Menu

لماذا خلق الله الإنسان ؟ و ما هي مهمته الرئيسية ؟ . (1)

الدرس 09 / 63 من العقيدة  لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي . موضوع الدرس    :  مسالك العقيدة . تفريغ              :  السيد وسام عودة . تدقيق لغوي        :  الأستاذ محمد موسى حلوم والأستاذ أحمد مالك . التنقيح النهائي     :  المهندس غسان السراقبي .           وصلنا في موضوع العقائد إلى أن هناك أسئلة ثلاثة لوتمكن الإنسان من الإجابة عنها إجابة صحيحة لحل لنا كل مشاكله ولسعد في الدنيا والآخرة .    * السؤال الأول: لماذا خلقنا الله عز وجل ؟ هذا أكبر سؤال لأنه ما من إنسان عاقل على وجه الأرض يعمل عملاً من دون هدف ، فما هو الهدف الكبير الذي خلقنا الله من أجله ، إذا أرسلك أبوك إلى بلد أجنبي من أجل أن تدرس ، وإذا عرفت الهدف من إرساله إليك والتفت إلى الدراسة حققت الهدف من هذه البعثة فرضيت وأرضيت  وإذا أرسلك أبوك إلى بلد أجنبي من أجل الدراسة فظننت أنه أرسلك من أجل اللهو ، فقد شقيت وأشقيت ، ومعرفة الهدف الكبير من خلق الإنسان شيء مهم جداً ، لأن الناس يسعون في متاهات ويمشون في طرق مسدودة ، فما الطرق المسدودة ؟ أي طريق ينتهي بالموت ، طريق المال ، و الشهرة والعلو في الأرض وطريق الشهوات كلها تنتهي بالموت ، إذاً هذه الطرق المختلفة المتعددة التي يمشي فيها الناس كلها تنتهي بالموت ، وهذه الطرق كلها مسدودة : عش ماشئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ماشئت فإنك مجزي به .    * السؤال الثاني : أما وقد خلقنا على وجه هذه الأرض ، فما أثمن شيء فيها ؟ هذا السؤال له علاقة بالسؤال الأول ، إذا عرفت الهدف الذي خلقت من أجله ، تعرف ما أثمن شيء على وجه الأرض ، أي سؤالين لسؤال واحد ، وإذا عرفت لأي شيء خلقت ، وما أثمن شيء تفعله في الدنيا لاشك أنك تعرف إلى أين المصير ، هذه الأسئلة الثلاثة التي طرحتها في الدرس الماضي أحاول وبالله التوفيق توضيحها .           الله سبحانه وتعالى الذات الكاملة ، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كان الله ولم يكن معه شيء . هذه ’ كان ’ تامة وليست ناقصة فهي لا تعني بأنه كان في الماضي بل إنه وُجِدَ ولا يزال ، اتق الله حيثما كنت بمعنى حيثما وجدت كان الله ولم يكن معه شيء ، والكون كله حادث وبمشيئة الله سبحانه وتعالى اقتضى خلق الكون فلماذا خلق الله هذا الكون ؟ لو لم تعرف لماذا خلق الله هذا الكون ، لو تأملت في ملكوت السماوات والأرض لعرفت لهذا الكون إلهاً عظيماً ، ابحث أنت عن هدف يليق بجلال الله عز وجل حينما يبنى بناء ضخم جداً أتظن أنه أُنشئ لِهدف سخيف ،إنه مزوّد بكل وسائل الراحة فلا يعقل أن يكون قد أنشئ لهدف سخيف لو لم تعرف ما الهدف ؟ فالكون ينبئك أن وراء خلقه هدفاً عظيماً ، والشيء الأساسي أن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار ، ولا يرى بالحواس ولكن كل هذا الكون ، مجراته التي يقدرها العلماء الآن بمليون مليون وكل مجرة يقدر العلماء أن فيها مليون مليون نجم على حد تقريبي .           وأن من النجوم ما يزيد عن حجم شمسنا بملايين المرات ، وأن نجم قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، وأن مجرتنا التي نحن فيها يزيد طولها عن 150 ألف سنة ضوئية ، وأن بيننا وبين القمر ثانية ضوئية واحدة ، يعني هذا الكون يجسّد قدرة الله ، وعلمه ، يوخبرته وغناه عز وجل ، هذا الكون دليل على وجود خالق عظيم له أسماء حسنى فما قولك في هدف يليق بجلال الله عز وجل هل خلقنا ليعذبنا ؟ أمحتاج هو أن يعذبنا ؟ إذا عذبنا ماذا   يستفيد ؟ حديث : ’عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ’           فهل يليق به أن يخلقنا ليعذبنا ؟ وهل يليق به أن يخلقنا عبثاً بلا هدف ؟ أيفعلها إنسان عاقل ؟ هل يليق به أن يخلق سماوات وأرضين ، ومجرات وكواكب ، وشمساً ، وقمراً ، ونجوماً ، وليلاً ونهاراً ، ثم تكون حياتنا قصيرة لا تزيد عن ستين سنة نصفها في الإعداد لها إلى أن يستطيع الإنسان الزواج والسكنى في بيت مستقل وتأمين حاجاته ، وتأمين دخل معقول، في الثلاثينات ، أو في الأربعينات ، الآن أصبح في الخامسة والخمسين فحصل له أزمة قلبية ، أيعقل أن يكون كل هذا الكون لأجل سنوات معدودة أيقبله عاقل ، لماذا خلقنا الله عز وجل ؟ لابد من هدف يتناسب مع كماله ، ولابد من هدف يتناسب مع جلاله ، ولابد من هدف يتناسب مع قوته هو القوي ، ولذلك فربنا عز وجل أجاب عن هذا السؤال في آيتين واضحتين وفي آيات كثيرة ، قبل أن يجيب نفى يتهمه به بعض الناس قال :         )سورة المؤمنون(           مستحيل خالق عظيم ، أي دولة تبني بناء يكلفها ثلاثة عشر ملياراً ويستغرق البناء عشرين سنة وبالأخير تأتي الأجهزة الحديثة فتهدمه وتخربه بلا سبب لماذا بنيتم هذا البناء ؟  لا لشيء ، أتفعلها دولة على وجه الأرض ؟ بناء ضخم يكلفها مئات الملايين مجهز بأحدث الأشياء من تدفئة وتبريد وتكييف وأثاث وبعد أن ينتهي يدمر لماذا ؟ ’ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ’ .           نفى الله أيضاً ما يتوهمه بعض الناس من أن الله عز وجل خلق الكون وهو يلعب :                                     (سورة الأنبياء)   (سورة ص)           هذا ظن الكفار وحدهم ، أيعقل أن يخلق الإنسان ولا يسأل عن أعماله ؟ فالضعيف ضعيف ، والقوي قوي ، والغني غني ، والصحيح صحيح ، والمريض مريض وهكذا ..... ، هذا عمّر خمساً وثمانين سنة ، وثانٍ عاش ثماني عشرة سنة ، وثالث بقي ثلاثين سنة ، وآخر مات بحادث ولم يتزوج ولم يسكن في بيت ولم يهنأ بحياته ولم ير شيئاً ، والآخر أكل وشرب وعاش سنوات طويلة وتمتع بالصحة والطعام وتزوج ، فلماذا هذا يولد ابن غني وكل شيء متوفر لديه ؟ وهذا لايحصل قوت يومه ؟ لو لم يكن هناك دار آخرة  وسؤال كبير ؟ هناك قوي ، و ضعيف ، و صحيح ، ’ في الحياة ’ قال تعالى :                                                      (سورة القيامة)           خلقه غنياً ولايسأله عن هذا المال كيف جمعه وكيف أنفقه وخلقه فقيراً ولا يسأله لِمَ لم يصبر، ولِمَ لم يعرف ’ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ  سُدًى ’ وربنا عز وجل نفى أن يخلق السموات والأرض إلا بالحق ، وأن يخلقها عبثاً ، وأن يكون بخلقها لاعباً ، وأن يخلقها سدىً ، و أن يهمل الإنسان ، هذا كله نفاه الله عز وجل وأثبت قوله تعالى :                                          (سورة الذاريات)           إذاً : الهدف هو العبادة فلو عرفنا معنى العبادة  ، العبادة أن تعرفه فتطيعه فتسعد بقربه إنها ذات ثلاثة حدود الله عز وجل قال : العبادة هي الهدف من خلق الكون أو من خلق الإنسان والجن ، والعبادة أن تعرفه و تطيعه ، وتسعد بقربه ، وآية أوضح من هذه الآية :   (سورة هود)           إذاً : فالإنسان مخلوق للسعادة ، ولاتظنو ذلك كلاماً بل هذه حقائق ، إذا عرفت أنك خلقت من أجل أن يسعدك الله عز وجل ، شعرت بالراحة  ، والروح ، والتفاؤل ، و بأنك مكرم ، وأن الله عز وجل ، تفضل عليك بإيجادك ، وأن هناك نعمة هي نعمة الإيجاد ، وقد يقول قائل : الناس كلهم معذبون ، فهناك مجاعات ، وزلازل ، وفيضانات و شح ، وقح وقهر و حروب ، و براكين ، وصواعق ، والإجابة عن هذا السؤال : يا أستاذ تقول إن الله خلقنا لنسعد ونعبده ، ونعرفه ، ونطيعه ، ونسعد بقربه ، فهذا كلام جيد ومقبول يتناسب مع جلال الله ، هناك سؤال آخر : مابال الناس أشقياء ؟ أي على مستوى المادة الفقراء والمعذبون هم الأكثرون ، فالجواب أن السيارة لماذا صنعت ؟ من أجل أن تسير فما بال الشركة الصانعة قد زودتها بالمكابح أليست هذه تتناقض مع حركتها ؟ الجواب : إن استعمال المكابح ضروري لسلامتها ، صنعت لتسير والمكبح يوقفها ولكنه يوقفها في الوقت المناسب من أجل أن لا تدمر صاحبها ، فكما أن الله سبحانه وتعالى خلقنا ليسعدنا من أجل هذه السعادة بالذات خلق الله عز وجل المصائب ،  لمهمة ثانية تاه الإنسان عنها ، وضلَّ ، و تلهى بالدنيا فتأتي المصائب لتذكره بالمهمة الكبرى التي خلق من أجلها ، إذاً هذا ملخص كل مصيبة تقع على وجه الأرض :   (سورة التوبة)           إما أن تنفروا وإما أن تعذبوا ، وأنت إما أن تحقق الهدف الذي خُلقت من أجله وإما أن يضّيق الله عليك حباً بك ، إذاً يجب أن نتيقن يقيناً قطعياً لاشك فيه أن نعمة الإيجاد نعمة كبرى، لأنه أوجدك كي يسعدك ، ولكن يأتي سؤال آخر أهي السعادة في الدنيا ؟ الجواب : نعم ولا. يتبـــــع...