Menu

رائحــة الدم تفوح من هنا .. حكايات شهداء نابلس رجال تمسكوا بالمقاومة

يشتم الزائر  لمدينة نابلس رائحة الحزن والفقدان... أثار الاقتحام والدم والموت في كل مكان،... وسط المدينة كان الآلاف في تشييع آخر الشهداء "عدنان شوكت عناب" وما هي إلا ساعة حتى انضم كل المشيعين إلى بيوت العزاء التي انتشرت في المدينة.

 

اجتمعت النساء في ديوان الشيخ مسلم في البلدة القديمة لتقديم واجب العزاء لثلاث من عائلات الشهداء العشرة تامر الميناوي ووليد الدخيل وعدنان عناب.

ما أن دخلنا إلى الديوان حتى قابلتنا والدة الشهيد حسين طه الذي استشهد برفقة إبراهيم النابلسي التاسع من آب/ أغسطس الفائت رحبت بنا وحرصت على أن تجد مقعدا قريبا من أمهات الشهداء الثلاثة.

 بجانبنا جلست إحداهن قالت موجهة حديثها لنا:" في هذه البلدة شهيد يسلم شهيد أنا ابني استشهد هنا قبل 20 عاما أطلق عليه أحد القناصة الرصاص بينما كان متوجها إلى مكان عمله" وأخرجت من جيبها هاتفها المحمول لترينا صورته، إنه الشهيد "أحمد عاشور" الذي استشهد في نهاية عام 2002 لم يكن يتجاوز عمره 17.

توجهنا بالحديث إلى والدة الشهيد وليد الدخيل، لكنها لم تقوى على الكلام، تدخلت  الجدة التي كانت تجلس بجانبها وبدأت بالحديث عنه:"كان عنيدا في الحق شديد التمسك بالمقاومة".

بالمقعد المجاور كانت والدة الشهيد تامر الميناوي وزوجته. يبلغ تامر 32 عاما، ولديه ابن وحيد "علي" يبلغ من العمر عاما وعشرة أشهر.

تامر لم يكن من المطلوبين للاحتلال، كان يقضي يومه بين عمله وبيته، ولكن مع اندلاع المواجهات في البلدة القديمة يوم الاقتحام ترك عمله والتحق بالمقاومين.

تقول زوجته دانة: "في الفترة الأخيرة كان دائم الحديث عن الشهادة، ويردد أنه ذاهب ليستشهد، ويوم استشهاده خرجت قبله إلى العمل، لاحظت أنه قضى وقت أطول باللعب مع علي، وعندما علمت عن دخول قوة إلى المدينة اتصلت عليه كان هاتفه مغلق فشعرت أنه استشهد".

على بعد أمتار من الديوان كان المنزل الذي تم استهدافه واستشهاد المقاومين تامر ورفاقه فيه في حارة الحبلة، بالطريق إليه يقع دكان الشهيد عندنا سبع بعارة، الذي استشهد في المكان.

يقول أحد الشهود في المكان:" كان يقف في دكانه عندما بدأ الاقتحام، ومع اشتداد إطلاق النار أغلق المحل وبقي بالداخل، ولكن من شدة القنابل الغاز المسيل للدموع التي تم إطلاقها بالمنطقة تعرض للاختناق واستشهد".

في مجلس العزاء في ديوان رجال العامود في منطقة رأس العين القريبة من البلدة القديمة، لم يختلف الحال كثيرا، كانت عائلات الشهداء حسام اسليم وعائلته عينابوسي.

خلال حديثنا مع والدة حسام تذكرت بكل غصة عن آخر يوم قابلته فيها، قالت إنها قبل أسبوع فقط توجهت إلى البلدة القديمة من مدينة نابلس وطلبت أن تراه، وبالفعل قامت بالتجول معه وأمسكت بيده طويلا

وتتابع:"كان حسام شابا عاديا، محبا للحياة يعمل لبناء مستقبله، ولكن حياته تغيرت بالكامل بعد استشهد الشبان الثلاثة أشرف المبسلط، ومحمد الدخيل".

بدأ حسام بمتابعة أخبار الشهداء ومتابعة كل ما يجري في نابلس و جنين، وتركز حديثه بالكامل عنهم وعن بطولاتهم ولا يسمع سوى أغاني الشهداء، ويقضي وقتا طويلا عند قبور الشهداء في نابلس وجنين. التغيير الأكبر كان بعد استشهاد النابلسي حيث انضم للمقاومين بشكل رسمي وبدأ الاحتلال بمطاردته.

تتابع الوالدة:" كل حديثه يركز على أنه سيلحق الشهداء، وأن هذه الحياة لم تعد تعني له شيئا، وعندما أطلب منه أن يحذر كان يرد علي أنا ذاهب إلى رب العالمين أحسن من الدنيا وما فيها ".

تعرضت العائلة للضغط الشديد من قبل الاحتلال، ففي نوفمبر/تشرين ثاني اقتحمت قوة كبيرة منزله في جبل عيبال وطالبت عائلته بالضغط عليه لتسليم نفسه، مهددين في حال عدم تسليم نفسه باستهدافه وقتله، "قالوا لوالده إذا لم يسلم نفسه خلال يومين ستمشي بجنازته"، ولكن رد حسام كان واضحا من يومها حتى يوم استشهاده "لن أسلم نفسي للاحتلال".

شهداء نابلس.jpg
 

منذ ذلك اليوم تحولت حياة العائلة إلى قلق دائم على حسام، ومع كل نبأ عن اقتحام المدينة كان القلق يزداد على مصيره ولا تهدأ حتى تطمئن عليه، حتى يوم استشهاده.

في ذلك اليوم غلب الوالدة النعاس بعد الفجر، ولم تتابع نبأ اقتحام قوة خاصة البلدة القديمة، فكان اتصالا منه قال لها فيها "إن قوة احتلالية تحاصره ويطلب منها أن تسامحه"وأغلق الهاتف ولم تسمع منه بعد ذلك أبدا