Menu

رواية عميلة الموساد لـ"عملية فردان"

قــــــاوم / قسم المتابعة / أكثر ما اشتهر عن عملية فردان في العاصمة اللبنانية بيروت، في 9 أبريل/نيسان عام 1973، التي راح ضحيتها القادة الفلسطينيون الثلاثة كمال ناصر ويوسف النجار وكمال عدوان، الاعتقاد بأنها "كانت رداً على محاولة منظمة أيلول الأسود، قبل يوم من العملية، اغتيال عميل للموساد في العاصمة القبرصية نيقوسيا، وتفجير مقرّ السفير الصهيوني هناك ومحاولة تفجير طائرة لشركة إلعال". لكن كتاباً جديداً بعنوان: "مقاتلة الموساد في بيروت"، يوضح أن الأمر كان أكثر تعقيداً وتنظيماً، واستغرق شهوراً عدة قبل تحديد ساعة الصفر واختيارها، والتي كانت مرهونة بإشارة من عميلة الموساد "ياعيل" (اسم حركي) لتؤكد تواجد القادة الثلاثة في بيوتهم، حتى لا يصل رجال الموساد، أو الجنود الصهاينة في قلب بيروت إلى شقة فارغة. وقد سمح الموساد لـ"ياعيل" بسرد حكايتها في الكتاب، بعد مرور أكثر من 40 عاماً على العملية، وفق شروط محددة، أهمها: الإبقاء على سريّة هويتها الحقيقية، وصورها، رغم بلوغها سنّ الـ79.

وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بعضاً من تفاصيل دور "ياعيل" في عملية فردان، كما أماطت اللثام عن بعض جوانب اختبارات التجنيد للموساد. "ياعيل"، الكندية الأصل، ترعرعت في ولاية نيوجيرسي الأميركية، في عائلة يهودية غير متدينة، إلا أن فشل حياتها الزوجية دفعها للهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة. هناك تعرّفت إلى الموساد، وأُجريت لها اختبارات عدة، ظنّت أنها لن تجتازها، تحديداً بعد إخفاقها في العثور على مكان لإيقاف سيارتها في اللقاء الأول مع مجنّدها، ميكي هراري.

"

لم تكن تدرك أنها أصدرت عملياً الأمر للبدء في العملية، إلا بعد أن لعلع الرصاص في الحيّ

"

كما كان لافتاً للانتباه حديث "ياعيل" عن سهولة عيشها في بيروت واندماجها في المجتمع، وهي التي اختارت شقة في شارع الوليد، تطل على شقق النجار وعدوان وناصر. وتمكنت من استئجارها بسهولة من دون تحقيق دقيق من المالك فؤاد عبود، رغم كونها "أميركية" جاءت لتعيش وسط مربع أمني بامتياز، كان يقيم فيه عدد كبير من قادة منظمة التحرير، وفيه مقرّات لـ"الجبهة الديمقراطية" و"الجبهة الشعبية" و"حركة فتح" ومكاتب "منظمة التحرير". وبدأت بإرسال المعلومات لقيادة وحدة "قيساريا".

لم تكن "ياعيل" وحدها في بيروت، إذ كان أحد مُشّغليها في الموساد هناك أيضاً، ويُدعى "أفيتار" (اسم حركي). وفي مساء التاسع من أبريل/نيسان، تناولت "ياعيل" طعام العشاء مع "أفيتار"، وكانت قد ذكرت له بأن "القادة الفلسطينيين كانوا في شققهم في تلك الليلة". العبارة التي قالتها كجملة عابرة، كانت بمثابة "الضوء الأخضر"، الذي كان يحتاجه الموساد لإطلاق عملية الاغتيال، وإصدار الأوامر لوحدات الكوماندوس الصهيوني للنزول لشاطئ بيروت والتوجه إلى مقر إقامة الشهداء الثلاثة. وبحسب "ياعيل" فقد طلب منها "أفيتار" بعد العشاء، العودة لشقتها والانتظار فيها في الغرف الداخلية بعيداً عن نوافذ البيت.

ولفتت إلى أنها "لم تكن تدرك أنها أصدرت عملياً الأمر للبدء في العملية، إلا بعد أن لعلع الرصاص في الحيّ، وسماعها أصوات وحدة الكوماندوس وهم يتحدثون العبرية في قلب بيروت، وسط تبادل إطلاق النار الكثيف مع عناصر المقاومة، أثناء انسحاب القوة الصهيونية".

وتروي ما حدث معها قائلة "زحفت على الأرض، ثم ألقيت نظرة من النافذة، ورأيت ثلاث سيارات كبيرة في الشارع. ازداد إطلاق النار وتعاظم. وعلا الصراخ، وأُضيئت الشقق الثلاث. لقد حدث كل شيء بسرعة، وفجأة سمعت من يقول بالعبرية: تعال إلى هنا، عندها أدركت أن هناك عملية جارية، وربطت بين المعلومات التي سلّمتها قبل ساعات لأفيتار وبين ما يحدث. لم أكن ساذجة إلى هذا الحدّ، وأذكر أنني قلت لنفسي: إنني أقوم بعملي فقط".

وبمعزل عن التفاصيل الكثيرة التي أدلت بها "ياعيل" عن مشاعر الخوف التي تملّكتها خلال العملية، تحديداً الخوف من إطلاق أفراد القوة الصهيونية النار عليها لجهلهم بهويتها، إلا أن التفاصيل الأهم في حديثها، كانت تلك المتعلقة بالتخطيط للعملية نفسها.

ويتّضح من الحديث عن تفاصيل العملية أن إعدادها استغرق وقتاً طويلاً، مما يعزز عملياً فرضية إصدار قرار الاغتيال في وقتٍ سابق، ولم يكن مجرّد "ردّ فعل". ويتماشى ذلك مع توعّد رئيسة حكومة الاحتلال غولدا مائير، بعد تنفيذ منظمة "أيلول الأسود" عملية ميونيخ، بمطاردة كل عناصر المقاومة التي شاركت في التخطيط للعملية وتنفيذها.

"

تدرّبت "ياعيل" في العاصمة البلجيكية بروكسل أشهراً قبل سفرها لبيروت

تقرّ "ياعيل" بأنها "بعد أن تم تجنيدها لصالح الموساد في عام 1971، تلقّت تدريباً مهنياً كبيراً في المراقبة والرصد، وتقرر إرسالها إلى بيروت، ومنحها هوية مُستعارة تُمكّنها من المكوث في المدينة والعيش فيها لفترة طويلة من دون إثارة الشكوك". وتقرر أن تتخذ مهنة "الكتابة"، وتلقّت تدريباً في هذا الصدد من الكاتب الصهيوني، شبتاي تيبيت، الذي اختصّ في التأريخ وكتابة سيرة دافيد بن غوريون. ودرّبها تيبيت على الظهور بمظهر الكاتبة، ولفت نظرها إلى تفاصيل تُتيح لها تأدية دورها باحترافية، كأن تبدو طاولة الكتابة التي تستخدمها كطاولة كل كاتب، لناحية توزيع الأوراق والكتب وبعثرتها.

تدرّبت "ياعيل" في العاصمة البلجيكية بروكسل لشهور قبل سفرها لبيروت، وانتحلت شخصية كاتبة ومخرجة سينمائية أميركية ترغب في إنتاج فيلم عن البريطانية الليدي هيستر ستانهوب، التي نشطت وعاشت في لبنان في أواخر القرن التاسع عشر، في دير مار الياس المهجور في منطقة عبرا، ثم دير مشموشة قرب مدينة صيدا اللبنانية، وعُرفت باسم "ملكة الشرق".

وقد ساهمت المعلومات التي أرسلتها "ياعيل" ومعلومات عملاء آخرين نشطوا في بيروت، في بلورة تصور لعملية لاغتيال القادة الثلاثة. بالتالي، قامت وحدة كوماندوس من سرية الأركان، وسرية المظليين والكوماندوس البحري بالعملية، بينما قام عناصر وحدة "قيساريا" بدور سائقي السيارات، الذين أقلّوا عناصر الكوماندوس من الشاطئ إلى قلب بيروت، ثم عادوا بهم إلى الشاطئ بعد العملية، حيث انتظرتهم قوارب مطاطية نقلتهم إلى بوارج صهيونية كانت تنتظرهم في عرض البحر.