Menu
مستوطنات

ضم العدو للضفة.. أبعاد خطيرة تعيد الصراع للمربع الأول

قـــاوم _ قسم المتابعة / أشبه بـ(أرخبيل) أو قطعة جبن سويسرية.. تحولت أراضي الضفة المحتلة مع خطة الضم الصهيونية مبددةً حلم دولة فلسطينية مستقلة ومقفلةً الباب لعملية تسوية امتدت 27 عامًا بين السلطة الفلسطينية وحكومات العدو الصهيوني.

من يصدّق أن الطريق إلى القدس المسلمة بدأ الآن مع ترسيم خطة الضم  الصهيونية للضفة؟ّ! فرغم أن العدو يملك جميع أدوات القوة والدعم من حوله إلا أن فشل التسوية واحتلال ما تبقى من فلسطين أعاد الصراع لمحطته الأولى.

تحمل خطة الضم الصهيونية للضفة أبعادًا سلبية من جهات سياسية واقتصادية وأمنية وهي تجهز على حل الدولتين وحقوق الفلسطيني المدعومة بالشرعية الدولية واتفاقيات أخفقت في ضخ الأكسجين لعملية سلام اغتيلت بكاتم الصوت.

أبعاد سياسية واقتصادية

نظرة ثاقبة لمشهد متراكم ومستقبل جديد تدلل أن العدو الصهيوني أطلق رصاصة الرحمة على ثلاثة عقود من التسوية منحته الوقت لتهويد ومصادرة الأرض حتى وصلت لحظة الاحتفال باحتلال الضفة كاملةً.

ويعتقد د. أحمد الحيلة، الباحث والمحلل الفلسطيني، أن خطة الضم أجهزت على مستقبل الدولة الفلسطينية عمليًّا كمشروع سياسي أيدته القرارات والاتفاقيات الدولية فوق أرض 67.

ويضيف: "ستتحول السيادة كاملة تحت الاحتلال، ويصبح الفلسطينيون أقلية، ويضعف الحكم الذاتي بسقف يظلله تشريع للاحتلال، وهناك بعدٌ اقتصاديّ للحياة اليومية؛ فضم غور الأردن يفقد الفلسطيني سلته الغذائية ويضعف اقتصاده ويصعّب حياته".

الآن يتوارد إلى الذهن روح السلام الاقتصادي الذي حاول الاحتلال تسويقها منذ سنوات تسويقه بمسميات تتواءم مع الواقع الجديد الذي وضع الفلسطيني أمام تحدٍّ مستقبلي كيف سيكون مستقبل الصناعة والزراعة والاستيطان.

كما تشكل الطاقة العمالية الكبيرة (48-50) ألف فلسطيني يعملون تحت الاحتلال تحديًا اقتصاديًّا، في حين الأرقام تزيد عن ذلك المعلن كثيرًا، ظهرت الحاجة لهم في أزمة كورونا المستمرة.

ويتابع: "اتفافية باريس الاقتصادية منحت الاحتلال السيطرة على الأموال النقدية والضرائب والمقاصة مع السلطة؛ فهو يسيطر على 68% من وارداتها، ويفرض ضريبة على الواردات والتجارة الفلسطينية مع العالم. هشاشة اقتصاد الفلسطينيين ستزيد مستقبلاً من سيطرة الاحتلال مع خطة الضم".

الأمن في الضفة

أكثر الأبعاد حساسية هو الشق الأمني، وخاصةً (التنسيق الأمني) كأهم مخرجات اتفاقية (أوسلو)، وقد كان مثار جدل بعد إعلان عباس رئيس السلطة مايو الماضي التحلل من جميع اتفاقيات مع ما تسمي بحكومات الاحتلال وأمريكا.

ويقول المحلل الحيلة: إن التنسيق خدم الاحتلال والاستيطان، وناهض ما وصفه (الإرهاب)، ورفض السلام والمقاومة ونشاط الفلسطينيين السياسي سيكون بعد الضم أمام واقع جديد؛ فخيارات السلطة محدودة الآن إما الحفاظ عليه أو رفضه والتحرك ضد الاحتلال دوليًّا.. فكيف سيصبح دور السلطة الجديد؟!

أصغر فلسطيني يفهم أن الاحتلال قطع شوطاً كبيرًا في خطة الضم، وأن تشريع الخطة قريب بقرار حكومي وبرلماني صهيوني يضبط إيقاعه الآن نصيحة إدارة (ترمب) بالتأجيل المؤقت لا الرفض.

ويقول د. أحمد عطاونة، مدير مركز رؤية للتنمية السياسية: إن الخطة تشمل تجمعا سكانيا كبيرا يتجاوز 600 ألف فلسطيني تحولوا للسيطرة الكاملة الصهيونية، وإن موقف أمريكا مساند تمامًا للخطة، والفلسطيني الآن أمام واقع جديد.

ما تسمي بحكومة الاحتلال لا تتجاهل الموقف الدولي -حسب تأكيد د. عطاونة-، لكنها تمرر الخطة بالعمل المستمر، وتحاول دبلوماسيتها امتصاص معارضة أوروبية ودولية.

بيئة الخطة

كل شيء على ما يرام محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا بالنسبة لخطة الاحتلال في ضم الضفة، فقد اختار التوقيت الآن وفق لحظة تاريخية وضعف فلسطيني وعربي.

ويؤكد د. أحمد عطاونة، مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، أن عوامل تشجيع الاحتلال تتركز في الانقسام الفلسطيني وواقع إقليمي عربي - إسلامي بعد فقدان رأس السياسة العربية (مصر- العراق - سوريا) قوتها في المشهد الفلسطيني وتفكك بقية الدول العربية.

وفي سابقة تاريخية وجد الاحتلال سلواه في إدارة (ترمب) التي تتوافق مع رؤية صهيونية متطرفة أقطابها (كوشنير وفريدمان) ولعل تأسيس حكومة صهيونية جديدة -حسب رؤية الدكتور عطاونة- جمعت اليمين واليمين المتطرف يزيد من سرعة وخطورة الخطة الآن.

مخطط الاحتلال بدأ مبكراً؛ فمائة عام من التاريخ سبقت الانتداب بعد الدولة العثمانية وحتى ضياع فلسطين وفشل التسوية تحمل محطات مهمة للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية.

ويقول د. جمال عمرو، الخبير في شؤون القدس والاستيطان: إن الفلسطيني عاش مراحل ضعف وتفرقة، ولم يتمتع بالوعي الكامل، لكنه الآن أمام واقع جديد بوعي آخر يمضي نحو التحرير، ولكن ليس قريبًا.

خيارات الفلسطينيين

خطة الضم الجديدة تعيد الصراع مع الاحتلال للمربع الأول؛ فجوهر تأسيس السلطة قائم على تأسيس دولة مستقلة، وضياع هذا الخيار يطرح سؤالاً عن جدوى بقائها وربما العودة للعمل الوطني التحرري والشعبي لمناهضة احتلالٍ بدّد الحقوق الفلسطينية.

ويؤكد المحلل الحيلة أن الفلسطيني بجميع أُطره أضحى أمام مواجهة احتلال يتنكر للحقوق والهوية والثقافة، وهو ما يجرّ المنطقة لعدم استقرار وسط واقع إقليمي ملائم لخطة الضم.

ويضيف: "الفلسطينيون لن يصمتوا، وسيدافعون عن وجودهم ويعودون للمقاومة بكل أنواعها وخياراتهم؛ إما التحلل من كل الاتفاقيات فخيارات السلطة أصبحت معدومة، أو الشعب قد يعود لأدوات خشنة مقاومة ومصارعة الاحتلال دوليًّا وإقليميًّا بعد انعدام خيارات الفلسطيني، والاحتلال لن يوقف اندفاع الفلسطيني نحو مقاومته".

ويرى د. أحمد عطاونة أن خيارات الفلسطيني بعد خطة الضم متعددة؛ أولها (خطوة تكتيكية) بعدم إعطاء شرعية للخطة والبدء بمقاومة الاحتلال في الساحات العربية والغربية بعد توحيد الموقف الفلسطيني.

ويتابع: "بعد 30 سنة مفاوضات فشلت فشل الحل السياسي وحل الدولتين والشراكة مع الاحتلال برعاية أمريكية، وتجاوزت صفقة القرن الحلول. الآن تحولت الضفة وغزة لأربعة كانتونات سكانية بإدارة ذاتية محدودة وفق رؤية صهيونية".

الهاجس الأكثر خطورة يبرز الآن لدى الأردن -حسب رؤية الباحث عطاونة-؛ فانتهاء مستقبل دولة فلسطينية يظهر فكرة الوطن البديل للفلسطيني في الأردن وشراكة الأردن والضفة، وربما يخطط الاحتلال لإبقاء غزة منفصلة ومعرّضة لعدوان.

أكثر المتفائلين بقابل الأيام هو د. جمال عمرو، الخبير في شؤون الاستيطان والقدس، فقتامة المشهد التي هيمنت على جزء كبير من 20% لأرض فلسطين بعد احتلال 80% عام 1948م أطلق رصاصة الرحمة على مفاوضات فريق (أوسلو).

الآن نحن أمام واقع بتصميم جديد؛ فلا يمكن البناء على أي مفاوضات بل مطلوب -حسب رؤية د. عمرو- العودة لمقاومة الاحتلال من المربع الأول، وهو أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.

ويتابع: "المطلوب الآن التعبئة الكاملة لكل الطاقات والإعلام طليعة العمل والعلماء والفقهاء فوق كل منبر بعد انتهاء صلاحية مرحلة التسوية، لنتجاهل أمراء وقادة التطبيع، ونعزز ثقافة الانتصار والمقاومة دون تعجّل".

وتغري الهتافات والتصريحات الواردة من مناطق الصراع في ليبيا واليمن ودول عربية وإسلامية تواصل الحديث عن القدس وغزة بحالة تفاؤل مستقبلها حقيقي وإيجابي لمصلحة فلسطين، لكن مشوارها طويل، والأهم فيه أنه عاد لمحطته الأولى الحقيقية من الصراع.