Menu

القدوة الحسنة ودورها في بناء المجتمع

 

القدوة الحسنة ودورها في بناء المجتمع

بقلم : عبد العزيز إسماعيل أحمد

 

إنّ مبدأ القدوة الحسنة من المبادئ المهمّة جداً ويجب علينا الأخذ بهِ، وأن نعمل جميعاً على تطبيقهِ في تربية أبنائنا، لقد ترك لنا ديننا الحنيف ورسولنا الكريم إرثاً خُلُقيّاً متكاملاً كان وما يزال منهجاً حياتياً واضحاً يحفلُ بالصّور التي فيها مصلحة الفرد والمجتمع معاً.

وقد سهّل لنا الإسلام الطريق لسلوك هذا المنهج الواضح دون أن يضيِّق على أبنائهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وجعل هذا المنهج صالحاً لكلِّ زمانٍ ومكان، والدليلُ على ذلك كون الإسلام خاتم الأديان، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، قال الله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]. كما جاء هذا المنهج واضحاً بسيطاً بعيداً عن اللبس والغموض والتعقيد، خالياً من الرِّيَبِ والشكوك «الحلالُ بيِّنٌ، والحرامُ بيِّن» (البخاري (52) مسلم (4051)) وما علينا سوى إعمالِ عقولنا لسلوك الطريق الصحيح: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10]، وقد رسم لنا رسولنا الكريم طريقاً واضحاً سليماً صحيحاً في الحياة، فخَلُدَت سُنّتهُ في نفوسنا ووجداننا لتكون مناراً نهتدي بهِ إلى يومَ يُبعثون، وكان هذا الطريق منهجاً متكاملاً لا نقص فيهِ ولا خلل لم يترك صغيرةً ولا كبيرةً إلا نوّه إليها، لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا الحسنة في جميع مجالات الحياة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].

وقام أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بدورٍ كبيرٍ في هذا المجال، فكان كل واحد منهم مدرسةٌ فاضلة بالأخلاق الحسنة والخِصال الحميدة، فوجب علينا الاقتداء بهم؛ لذا كان حريّاً بنا أن نتمثّل أخلاق نبينا الكريم وصحبهِ البررة، وأن تكون أخلاقهم نبراساً لنا نهتدي به إلى الخير والفلاح لبناء مجتمع قوي متماسك يقوم على المحبة والسلام والتعاون، وحبّ الإنسان لأخيهِ الإنسان، ونبذ المنكرات وفعل الواجبات، وكفانا فخراً أن يوضَع اسم نبينا صلى الله عليه وسلم على رأس قائمة (المائة الأوائل) في التاريخ في أحد الكتب التي أُلِّفَت حديثاً مع أنّ مؤلفهُ ليس مسلماً، وكفانا أن نرى عشرات المستشرقين والباحثين الأجانب يدرسون الإسلام برويَّةٍ وإمعان، ويبدون إعجابهم بشخصيّة محمّد صلى الله عليه وسلم وأخلاقهُ الفاضلة، وأخلاق صحبهِ الكرام البررة، فها هو (برناردشو) الكاتب الأيرلندي يرى في محمد صلى الله عليه وسلم منقذاً للبشرية المُعاصرة لو كان موجوداً، فيقول: "لو كان محمدٌ موجوداً لَحلَّ مُشْكِلات العالم المُعاصر المُعقّدة".

وفي ضوء ما تقدَّم: يجب أن نرسِّخ في أذهان أطفالنا وناشئتنا منذ نعومةِ أظافرِهم معنى القدوة الحسنة وأن نربيهم على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة أسوةً بخير الخلق محمد، وتنفيذاً لتعاليم ديننا الحنيف، وذلك عن طريق البيت والمدرسة معاً، فهما متكاملان وهما القطبان الأساسيّان في العمليّة التربوية ولهما الدّور الأساس في بناء شخصية الإنسان، وأن نعوّدهم على تلاوة كتاب الله تعالى، وتدبُّر معانيهِ وتمثلها، وقراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لترسخ في نفوسهم بذور الخير والصّلاح والإيمان وذلك لبناء مجتمع متماسك «إذا اشتكى منهُ عضوٌ تداعى لهُ سائر الجسد بالسّهرِ والحُمّى» (البخاري (5874) مسلم (6538)).

ويجب علينا أن نبتعد نحنُ أوّلاً عن إتيانِ ما ننهى أولادنا عن فعله؛ِ لأنّ الولد يتشبّه بأبيهِ وأمّهِ ومُعلّمه ويتقمّص شخصياتهم ويقلِّدهُم بأفعالهم إيجابيّةً كانت أم سلبيّة، وبهذا الصدد يقول الشاعر (العقد الفريد (1/190) ونسب البيت للمتوكل الليثي. وينسب هذا البيت للأخطل أيضاً):

لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتِ بمِثْلِهِ *** عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عَظيمُ

وإضافةً لكلِّ ذلك يجب أن نربّي أطفالنا على الابتعاد عن التّقليد الأعمى، والانجراف خلف تيّار الصّراعات الآتية إلينا عَبْرَ وسائل الإعلام، والتي تكون غريبة عن مجتمعاتنا، ويكون هدفها تخريب عقول أبنائنا لإخراجها من إطارها السليم وذلك بهدف القضاء على أهم لبِنات البناء في المجتمع، كما يجب أن نزيد من توعية أولادنا وأن نجعلهم يدركون أنّ تقليد الأجنبي -الذي لا يرْدَعهُ وازِعٌ ديني أو خُلُقي- والاقتداء بهِ يؤدّي إلى نتيجة وخيمة وكارثة مدمّرة تؤدي بالمجتمع بأسرهِ وتجرّهُ إلى حالة الضعف والوهن والضمور، وتكون النتيجة النهائية غياب العقل والسقوط في مهاوي الرّذيلة والجهل والانحطاط، والانقياد للغرائز البهيميّة التي يكمنُ فيها الموت الأكيد والشقاء المُحتّم.