Menu

تأثير نجاح المقاومة على العقيدة العسكرية الصهيونية

قاوم - غزة - تعد العقيدة العسكرية الصهيونية عقيدة هجومية في إطار دفاعي، اتفق عليها واضعو الاستراتيجية العسكرية منذ نشأة دولة الكيان والتزمت القيادات العسكرية بها، حيث تعتمد على ستة مبادئ أساسية؛ هي: الهجوم، وإحراز نصر حاسم، والعمل على تقليل الخسائر البشرية، والمبادرة بالضربة الأولى، والحرب الخاطفة، ونقل المعركة لأرض العدو، وفي هذا السياق سوف نتطرق إلى تلك المبادئ كل على حدة:

مبدأ الاعتماد على الهجوم : العقيدة العسكرية الصهيونية عقيدة دفاعية ذات طابع هجومي، والأولوية للشق الهجومي في المستوى العملياتي، ولتحقيق الشق الدفاعي استراتيجياً يعمل هذا المبدأ لتحقيق أهداف رئيسة؛ وهي: حرمان أي طرف عربي مقاوم من تحقيق أي إنجاز عسكري أو سياسي خلال الحرب، وكذلك إلحاق أقصى هزيمة بالقوات العربية من خلال معارك خاطفة، إضافة إلى إنهاء الحرب في وضع عسكريٍ وسياسيٍ أفضل مما كان في بداية المعارك، أي تحقيق نصر واضح والاستيلاء على أهداف استراتيجية جديدة ولقد تأثر العمل الهجومي نتيجة تزايد دور الصواريخ في المعارك الحديثة، وكان ذلك واضحاً في حروب غزة [الفرقان، حجارة السجيل، العصف المأكول] إذ كان لاستخدام المقاومة الفلسطينية للصواريخ وقذائف الهاون والصواريخ الموجهة للدبابات، واستخدام استراتيجية الأنفاق عبر عمليات العبور خلف خطوط العدو، تأثيراً كبيراً على المبدأ الهجومي الصهيوني.

النصر العسكري الحاسم: تسعى دولة الاحتلال لإحراز نصر عسكري حاسم، ينهي الحرب سريعاً، وبالنتائج المحددة التي تحقق معظم الأهداف. ويعد هذا المفهوم الأكثر أهمية دولة الكيان، وهو الأكثر ارتباطاً كذلك بمفهومها للردع، ومع أن الحروب السابقة وبالتحديد التي خاضها الاحتلال ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية أوضحت أن إحراز نصر عسكري على المقاومة لن يكون حاسماً أبداً، فأي نتيجة غير واضحة المعالم للحرب، أو التعادل مع المقاومة دون نتائج استراتيجية وعسكرية حاسمة، ستشجع المقاومة على الاستعداد للحرب بقوة أكبر ومعاودة الكرة مرة أخرى.

وقد فشل العدو الصهيوني في حسم المعركة سريعا، وهذا ما ظهر واضحا في حرب غزة 2014 عندما لم تستعجل المقاومة في عملية التفاوض وفي توقيع التهدئة. ضرورة تقليص الخسائر البشرية: يعد هذا المبدأ عنصراً مهماً في المفاهيم العسكرية الصهيونية، ولتحقيق ذلك تعتنق القيادة العسكرية فكرة بناء جيش صهيوني يحقق تفوقاً ساحقاً على العرب، في التسليح وأسلوب الاستخدام، وتستخدم لذلك قوة نيران كثيفة لتقليل خسائرها، ويفرض ذلك على دولة الاحتلال تبنّي عدد من المفاهيم العسكرية العملية، مثل: تقليل زمن الحرب، الهجوم المفاجئ وإحراز نصر حاسم، الاقتراب غير المباشر.

توجيه الضربة الأولى: عقيدة تتبناها دولة الكيان منذ نشأتها وتحرص عليها دوماً (حربي 56، 67، وغزو جنوب لبنان 82، وحرب الفرقان 2008)، من منظور أن تلك الضربة تؤدي إلى تحقيق المباغتة، مما يفقد الطرف الآخر توازنه في المرحلة الافتتاحية للحرب على الأقل، كما أنها تحقق المبادرة، ويؤكد العسكريون الصهاينة أهمية الضربة الأولى لو أحسن تخطيطها، حيث يمكن أن تؤدي إلى الإخلال بالتوازن العسكري الذي يؤدي في النهاية إلى النصر الحاسم والسريع كما حدث في حرب 1967م.

ولقد تأثر مبدأ الضربة الاولى بقدرة المقاومة الاستخبارية وقوتها الاستطلاعية، المنتشرة بشكل يمكنها من تحديد حركة العدو، وتوقع تحركاته المستقبلية وهذا ما كان واضحاً في حرب غزة 2014.

الحرب الخاطفة: وتمكن عقيدة "الحرب الخاطفة" دولة الكيان من الاستفادة القصوى، من ميزة العمل في الخطوط الداخلية التي فرضتها الظروف الجغرافية لموقعها المحاط بأربع دول عربية (مصر وسورية والأردن ولبنان).

أثبتت الحروب التي خاضتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية انتهاء زمن الحرب الخاطفة والتي تعود عليها العدو، ولم يعد هناك انتصارات صهيونية لا سهلة ولا صعبة، والحرب الاخيرة كسرت هذا المبدأ باستمرارها أكثر من 50 يوماً متواصلة.

نقل المعركة لأرض العدو: وهو مبدأ فرضه صغر مساحة دولة الاحتلال، حيث تستخدمه دولة الكيان للاستيلاء على أراضٍ جديدة في إطار تعديل حدودها إلى حدود يمكن الدفاع عنها، أو للمساومة على ما تستولي عليه من أراضٍ؛ لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية.

فقد استطاعت المقاومة للمرة الاولى خلال الصراع العربي الصهيوني من المبادرة ونقل المعركة الى داخل اراضي العدو الصهيوني، فقد شكلت الأنفاق الهجومية ضربه قاسمه له.

الأنفاق التي تتوغل داخل الأرض المحتلة في المستوطنات والمواقع العسكرية والتي نفذت من خلالها المقاومة عمليات خلف خطوط العدو، مما شكل استراتيجية هجومية جديدة، وهذا هدم أهم المبادئ الصهيونية.

وبعد الحديث عن المبادئ الرئيسة للعقيدة العسكرية الصهيونية، يمكن القول بأن هذه المبادئ تتصف بأنها ثابتة في جوهرها، صهيونية بطبيعتها، عدوانية بوسائلها، استعمارية توسعية في غاياتها؛ لذا فإن ما يطرأ عليها من تغييرات لا يعدو أن يكون تطويراً في الأسلوب يحقق لها القدرة على مواجهة مطالب مرحلة من المراحل، لكننا نريد في هذه المقالة أن نسلط الضوء على تأثير تراكم نجاحات المقاومة على مبادئ العقيدة العسكرية للاحتلال، ودورها في طبيعة المواجهة الوجودية مع العدو الصهيوني على مدى السنوات المقبلة.

ومن الجدير ذكره أنه بعد كل مواجهة مع الاحتلال ترتقي المقاومة الفلسطينية وتتطور، حيث تكون قد استوعبت الدروس الماضية، لذلك عمدت إلى تغيير تكتيكاتها في المواجهة، من خلال: [شبكة أنفاق متطورة، قوى مقاتلة مقسمة إلى مجموعات صغيرة خضعت لتدريبات خاصة، إدخال وتصنيع نوعيات متطورة من الأسلحة، صراع أدمغة واستخباري أتقنته بتميز، تعزيز قدرة الصمود على المستوى الشعبي]، وهذا ما يعترف به الخبراء الصهاينة أنفسهم ولو على مضض! وبالحديث عن حرب غزة 2014م التي "بدأت" بعد اختطاف ثلاثة مستوطنين بالضفة الغربية، وتصاعد الهجمة الشرسة ضد الشعب الفلسطيني، ما أفقدها عملياً عنصر المبادرة والمباغتة.

وهي لم تستطع وقف المعارك الطاحنة بعد مضي 51 يوماً إلا بـ"التوافق"، لقد باتت كل المدن الصهيونية تحت مرمى صواريخ المقاومة.

وذكرت الإحصائيات الصهيونية يومها أن أكثر من نصف عدد سكان الدولة العبرية نزحوا بشكل أو بآخر من جراء ضربات المقاومة، كما لم تستطع القوات البرية نقل المعركة داخل حدود القطاع، حيث تصدت لها المقاومة بعمليات وكمائن مخططة بشكل أفقدها القدرة على التمركز والتموضع في أماكن ثابتة.

وعندما وصلت المغامرة الصهيونية إلى الحائط المسدود، كان من الطبيعي ألا تأتي صيغ التهدئة وفق ما كان يخطط له القادة الصهاينة، حيث استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تفشل مبادئ العقيدة العسكرية الصهيونية وتثبت جدارتها على الأرض، لقد أدى تراكم نجاحات المقاومة واكتسابها الخبرة والإمكانات إلى تغيير قواعد المواجهة من خلال: جعل ميدان العدو الأمني والاستراتيجي ساحة قتال، وإطالة أمدها الأمر الذي يستنزف قوات العدو في أرض المعركة، وعدم قدرة مجتمعه الداخلي على الصمود والثبات، وجعل الأرض "المحروقة" مصيدة لجيش العدو، والاستفادة من العوامل الطبيعية والناشئة لاستدراج العدو وإيقاعه في الكمائن والمصائد، وفشله في تقييم قوة وأداء المقاومة بحسب المعلن، فقد عانت الاستخبارات الصهيونية نقصاً في المعلومات والمعطيات الخاصة بالمقاومة، وبالتالي تعرضت أولى مبادئ قيادة العمليات لخلل فاضح، إذ إن أساسيات العلم العسكري تفترض معرفة مسبقة بالبيئة العملياتية وبطبيعة العدو.

من هنا نستطيع التأكيد بأن المقاومة الفلسطينية الواعية المدروسة ستنقل الوضع الفلسطيني كله نقلة واضحة نحو التحرير والخلاص من الاحتلال، فنحن أمام تاريخ بدأ رحلته ضد التيار، ونحن أمام إفشال لقواعد العدو العسكرية واحدة تلو الأخرى، وكما قيل فإن العدو لن يسقط بالضربة القاضية، بل من تراكم تسجيل النقاط عبر سلسلة من محاولات المقاومة، وما تعده المقاومة اليوم من جهد كبير يبرهنه الواقع على الأرض، وإن تصاعد عمليات المقاومة الشعبية في الضفة الغربية يقول للعدو أن لا فرصة له للوقوف أمام حركة التاريخ، وسيكون للفعل المقاوم، والسياسي الفلسطيني المقاوم دور رئيس في الارتقاء بالعمل من أجل القضية الفلسطينية المقدسة.