Menu
الاعتكاف

الاعتكاف.. طريق التغيير

التغيير هدف منشود للفرد والأمة ولكنه مرهون بقانون الله تبارك وتعالى وسنته في التغيير «إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (الرعد: 11).

ومما لا شك فيه أن سبب ضعف الأمم وذلة الشعوب وهْنُ نفوسها وضعف قلوبها وخلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة وصفات الرجولة الصحيحة وإن كثر عددها وزادت خيراتها وثمراتها، ولا علاج إلا بإصلاح هذه النفوس «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا» (الشمس: 9)، وبصلاح النفس يصلح الفرد وتصلح الأسرة والأمة بأسرها.

والاعتكاف دواء تربوي نبوي من الحبيب صلى الله عليه وسلم للفرد والأمة معاً..

أولاً: الاعتكاف يعود بالأمة للمساجد التي هي جماع الخير للدنيا والآخرة.

في المسجد يزداد الإيمان «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ باللهِ وَالْيَوْمِ» (التوبة: 18)، وفي المسجد يتحقق التعارف والتآلف والتعاون بين المسلمين وتنطلق منه مشروعات الخير والإصلاح في المجتمع تماما كما كان المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين؛ حيث كان مقرّاً للعبادة وريادة للمجتمع في كل نواحي الحياة.

ثانياً: وفي الاعتكاف يزداد حب العبد لمولاه.. قال تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ» (البقرة: 165).. قال ابن القيم رحمه الله في «تهذيب مدارج السالكين»: أسباب المحبة عشرة:

1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه.

2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.

3- دوام ذكره على كل حال.

4- إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى.

5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها.

6- مشاهدة بره وإحسانه وآلائه.

7- انكسار القلب بين يدي الله.

8- الخلوة به وقت السحر.

9- مجالسة المحبين الصادقين.

10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

ثالثاً: الاعتكاف أُنسٌ وطمأنينة بالله.

قال تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» (البقرة: 186).

وقال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد: 28).

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: الأنس ثمرة الطاعة والمحبة. ويقول الإمام حسن البنا رحمه الله: دقائق الليل غالية فلا ترخصوها بالغفلة.

رابعاً: في الاعتكاف رياض الجنة

جاء في المسند وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس، ارتعوا في رياض الجنة، قلنا يا رسول الله وما رياض الجنة؟ فقال: مجالس الذكر.

خامساً: الاعتكاف هجرة روحية نفسية عظيمة إلى الله الخالق المالك المدبر..

إنها هجرة بالتوبة النصوح، والتوحيد والإخلاص، والإنابة والحب، والخوف والرجاء، والعبودية الحقة لله تعالى، وفي ذلك السعادة والحياة الطيبة للفرد والأسرة والأمة الإسلامية.. قال تعالى: «فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 38)، وقال تعالى: «فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى» (طه: 123).

اللهم أعنّا على الاعتكاف وإحياء سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.