Menu

85 عاماً على استشهاد الشيخ فرحان السعدي

قـــاوم_قسم المتابعة / أعدمت القوات البريطانية في مثل هذا اليوم، الموافق السابع والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، قبل 85 عاماً الشيخ فرحان السعدي أحد كبار مرافقي الشيخ عز الدين القسام.

واستشهد الشيخ السعدي يوم السبت الموافق 27/11/1937، في سجن عكا، بعد رحلة جهاد طويلة ضد المحتل البريطاني الذي جنّد كل طاقاته للوصول إليه بعد تسلم الراية وقيادة المجاهدين خلفًا للشيخ عز الدين القسام.

سيرة ذاتية

الشيخ فرحان السعدي من مواليد قرية مزار السعدية من منطقة جنين عام 1858، تعلم القراءة والكتابة في الكتّاب والمدرسة الابتدائية في جنين، ثم أكمل تعلم الفقه في عكا.

كان مزارعا، وعمل إمام جامع في بيسان، وهناك ابتدأ نضاله ضد الاستعمار البريطاني في بداية العشرينيات.

عام 1929، أسس الشيخ فرحان السعدي، مجموعة مسلحة ناضلت ضد الإنجليز في انتفاضة البراق، وقامت بعدة عمليات عسكرية، فقبض عليه الاحتلال البريطاني، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، قضاها في سجن عكا وسجن نور شمس، علما أن الحكم صدر بدون اي إثبات أو دليل.

بعد خروجه من السجن، انتقل إلى حيفا للعمل فيها، وهناك التقى بالشيخ القسام في جامع الاستقلال، وانضم إلى العصبة القسامية، وأصبح أحد رجالاتها المركزيين.

دور الشيخ فرحان في الثورة

بعد استشهاد القسام في موقعة أحراش يعبد في 20/11 1935، تولى الشيخ فرحان القيادة مكانه، في فترة تميزت بالملاحقة الشديدة لأعضاء العصبة القسامية، خاصة أن السلطات البريطانية عرفت أن مقاتلين مركزيين في العصبة، لم يشاركوا في موقعة يعبد، وبالأخص الشيخ فرحان، وذلك لأن الشيخ عز الدين القسام كان قد أرسله في مهمة أخرى، وصارت -أي السلطات البريطانية- تداهم القرى التي تعتقد أنه متواجد فيها.

أما أشهر المعارك التي قادها الشيخ فرحان السعدي، فهي معركة الفندقومية والتي حدثت على طريق نابلس وجنين قرب قرية فندقومية، وذلك بتاريخ 30/06/1936، إذ قام الثوار بنصب كمين لقافلة عسكرية بريطانية، وقاموا بالهجوم عليها بالرصاص الغزير، وأوقعوا فيها خسائر فادحة، بحيث أن البريطانيين اتصلوا لطلب النجدة، فجاءتهم نجدة كبيرة من مدينة نابلس ومدينة حيفا، حتى تجاوز عددهم الألفي جندي، مزودين بالدبابات والمدافع وعدد من الطائرات العسكرية.

هذا العدد الكبير من الجنود لم يثن الثوار أو يرهبهم، واستمر الاشتباك لمدة ست ساعات، انسحب بعدها الثوار إلى مواقعهم في الجبال. وقتل في المعركة أكثر من ثلاثين جنديا بريطانيا، واستشهد من الثوار ثلاثة، منهم الحاج محمود والحاج حسين.

ولأن الشيخ الشهيد فرحان السعدي كان قائدا للعصبة القسامية، وظفت حكومة الانتداب كل جواسيسها وعيونها ومخابراتها وقواها الأمنية من أجل القبض عليه وبذلك تتخلص منه وتضعف العصبة.

اعتقال الشيخ

في الساعة الخامسة صباحا من 22/11/1937، فوجئ أهالي قرية المزار، والتي تبعد تسعة كيلومترات عن جنين، بقوات كبيرة جدا تتألف من ستين سيارة عسكرية محملة بالجنود، وعلى رأس هذه القوة حاكم منطقة نابلس، وقامت هذه القوة باغلاق مداخل ومخارج القرية، حتى جاءت قوات أخرى من حيفا وعكا والناصرة، وكانت هناك ثلاث طائرات تحلق في سماء القرية للمراقبة، ولتفادي أية مفاجأة أو التبليغ عن خارج أو هارب منها.

كانت هذه القوات تقوم بالبحث عن الشيخ فرحان السعدي وبعضا من رفاقه، إذ وصلتهم إخبارية أن الشيخ ورفاقه متواجدون في القرية، ويقال إن الواشي كان قريبا لشخص عميل قام رجال الثورة بتصفيته.

دخل إلى القرية مساعد حاكم اللواء ومدير بوليس نابلس وجنين، مع هذه القوة الكبيرة التي فاجأت أهل القرية، وطالبوا المختار بالتوجه للشيخ فرحان من أجل تسليم نفسه، وإلا هدموا بيت شقيقته، التي كان نائما عندها، فوق رأسه ورأس أصحاب البيت، وحفاظا على أرواح أهالي القرية.

توجه المختار إلى بيت شقيقة الشيخ فرحان، وطالبه بتسليم نفسه، وإلا وقعت كارثة كبيرة، فوافق الشيخ حفاظا على حياة الناس وأهالي القرية، وخرج من مخبئه وسلم نفسه، هو وثلاثة من رفاقه، وهم: أحمد محمد السعدي من قرية المزار، أحمد حسين القاسم السعدي من قرية جلقموس، حسين محمد حسين من البطيمة قضاء غزة.

قامت قوات الجيش بعدها بإرسال الشيخ فرحان إلى سجن عكا مع قافلة عسكرية كبيرة، أما رفاقه الثلاثة فأخذوا إلى سجن جنين حتى المحاكمة.

محاكمته واستشهاده

أعلن الجيش في بيانه عن اعتقال الشيخ فرحان أن محاكمته ستتم يوم الأربعاء الموافق 24/11/1937 في محكمة حيفا.

كان الشيخ رابط الجأش وقوي النفسية، صابرا لا يتأوه أو يشكو أو يتذمر، لا يلتفت يمنة أو يسرة إلا عندما ينظر إلى المحامين.

وفي اليوم التالي، الخامس والعشرين من شهر تشرين ثانٍ/نوفمبر، وفِي ساعة متأخرة من الليل، صادق الجنرال وافيل، قائد القوات البريطانية في فلسطين، على حكم الإعدام، الذي صدر بحق الشيخ فرحان، وتقرر أن ينفذ الحكم يوم السبت الموافق 27/11/1937، في الساعة العاشرة صباحا في سجن عكا.

نُفِّذ الحكم في تمام الساعة الثامنة من اليوم الموعود، وكان الشيخ مبتسما، رابط الجأش عند تنفيذه. وردد الشهادتين، رافضا أن يضعوا قناعا على وجهه، وواجه مصيره بكل هدوء وطمأنينة.

واستشهد السعدي مقتنعا بوجوب الشهادة في سبيل الوطن، كان مستعجلا على لقاء رفيقه الشيخ عز الدين القسام الذي سبقه بسنتين إلى الشهادة، وكان صائما، يوم اعتقل وحوكم وأعدم بتاريخ الرابع والعشرين مِن شهر رمضان.

وكان لإعدام الشيخ الجليل الأثر الكبير في إشعال الثورة الفلسطينية، من جديد، وبقوة أكثر مما كانت عليه سابقا، واستمرت بعده لسنتين إضافيتين.

ويبقى الشيخ فرحان السعدي منارة من منارات الجهاد، ومدرسة للمقاومة ينهل منها المقاومون على مدار الزمان.