Menu

إنفلونزا الخنازير داءٌ ودواءٌ - فوائد وأحكام (2-3)

إنفلونزا الخنازيرداءٌ ودواءٌ - فوائد وأحكام يحيى بن موسى الزهراني اقتناء الخنازير :لا يجوز للمسلم أن يقتني الخنازير أو يربيها أو يهتم بها ، لأنها نجسة ، محرمة البيع والشراء والأكل والتداوي .وإن مما يؤسف له ، أن وسائل الإعلام نقلت أن هناك من الدول العربية والإسلامية من سمحت بتربية هذه الحيوانات القذرة النجسة المحرمة في كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، على أراضيها ، مخالفة أوامر الكتاب والسنة ، في إظهار واضح ، وتعد للشريعة فاضح ، وبينت وسائل الإعلام أن هناك من هذه الدول من بلغ تعداد الخنازير فيها إلى مئات الآلاف ، في صورة مزرية ، ومشهد مؤسف ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .في حين كان الأجدر بهم أن يتمسكوا بشرع الله تعالى ، ويحكموا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بينهم ، ويعتزوا بهذا الدين ، ولا يرضوا بالدنية فيه ، ولا الترف الفاحش ببيع ما حرم الله ورسوله ، وأجمع العلماء على تحريمه ، كبيع الخنزير وشرائه ، والاكتساب من وراء ذلك الربح المحرم .فكيف تسعة أمة لنيل الريادة ، وتقلد السيادة ، وهي لم تستطع حتى الآن النهوض من كبوة الحرام وتعاطيه ، فأين العزة المرجوة ، والغيرة المطلوبة ؟إنها سراب بقيعة ، لا يعني لكثير من دول العرب والإسلام شيء ، المهم المادة والرغبة والشهوة وهذا هو الأصل عندهم ، وما عدا ذلك فهو أمر كمالي لا يُنظر إليه .قال سماحة العلامة مفتي الديار السعودية الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : ’ لا يجوز للمسلم أن يستورد لحم الخنزير ، ولا أن يقر في يد مسلم ؛ بل يتعين إتلافه لكونه محرماً رجساً ، ويعزر من يستورده ومن وجد عنده أو عامل فيه ’ [ فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ 12 / 212 ] .واتّفق الفقهاء على أنّه لا قطع ولا ضمان على من سرق أو أتلف خنزير المسلم لكونه غير محترم ، ولا متقوّم ، لعدم جواز تملّكه وبيعه واقتنائه ، وكذلك الخنزير الذي يملكه غير المسلم ، سواءً أظهر غير المسلم خنزيره أم أخفاه [ الموسوعة الفقهية 20/37 ] . موقف المسلم من الحرام ؟على الأمة أن تتربى وتربي أجيالها على مخافة الله عز وجل ، امتثالاً لقوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [ العلق14 ] ، ذكر أن عمر بن الخطاب مر على غلام يرعى غنمه قال : يا غلام بعني واحدة ، فقال الغلام : هي ليست ملكي إنما هي لسيدي وأنا الوكيل عنها ، فقال له عمر بن الخطاب مختبراً : يا غلام بعني واحدة وخذ ثمنها ، وقل لسيدك الذئب أكلها ؟ _ يرسم له طريق الحرام مختبراً له _ فقال الغلام : فأين الله ، أين أكون من الله إن قلت هذا ؟ ويهتز عمر بن الخطاب للكلمة ، ويشتري العبد من سيده ويعتقه ويقول له : هذه كلمة أعتقتك في الدنيا ، أسأل الله تعالى أن يعتق بها رقبتك يوم القيامة .ثم ينبغي أن يعلم المسلم أن الله تعالى قد جعل في الحلال ما يغني عن الحرام ، النكاح بدل الزنى ، التجارة بدل الربا ، المشروبات اللذيذة التي لها الفائدة للبدن والروح بدل الخمرة والمخدرات ، ولحم بهيمة الأنعام وما أحل أكله بدل لحم الخنزير المحرم أكله .ثم لابد أن يعلم المسلم أيضاً كيف يكون حال صاحب المعصية يوم القيامة ، المتمتع بالحرام ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :’ يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ : هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ ، هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ : هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ ، هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ’ [ رواه مسلم ] . ثم تذكر أيها المسلم زوال هذه الحياة الدنيا ، وأنها في الآخرة وقت يسير ، ومتاع قليل ، قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ } [ الروم55 ] .ثم اعلم أن الحرام تذهب لذته ، وتبقى تبعاته ، ويبقى سواد الوجه عند الله يوم القيامة .فقليل من حلال ، خير من كثير من حرام ، وما نبت من السحت فالنار أولى به .ضرر لحم الخنزير :قال فضيلة الشيخ العلامة / صالح الفوزان ، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية : الْخِنْزِيرِ : هو الحيوان المعروف بالقذارة والدناءة ، حرم الله أكله لما فيه من الأضرار البالغة ، وما يورثه من الأمراض الخطيرة ، كما قرر ذلك أهل الطب ، فإن الخنزير فيه جراثيم وأمراض خطيرة اكتشفت ولا تزال تكتشف ، والله جل وعلا لا يحرم على عباده إلا ما فيه مضرة عليهم [ المنتقى من فتاوى الفوزان 1/94 ] .قال أبو حيان رحمه الله : ومن المضار الصحية في لحم الخنزير : ما قرره الأطباء من أنه ينتج عنه دود العضل ، والدود معروف ، وغالباً يكون في المعدة ، ويُعالج بالدواء وينتهي ، حتى الدودة الشريطية التي طولها اثنا عشر متراً ، وتعيش في المعدة ، ولكنهاتُعالج وتخرج بدواء خاص ، أما الدود الذي في العضل ، في الفخذ أو في اليد أو في الزند فلابد من شق العضلة ، ولقطه بالملقاط : واحدة ، واحدة ، وهذه أكبر مصيبة [ شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم 3 / 175 ] .تحريم لحم وشحم الخنزير :قال العلامة الشيخ / محمد العثيمين رحمه الله : ’ ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير مُحَّرم مع أن الله تعالى لم يذكر في القرآن إلا اللحم ، فقال تعالى : { حُرِّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلَّ لغير الله به } ، ولا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن شحم الخنزير محرَّم ’ [ مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11 / 140 ] .قد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم الخنزير كله لحمه وشحمه واحتجوا بهذه الآية الكريمة وما جاء في معناها .وقال أيضاً : ’ وقالوا إنما حرم لخبثه والخبث يعم اللحم والشحم لكن الله سبحانه ذكر اللحم لأنه المقصود والباقي تبع واحتجوا على ذلك أيضا بما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الفتح ’ إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ’ ، فنص على الخنزير ، ولم يذكر اللحم فدل ذلك على تعميم التحريم ’ [ فتاوى إسلامية 3 / 544 ] .تحريم التداوي بلحم الخنزير :سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فِيمَنْ يَتَدَاوَى بِالْخَمْرِ ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ، هَلْ يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ هَذِهِ الْآيَةُ : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } فِي إبَاحَةِ مَا ذُكِرَ ؟ أَمْ لَا ؟ الْجَوَابُ : لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِذَلِكَ ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ يُتَدَاوَى بِهَا فَقَالَ : إنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ } .وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ الدَّوَاءِ بِالْخَبِيثِ وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا } .وَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَرُورَةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ الشِّفَاءُ بِهَا ، كَمَا يُتَيَقَّنُ الشِّبَعُ بِاللَّحْمِ الْمُحَرَّمِ ؛ وَلِأَنَّ الشِّفَاءَ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ طَرِيقٌ ، بَلْ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْأَدْوِيَةِ ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْمَخْمَصَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ إلَّا بِالْأَكْلِ ’ [ الفتاوى الكبرى 3/328 ] .بَلْ قَدْ قِيلَ : مَنْ اسْتَشْفَى بِالْأَدْوِيَةِ الْخَبِيثَةِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَرَضٍ فِي قَلْبِهِ وَذَلِكَ فِي إيمَانِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا جَعَلَ اللَّهُ شِفَاءَهُ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ ’ [ مجموع فتاوى ابن تيمية 5 / 443 ] .ما يُصْنَعُ من الخنزير :هناك كثير من المصنوعات الغربية تعتمد في صناعتها على الخنزير ، كالمعاطف الجلدية ، منها ما يصنع من جلود الخنازير وغيرها ، فما حكم ما يصنع من جلود الخنازير ؟أجاب سماحة الشيخ العلامة / عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى بقوله : ’ قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ’ إذا دبغ الجلد فقد طهر ’ [ رواه مسلم ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ’ دباغ جلود الميتة طهورها ’ .واختلف العلماء في ذلك ، هل يعم هذا الحديث جميع الجلود ، أم يختص بجلود الميتة التي تحل بالذكاة ؟ ولا شك أن ما دبغ من جلود الميتة التي تحل بالذكاة كالإبل والبقر والغنم طهور يجوز استعماله في كل شيء في أصح أقوال أهل العلم .أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يحل بالذكاة ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم ؛ والأحوط ترك استعماله ، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ’ ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ’ ، وقوله عليه الصلاة والسلام : ’ ’ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ’ [ رواه الترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم ] [ مجموع فتاوى ابن باز 7 / 100 ] .بيع لحم الخنزير :إذا تبين لنا أن لحم الخنزير وما ينتج عنه يسبب أمراضاً فتاكة بالبشر ، فالعجيب أن من المسلمين من يعمل في بلاد الكفر في بيع لحمه .وللأسف الشديد أنه يوجد في بلاد الإسلام من يبيع لحم الخنزير على السياح وغيرهم ، فما حكم بيع لحم الخنزير ؟والجواب على ذلك ، ما أفتى به أعضاء اللجنة الدائمة للفتوى بالمملكة العربية السعودية وهو أنه لا يجوز بيع ما حرم أكله أو حرم استعماله ، ومن ذلك لحم الخنزير فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [ 13 / 14- 15 ] .ولا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها ، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة ؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ’ إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ’ [ رواه البخاري ومسلم ] .وعلى ذلك جاءت فتوى أخرى نصها :أولا : يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير ، والأجرة على ذلك محرمة ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، والله تعالى نهى عنه بقوله في سورة المائدة : { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ، وننصح بالبعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه ؛ لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله . ثانيا : يحرم على المسلم بيع المحرمات من الخنزير والخمر ، والأرزاق وجلب الزبائن بيد الله ، وليست في بيع المحرمات ، فعلى المسلم تقوى ألله عز وجل بامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، قال الله تعالى { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا سورة الطلاق الآية 3 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق 2-3 ] [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 16 ] .وربما تعذر البعض بأنه إذا لم يبع لحم الخنزير في متجره فإنه لا يأتيهم أحد من الزبائن الغربيين وغيرهم ممن يأكل لحم الخنزير فما النصيحة لهؤلاء ؟الجواب : لا يجوز للمسلم بيع الخمر والخنزير ولا أكل ثمنها ، لأن الله حرمهما ، وإذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه ، كما في الحديث الصحيح ، وإذا كان المال كله من بيع لحم الخنزير فهو مال حرام ، فلا يجوز قبول هديتهم ، أو الأكل من طعامهم ، وإذا كان مالهم مختلطاً من حلال وحرام فلا بأس بالأكل من طعامهم ، وقبول هديتهم ؛ لأن الله سبحانه أباح طعام أهل الكتاب ، وهو مختلط ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل من طعامهم ، ولكن يجب نصيحتهم وتحذيرهم من بيع الخمر والخنزير ؛ عملاً بقول الله سبحانه : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [ التوبة 71 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ’ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ’ [ رواه مسلم ] [ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 17 ، 18 ] .وفي فتوى مهمة أيضاً للجنة الدائمة : أنه لا يجوز التعامل في شراء وبيع أسهم الشركات التي تتعامل بالربا ، أخذاً أو عطاءً ، أو تبيع المحرمات من لحوم الخنزير ، والخمور ونحوها ، أو التي تعمل في التأمين التجاري ؛ لما فيه من الغرر والجهالة والربا [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 395 ] . الحكمة في تحريم لحم الخنزير :ما الحكمة من تحريم أكل لحم الخنزير ؟أجاب على هذا السؤال سماحة العلامة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال ’ : إن الله أحاط بكل شيء علماً ، ووسع كل شيء رحمة وحكمة وعدلاً ، فهو سبحانه عليم بمصالح عباده ، رحيم بهم ، حكيم في خلقه وتدبيره وشرعه ، فأمرهم بما يسعدهم في الدنيا والآخرة ، وأحل لهم ما ينفعهم من الطيبات ، وحرم عليهم ما يضرهم من الخبائث ، وقد حرم الله أكل الخنزير وأخبر بأنه رجس ، قال تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأنعام145 ] ، فهو إذن من الخبائث ، وقد قال تعالى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } [ الأعراف157 ] . وقد ثبت بالمشاهدة أن غذاءه القاذورات والنجاسات ، وأنها أشهى طعام إليه ، يتتبعها ويغشى أماكنها ، وقد ذكر أهل الخبرة : أن أكله يولد الدود في الجوف ، وأن له تأثيراً في إضعاف الغيرة والقضاء على العفة ، وأن له مضار أخرى كعسر الهضم ، ومنع بعض الأجهزة من إفراز عصاراتها لتساعد على هضم الطعام ، فإن صح ما ذكروا فهو من الضرر والخبث الذي حُرِّم من أجله ، وإن لم يصح فعلى العاقل أن يثق بخبر الله وحكمه فيه بأنه رجس ، ويؤمن بتحريم أكله ، ويُسَلِّمُ الحكم لله فيه ، فأنه سبحانه هو الذي خلقه ، وهو أعلم بما أودعه فيه ، { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [ الملك14 ] [ فتاوى إسلامية 3 / 545 ] .وقال سماحته أيضاً : ’ وقد أثبتت الأبحاث العلمية والطبية أن الخنزير من بين سائر الحيوانات يُعَدّ مستودَعاً للجراثيم الضارة بجسم الإنسان ، وتفصيل هذه المضار والأمراض طويل ، وهي باختصار : الأمراض الطفيلية ، الأمراض البكتيرية ، الأمراض الفيروسية ، الأمراض الجرثومية ، وغيرها .وهذه الأضرار وغيرها دليل على أن الشارع الحكيم ما حرَّم تناول لحم الخنزير إلا لحكمة جليلة ، هي الحفاظ على النفس ، التي يُعَدُّ الحفاظ عليها أحَدَ الضروريات الخمس في الشريعة الغراء ’ .وقال العلامة الشيخ / محمد العثيمين رحمه الله : ’ والمؤمن بمجرد أن يقال هذا حكم الله ورسوله فهو عنده حكمة الحكم ، كما قال الله تعال : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [ الأحزاب36 ] ، وقال تعالى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ النور 51-52 ] .وعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ : مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ ؟ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ قُلْتُ : لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ ، قَالَتْ : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ _ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم _ فُنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ ، وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ ’ [ رواه مسلم ] .فائدة مهمة : ’ حرورية ’ مؤنث ’ حروري ’ نسبة إلى حروراء ، بلدة على ميلين من الكوفة ، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج ( حروري ) لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي رضي الله عنه بالبلدة المذكورة ، فاشتهروا بالنسبة إليها ، وهم فرق كثيرة ، ومن أصولهم المتفق عليها بينهم ، الأخذ بما دل عليه القرآن ، ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقاً ، ولهذا اسنفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار ’ [ فتح الباري ] .عودة للموضوع :فالمؤمن يقتنع بالحكم الشرعي بمجرد ثبوته حكماً من الله ورسوله ، ويستسلم لذلك ويرضى به .لكن إذا كنا نخاطب شخصاً ضعيف الإيمان أو شخصاً لا يؤمن بالله ورسوله فحينئذ يتعين علينا أن نتطلب الحكمة وأن نبينها .ولهذا ينبغي لطالب العلم في هذا الوقت الذي ضعف فيه اليقين وكثر فيه الجدل ، أن يكون لديه علم في الحكم الشرعية التي تبني عليها الأحكام ، ليكون مقنعاَ لمن هو بحاجة ، بالدليل والتعليل ، حتى لا تبقى شبهة لمعارض أو مشاغب والله المستعان .وهناك علة أخرى مهمة ألا وهي أن الخنزير مفقود الغيرة ، لا يغار الذكر على أنثاه وقد شاهدنا من أكثر من أكل لحم الخنزير أنه سلب الغيرة ، فيرى زوجه تلاعب غيره على مرأى منه ولا يتأثر ، وأي مضرة ومصيبة في افتقاد الرجل الغيرة ؟نعم والله إن الغرب الكافر الذين يأكلون لحم الخنزير ويستخدمون شحمه وزيته وغير ذلك من أجزائه ، أنه لا غيرة لديهم ، فالمرأة تتزوج عندهم برجل واحد ، ولها أكثر من صديق على مرأى ومسمع من زوجها ، فلو كانت هذه الخصلة الذميمة في أكله ، لكفت في تحريمه ، فما بالنا إذا كانت هناك أسباب أخرى تدعو إلى تحريم أكل الخنزير وشحمه .ما غُذِّيَ بلحم الخنزير :هناك بعض الطيور أو الحيوانات ومنها الدجاج الذي يتغذى بمأكولات مختلفة ، ومن بين هذه المأكولات طحين لحوم الحيوانات الميتة وفيها لحم الخنزير ، فهل هذا الدجاج المغذى بهذا اللحم حلال أم حرام ؟ وما حكم بيضه ؟الجواب :أجاب عليه أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء فقالوا : إذا كان الواقع كما ذكر من التغذية ففي أكل لحمه وبيضه خلاف بين العلماء ، فقال مالك وجماعة إن أكل لحمه وبيضه مباح ، لأن الأغذية النجسة طهرت باستحالتها إلى لحم وبيض ، وذهب جماعة منهم الثوري والشافعي وأحمد إلى تحريم أكلها بيضها وشرب لبنها .وقيل إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة فلا تؤكل ، وإن كان أكثر علفها طاهراً أكلت ، وقال جماعة بالتحريم ، لما رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : ’ نَهَى عَنْ لَبَنِ الْجَلاَّلَةِ ’ [ وصححه الترمذي وابن دقيق العيد ] ، ولما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : ’ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا ’ ، والجلالة : هي التي تأكل العذرة ، وسائر النجاسات ، والراجح القول بالتفصيل ، وهو الثاني فيما تقدم ’ [فتاوى إسلامية 3 / 550 ] .إطعام لحم الخنزير للقطط :هناك معلبات طعام للقطط ، تحتوي على لحم خنزير ، هل يجوز شراؤها وإطعامها للقطط ؟الجواب :تم عرض هذا السؤال على فضيلة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى فأجاب :إذا كان ذلك بشراء للمعلبات فلا يجوز ، لأنه لا يجوز دفع ثمن لحم الخنزير وشراؤه ، وإن كان وجده مرمياً فأطعمه قطته فلا بأس بذلك ، والله أعلم .فوارق قياس الخنزير على الكلب في الولوغ :سئل فضيلة الشيخ _ العثيمين _ رحمه الله ، هل يصح قياس الخنزير على الكلب في الولوغ ؟الجواب : ’ إذا ولغ الكلب في الإناء فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب ، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قاس بعض الفقهاء الخنزير على الكلب ؛ لكن هذا القياس غير صحيح ؛ لأن الخنزير تحدث الله عنه في القرآن الكريم وهو معروف ، ومع ذلك لم يلحقه النبي صلى الله عليه وسلم بالكلب ، وكل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يحكم فيه بشيء ، فإنه لا يصح أن يحكم فيه بشيء يخالف ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وعلى هذا فالخنزير نجاسته كغيرها من النجاسات ، إذا ولغ في الإناء لا نغسله سبع مرات .الكسب من بيع لحم الخنزير :الكسب الذي يأتي من بيع لحم الخنزير كسب محرم ، يجب على صاحبه أن يتوب إلى الله من العمل الذي كسبه منه ، ويقلع عنه ، ويندم على ما مضى ، ولا يجوز له أن ينتفع بما بقى عنده منه ، ولا أن يهديه [ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 454 ] .