Menu

"مسافر يطا".. مجزرة تهجيرٍ إسرائيلية جماعية

منذ سنوات تتعرض منطقة مسافر يطا جنوب الخليل لاعتداءات صهيونية متوصلة، بهدف تهجير السكان الأصليين وسلب الأراضي، من خلال إعلانها "منطقة إطلاق نار 918"، دون اكتراث بأنها منطقة مأهولة بالسكان.

والأربعاء الماضي، وبعد معركة قانونية استمرت 22 عامًا، رفضت ما تسمى "المحكمة العليا الصهيونية كل الالتماست المقدمة من أهالي 12 تجمعًا سكنيًّا، ضد قرار الاحتلال إعلانها مناطق "إطلاق نار"، وضد تهجير آلاف الفلسطينيين.

وكان جيش الاحتلال قد أعلن تلك الأراضي "منطقة عسكرية مغلقة" في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ورفضت المحكمة دلائل السكان الفلسطينيين أنهم كانوا يعيشون هناك من قبل، وأن هذه القرارات تعد خرقًا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن الدولي، التي تحظر النقل القسري للسكان.

ويعد هذا القرار واحدًا من أكبر قرارات تهجير الفلسطينيين منذ عام 1967، ويأتي متزامنًا مع إجراءات احترازية للاحتفال بما يسميه الاحتلال "عيد الاستقلال".

كما يتعارض هذا القرار مع اتفاقيات جنيف المتعلقة بالمعاملة الإنسانية في الحرب، فمن غير القانوني سلب الأراضي المحتلة لأغراض لا تفيد الأشخاص الذين يعيشون فيها، أو لنقل السكان المحليين قسرًا.

تهجير أكثر من ألفي فلسطيني وسلب 30 دونمًا

في حديث قال رئيس مجلس قروي مسافر يطا، نضال يونس: إن القرار يعني تهجير أكثر من ألفي فلسطيني يعيشون في 12 تجمعًا سكنيًّا وهي:  جنبا، والمركز، والحلاوة، والفخيت، والتبان، والمجاز، ومغاير العبيد، وصفى الفوقا والتحتا، والطوبا، وخلة الضبع، والمفقرة.

وأوضح أن العدد الإجمالي لسكان هذه التجمعات 4 آلاف نسمة، لكن هناك ما يقرب الألفيْ نسمة غادروا المنطقة بسبب إجراءات الاحتلال العنصرية، لكنهم يملكون أراضي وعقارات في المنطقة، وباتت ممتلكاتهم مهددة بالسلب، حيث سيستولي الاحتلال على ما يزيد على 30 دونما من أراضي المنطقة، وهو ما يعني المس بمصدر رزقهم الوحيد؛ إذ يعتاشون على الزراعة وتربية المواشي.

وأشار يونس إلى أن محكمة الاحتلال تجاهلت كل الأدلة والبراهين القانونية القاطعة التي تقدم بها الأهالي على مدار 22 عامًا، والتي تكشف كذب رواية الاحتلال أن تلك المناطق غير مأهولة بالسكان.

وعد رئيس المجلس القروي، قرار محكمة الاحتلال قرارًا عنصريًّا، اتخذه قاضٍ عنصري وهو المستوطن المتطرف (ديفيد مينتز)، الذي يسكن في إحدى المستوطنات غير الشرعية المقامة على أرضِ الضفة الغربية.

وأكد أن "القرار سياسي عنصري لا علاقة له بالعدالة؛ بهدف خدمة المشاريع الصهيونية، والقضاء على الوجود الفلسطيني في المنطقة".

وعدّ أن صدور القرار الأربعاء الماضي، وتحديدًا في الساعة 12:00 منتصف اليل، بالتزامن مع ما يسمى لدى الاحتلال  بـ"عيد الاستقلال" بمنزلة رسالة للفلسطينيين بأن النكبة مستمرة، حيث تم تهجير جزء كبير من قرى يطا عام 1948، وفي الوقت ذاته هي رسالة للمستوطنين أن الاحتلال مستمر في العمل على سلب المزيد من أراضي الفلسطينيين، وستواصل عمليات التطهير العرقي.

وناشد يونس السلطة الفلسطينية التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، في أسرع وقت ممكن، فقد تنفّذ قوات الاحتلال هذا القرار في أي لحظة، وهو ما يعني هدم 12 قرية وتهجير سكانها.

من جانبه، علق المحامي محمد حمدان على قرار المحكمة، في تصريحات صحفية  قائلاً: "قرار مؤسف؛ لأنه تجاهل كل الحقائق والأدلة التي قدمت من طرفنا، ولم تنظر المحكمة لشهادات سكان المسافر وثلاثة تقارير خبرة وتقرير لقصف جنبا عام 1966 باعتبارها أدلة على الوجود الحقيقي للسكان قبل إعلان المنطقة منطقة عسكرية مغلقة مخصصة للتدريبات العسكرية. المحكمة ادعت أن هذه الأدلة متأخرة، وقررت شطب القضايا بما في ذلك قضيتنا وقضايا الإخلاء الرئيسة المتابعة من مؤسسة اكري".

عملية سطو مسلح

الكاتب والباحث ساري عرابي يرى أن عملية السلب والتجريف والتشريد في مسافر يطا، عملية سطو مسلح واضح، لأغراض استعمارية استيطانية وأمنية صرفة، وهي تحيل من هذه الناحية إلى أصل المشروع الصهيوني، وبدايات النكبة الفلسطينية، ومن المفارقات التاريخية أن يأتي قرار ما يسمى بالمحكمة العليا الصهيونية في ذكرى نكبة الفلسطينيين.

ويضيف، في حديث على أي حال فمن الواضح تمامًا أن نكبة الفلسطينيين لم تتوقف، كما أن الإحساس بالخطر الوجودي الصهيوني لم يتوقف، ما يعني أن الفلسطيني لا يزال حجر عثرة في وجه المشروع الصهيوني، والذي بدوره لا يعرف التوقف عن مساعي الشطب والمحو وسلب الأرض والتاريخ والحاضر والمستقبل والتمدد الاستعماري ومحاولة تسييج الكيان بالبنى الأمنية التي تقوم على التفريغ من الوجود الفلسطيني، ولذلك لا مناص من استمرار الصدام حتى تفكيك هذا الكيان العاجز عن الكفّ عن التوسع.

وختم: كما يتضح من مجريات هذه القضية توظيف كل المؤسسات الصهيونية في السياق الاستعماري، بما في ذلك ما يسمى المحكمة العيا، التي هي في النتيجة محكومة بالأيديولوجيا الصهيونية، وواحدة من مؤسسات الكيان الاستعماري، وخاضعة للضرورات الأمنية والاستعمارية التي تمليها عليها المؤسساسات الصهيونية الأخرى السياسية والأمنية والعسكرية.

اعتداءات متواصلة

وخلال السنوات الماضية نفذت قوات الاحتلال العديد من الاعتداءات على التجمعات السكنية الفلسطينية في مسافر يطا، من خلال عمليات هدم البيوت وتهجير السكان، وفي عام 1966 هاجمت قوات الاحتلال جنوب الضفة الغربية، وبلدة السموع، وقرى مسافر يطا، وهدمت جزءًا كبيرًا من تلك التجمعات ومنها قرية "جنبا".

وفي عام 1981 أصدر الاحتلال أمرًا عسكريًّا يقضي بإغلاق تلك المناطق، وإعلانها "منطقة إطلاق نار 918"، وشرعت في تنفيذ سلسلة من الاعتداءات على الأهالي، كان أعنفها في 17 رمضان 1985 عندما هدمت عددا كبيرا من منازل المواطنين في تلك التجمعات، وفي صبيحة عيد الفطر من العام ذاته أعاد الاحتلال هجومه على (جنبا، وبئر الغوانمة، والمركز، والفخيت)، وهدم ما تبقى منها للمرة الثانية.

وتكرر الأمر عام 1999، عندما شنّ الاحتلال حملة تهجير قسري لأهالي تلك التجمعات، وأغلق المنطقة بالكامل، ونقل بقوة السلاح الأهالي وقطعان الماشية خاصتهم بحافلات، وأبعدهم عن قراهم، إلى منطقة نائية تقع بين قرية "الكرمل والتوانة"، وهدم تلك التجمعات للمرة الثالثة.