوريّة دمشق، ’ لأنّ دمشق تشكّل عاصمة ثقافة للأمة منذ أن كانت الأمّة ولأنّها مقرّ رئاسة القمّة العربيّة التي كان عنوانها التضامن العربيّ، ولأنّها مثوى صلاح الدّين الأيوبيّ الذي لنا فيه قدوة سياسيّة وثقافيّة وفكريّة في سبيل استعادة القدس’.   وافتتح الدكتور حسن خاطر الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية للدفاع عن المقدسات كلمات الجلسة الأولى، مشيراً إلى التقصير الرسمي الكبير تجاه القدس والمخاطر التي تتهدّدها، ’فقد أقرّ وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم بالقاهرة خطّة إعلاميّة أكّدت في حينها على حماية عروبة القدس، وكشف مخاطر الحفريات، إلا أنّه لم يكن هناك أيّ أثرٍ لهذه القرارات في حماية وإنقاذ القدس’.   واعتبر خاطر هذه المناسبة ’ فرصة ذهبيّة نحو إعادة الاعتبار لهذه المدينة المقدّسة لافتاًَ إلى ’أنّ الاحتفاليّة الحقيقيّة بهذه المناسبة العظيمة تبدأ بإعادة اللحمة الوحدة لأبناء القدس وبيت المقدس، مضيفاً أنّ القدس توحّد ولا تفرّق، وتجمع ولا تشتت’.   وقال ’إنّ الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربيّة سيكون محفوفاً بالكثير من الصعاب والتحدّيات، فالقدس كلّها تحت الاحتلال، بل الاحتلال يعمل على إغراقها في أعمق دوّاماته، وبالتالي لن تستطيع القدس أن تستقبل أحداً من المحتفلين بها كعادة العواصم العربيّة’.   وأضاف أنّ واقع القدس اليوم ’أكثر سوءاً ممّا يُتَصوّر، والقدس تحتاج أكثر من ذلك بكثير، فالقدس مخطوفة خلف جدار العزل العنصريّ، ومعزولة تماماً عن الجغرافيا والديموغرافيا العربيّة، ومقدساتها تدنّس وتخرّب، وفي الوقت نفسه تاريخها يزوّر ومعالمها تشوّه، وبيوتها تهدم، ونسبة الفقر تجاوزت الـ68% وهي في تزايد مستمرّ ’ حسب خاطر.   نحيّي كلّ مقاوم في القدس من جهته، رحّب بشارة مرهج، نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدوليّة، بالوفود والشخصيات المشاركة بالاحتفال من أجل إطلاق احتفاليّة القدس عاصمة للثقافة العربيّة 2009.   وأكّد مرهج ’أنّ القدس أمانة في أعناق الجميع، ليس على المستوى الثقافيّ فحسب، بل هي جزءٌ من برامجنا اليوميّة السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة كي تحيى القدس وتبقى قضيّة تتكامل يوماً بعد يوم مقابل الإجراءات الاستيطانيّة التي تعتدي على المدينة وتغيّر معالمها’.   وأضاف ’نحن نتضامن مع كلّ مقاوم في القدس وفي فلسطين وعلى امتداد الأرض العربية من أجل استرجاع الأرض والكرامة والشرف’، موجهاً أهل القدس والمجاهدين في فلسطين وكل من يعمل من أجل فلسطين حرة.   بعد ذلك قدّم الدكتور وليد سيف، الأديب والكاتب الفلسطينيّ المشهور كلمته، واعتبر أنّ الاحتفاء بالقدس عاصمة الثقافة العربية ’هو بالضرورة احتفاء بالمعاني والرموز الحية التي تحتشد في الوجدان العربي وتستعصي على الترجمة والمحو والإلغاء، هو احتفاء بالذاكرة التي صمدت لاختبار الزمن وما زالت ترفد حركة الحاضر وتحرس الهوية وتضمر المستقبل’.   وقال سيف: ’لم يكن رهان الغاصب على قوة  الدبابة في المدن البعيدة، فهذه رهينة المتغير، دائماً كان الرهان الاستراتيجي على اقتلاع الذاكرة وإطفاء الحل وتذويب الهوية وتقويض الروح وتحريف المعاني والرواية. فهذه هي الأصول التي ما دامت حية ضاربة في الأرض  فلا بد أن يتعالى في السماء وتؤتي أكلها في آخر المطاف وإن تأخر الموسم’.   وأشار إلى أنّه ليس أفظع من اغتصاب الأرض إلا محاولات اغتصاب التاريخ والرواية ولا أشد من التهجير القسري من الوطن إلى محاولات تهجير الوطن من الذاكرة والحلم، وليس أخطر من الصراع على الأرض إلا الصراع على المعاني والمفاهيم والرموز التي يتمثل بها العالم في وعينا ونعرف بها الأشياء والوقائع ، ونؤول بها المواقف ونبني بها روايتنا عما كان ويكون وما ينبغي أن يكون.   وأكّد سيف أنّ ’ الاحتفاء بالقدس عاصمة الثقافة العربية مناسبة عظيمة تدعو الأدباء والمثقفين  العرب إلى إحياء معجم المعاني التحريرية ومعها رواية الحق العربي الذي تنتظم فيه الرواية العربية الشاملة ’ .   لتبقى مدينة السلام وكانت كلمة الشخصيّات الدينيّة المسيحيّة للمطران لوقا الخوري المعاون البطريركي لمطران المشرق للروم الأرثوذكس، الذي أعرب عن سعادته لانطلاق الحملة الأهليّة للاحتفاليّة من دمشق، مشيراً إلى أنّ المسيحيّة المشرقيّة ذات تاريخ ينطلق من فلسطين والقدس بالذات إلى أقاصي الأرض.   وقال الخوري ’القدس قلب إنسانيّتنا، وما يصيبها يصيب كلّ البشريّة وعهدنا مع القدس عهدٌ طويل، هي مدينة الصلاة، ولنا بها صلاتٌ إيمانيّة أبديّة’.   وتمنّى المطران للجميع في كلّ الوطن العربيّ، وخاصّةً الميسورين منهم، إلى وضع كلّ إمكانيّاتهم وطاقاتهم في خدمة إنجاح الحملة الأهليّة لتبقى القدس في طابعها العربيّ المسيحيّ والإسلاميّ، ولتبقى مدينة السلام ومثلاً للتعايش بين الأديان والشعوب.   وبعد ذلك ِألقى الدكتور محسن صالح كلمة الأكاديميين ، وتحدّث عن نموذجيْن في حكم القدس على مرّ ستّة آلاف سنة الماضية، الأول يمثّل عقلية الجامعة وهي عقلية تؤمن بالتعدّد والتعايش والسلام في ظل العدل، وفي مقابلها عقلية مانعة هذه العقلية تحكم، ولكنها تنفي الآخر تحكم بانعزالٍ وانفراد، وهي مستعدّة للبطش في سبيل السيطرة وهو ما يؤدّي إلى الفساد والفتن والحروب، وفي ظلّ هاتين العقليتين عاشت القدس.   وأكّد سعي العقلية الإسرائيلية ’لتزوير التاريخ والمكان والإنسان، عبر ما تقوم به من نشر أوهامٍ وأباطيل حول حقّها المزعوم، كما تسعى لتزوير المكان بتهويده وتغيير معالمه وتزوير الإنسان بتهجير أصحاب الأرض واستجلاب المستجلبين والمستوطنين من بقاع الأرض.   وطالب المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الأنظمة العربيّة بتوفير بيئات تضمن الحرية والإبداع لأصحاب الأقلام، وأن تعود العقول المهاجرة ليتوقف نزيف الأدمغة، ولتجاوز تلك الثقافات التي تقول إنّ قدم اللاعب مكرّم أكثر من عقل الباحث والكاتب، مضيفاً: ’نريد أنْ يكون لنا باحثون ومؤسسات وأنْ تكون أبحاثنا أصيلة  جادة وموثّقة تدخل في العمق وتدافع عن حقّنا في أرضنا’.   وشدّد على ضرورة التركيز على الأبحاث والدراسات وتكثيف الجهود للاستفادة من الطاقات الهائلة للكتابة حول القدس، وتوجيه طلبة الدراسات العليا للكتابة حول القدس، داعياً إلى أن تكون هناك مقرّرات دراسية في الجامعات حول القدس ولجنة مسئولة تسمّى ’أكاديميون’ أو ’علماء من أجل القدس’، وإنشاء موقعٍ على الإنترنت لتداول الأبحاث حول القدس.   التعريف بالحملة وأكّدت الجهات الراعية للحملة الأهليّة، في نشرةٍ تعريفيّة أنّ الإعلان عن القدس عاصمةً للثقافة شكّل تحدّياً أمام الأمة العربيّة وأضحت أمام اختبارٍ عملي تُترجم فيه هذه الرمزية إلى فعلٍ وثقافةٍ ووعي، وتُثبت فيه أنّ القدس فعلاً تشغل الوعي والفكر في كلّ المناحي وليست مجرّد رمزٍ تمرّ عليه في خطبة انفعالية ثم تنساه .   وأضافت النشرة:’ المدينة تشتاق إلى مشروعٍ ثقافي فكريٍّ يجابه هذا الظلم والزور، ويحفظ لها وجهها العربي وطابعها الإسلامي المسيحي المنقوش في كلّ حناياها، ويسندها في صمودها أمام ثقافة الظلم والتزوير، ويزرعها في عقل وقلب من تشتاق لهم ويشتاقون لها، فتبقى عصيةً على الاقتلاع والطمس والتشويه، وقد جاء إعلانُها عاصمةً للثقافة العربية ليُشكّل فرصةً ذهبيةً إنْ أُحسِن استغلالها، فرصةً لبدء تحرّكٍ يسند صمود المدينة في معركة الوعي والثقافة، وفي معركة البقاء والتصدي، حتى يحين وقت عودتها إلى حضن أمتها’.   وحول فكرة ومضمون الاحتفالية، قالت النشرة إنّ حالة القدس تختلف عن باقي المدن العربيّة بأنّها مدينة تحت الاحتلال، وهو ما يجعل إنجاز الاحتفالية على وجهها المعتاد أمراً مستحيلاً، وهو إنْ تمّ يشكّل شكلاً من أشكال الاعتراف بشرعية الاحتلال، ناهيك عن أنّ الاحتلال سيكون متحكماً بصورة هذه الاحتفالية ومحتواها.   ’لهذا ستكون انطلاقة الاحتفاليّة من مختلف العواصم العربية شوقاً لاحتضان القدس من جديد، فتعبّر عن شوقها هذا بمختلف أشكال الفعاليات الثقافية والفنية، وتحيي وتستعرض وتنشر المخزون الثقافي الثريّ لهذه المدينة المقدّسة المغيبة في ليل الاحتلال’ حسب النشرة.   ولخصت الجهات القائمة على الاحتفالية أهدافها بإبراز الهوية الثقافية لمدينة القدس فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ومسيحياً وإنسانياً، وتكريس رمزية هذه المدينة، وترجمتها إلى واقع يضعها في صدارة الوعي والثقافة والفكر في العالم العربي، بالإضافة إلى التعريف بما تعانيه هذه المدينة وأهلها في ظل الاحتلال الصهيوني العنصري، وبواقع صمودها وصمود أهلها الذين جعلوا مدينتهم مدينةً عصيةً على الاقتلاع.   كما تسعى الاحتفاليّة إلى تعميق روح التحدي للاحتلال لدى جماهير الأمة، وتحريك الجماهير العربية نحو القدس وأهلها لدعم وإسناد صمودهم، وتكريس مفهوم الشراكة والتكامل بين مختلف مكوّنات الأمة من أجل نصرة القدس، وتعزيز دورها كقضيةٍ جامعةٍ موحّدة.   و تعمل الحملة الأهليّة للاحتفاليّة على 12 مساراً مقترحاً، هي: الشعــر، النثر والمقال والأعمال الصحافية، والرواية والقصة القصيرة، والأغنية والنشيد، والرسم، والحرف اليدوية، والمسرح، والأفلام الوثائقية والتسجيلية، التصوير الفوتوغرافي، والتصميم الفنّي والعروض متعدّدة الوسائط، والإصدارات الأكاديميّة، ومشروعات كبرى للتثقيف بالقدس وشؤونها.   إطلاق الحملة وبعد الاجتماع الذي امتدّت أعماله على مدار يوم كامل تواصلت فيه الجلسات وورش العمل، أعلن خلالها المجتمعون إطلاق الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009، وأعتُبر المشاركون في تلك الاجتماعات من أعضاء الهيئة التأسيسية للحملة.   كما تم التوافق على اختيار هيئة رئاسة الحملة، والتي تكونت من الدكتور إسحاق فرحان رئيساً للحملة، وكلاً من الدكتور أنطوان ضو والدكتور صدّيق المجتبى والأستاذ أحمد عبد الكريم نواباً للرئيس.   كما توافق المجتمعون على اختيار لجنة تحضيرية يرأسها الدكتور محمد أكرم العدلوني الأمين العام لمؤسسة القدس الدولية باعتبارها صاحبة مبادرة الحملة الأهلية، كما أقرّت الهيئة التأسيسية أعمال المكتب التنفيذي للحملة بعدما استعرضت الهيئة البرامج والمبادرات المقدّمة من المكتب التنفيذي المؤقت.   ووجهت الهيئة الشكر العميق للجمهورية العربية السورية، وأهابت اللجنة بكافة رجال الأعمال والاقتصاد والمؤسسات الراعية للثقافة والفكر، وعموم الهيئات والمؤسسات العربية والإسلامية تقديم الدعم الكافي لتنفيذ المشروعات التي استعرضتها الهيئة التأسيسية في اجتماعها.