Menu

مؤشرات غير مسبوقة في هجرة الصهاينة إلى أوروبا

قاوم _ وكالات / يشير تقرير أعده الخبير في الشؤون الأوروبية حسام شاكر إلى تصاعد موجة الهجرة الصهيونية العكسية صوب أوروبا والبلدان الغربية، لتسجِّل ظواهر جديدة في المعادلة الديمغرافية في فلسطين المحتلة.

وأكّد شاكر في استعراضه لنتائج تحليلية في هذا الصدد من بروكسيل الجمعة أنّ المؤشرات المتاحة تكشف عن موجة غير مسبوقة في طبيعتها في نزيف الهجرة الصهيونية العكسية من فلسطين المحتلة إلى أوروبا، وأنّ اتجاهاتها متصاعدة، متحدثاً عن "اتساع ظاهرة الصهاينة السابقين".

وأوضح أنّ الهجرة الصهيونية العكسية آخذة بالتحوّل إلى حالة جماهيرية جارفة متعددة المستويات، خاصة مع اختيار وجهات جديدة للتمركز، وهذه تمثل هاجسًا كامنًا لدى المؤسسة الإسرائيلية التي تدرك أنّ قرابة ثلث الصهاينة ليسوا في فلسطين المحتلة في أي وقت من الأوقات.

ولفت الأنظار إلى أنّ هذه الحالة تؤجِّج تجاذبات بين الشبان الصهاينة من دعاة الانطلاق إلى العالم والهجرة إلى الخارج، وأوساط إسرائيلية حكومية وإعلامية تمارس التحريض ضد هذه الدعوات وتنعتها بوصف معاداة الصهيونية.

وتوقع شاكر أن تشجِّع هذه الهجرات ظاهرة الفجوة بين التجمّعات اليهودية والصهيونية في أوروبا من جانب والخطاب السياسي والدعائي الصهيوني من جانب آخر. "وقد اتضح خلال العدوان الأخير على غزة أنّ منظومة تأييد الاحتلال في أوروبا أظهرت عجزاً في حشد اليهود في الفعاليات الجماهيرية المؤيدة للعدوان، بينما أعرب مزيد من اليهود والصهاينة السابقين عن مواقف معارضة للعدوان ومؤيدة للحقوق الفلسطينية". 

أنماط جديدة


وصنّف شاكر الهجرة العكسية ضمن مستويات متعدِّدة، فمنها مستوى يقوم على الانتقال الدائم، وهناك أيضًا "هجرة مؤقتة" تأتي على هيئة حالات سفر طويلة الأمد يستقرّ بموجبها الإسرائيليون في محطة بعينها أو أكثر من محطة، لمدد أطول من السفر التقليدي المعهود لأغراض السياحة والأعمال. 

وقال الخبير إنّ "هذه الهجرة المؤقتة تمثل تهيئة لحالة تكيّف مكاني جديدة تجعل من هذا السفر حالة إقامة دائمة أو شبه دائمة، أو حالة محفِّزة على الهجرة لاحقاً تحت أي ظرف من الظروف".

وتأتي من هذه المستويات أيضا، حالات انتقال الأثرياء أو الكفاءات إلى وجهات معيّنة، منها بريطانيا وسويسرا على سبيل المثال، وتأخذ هذه شكل أسفار متكرِّرة أو إقامات طويلة أو السفر لتعاقدات تجارة وعمل وتدريس، وهي تتطوّر أحيانا لتكون بمثابة هجرة فعلية حتى دون أن يصنّفها أصحابها كذلك.

وأشار شاكر إلى أنّ مجتمع الاحتلال الصهيوني يُعتبر أساسًا من المجتمعات كثيرة السفر نسبيًا إلى وجهات أوروبية، خاصة مع الشعور بالضغوط وعدم الاستقرار في فلسطين المحتلة، وبالنظر إلى العزلة الصهيونية عن السياق العربي المحيط بفلسطين. 
وأضاف "تشكِّل الوجهات الأوروبية والغربية خيارًا مفضلاً للصهاينة من أصول أوروبية شرقية أو غربية، فهي بمثابة محاولة كامنة للعودة إلى الجذور أو تعبير عن الانعتاق المكاني من الواقع الاستيطاني المفتعل، مع التملّص من ضغوط العيش تحت التهديد المرتبط بالاحتلال والمقاومة".

وتفيد المؤشرات التي كشف عنها شاكر أنّ بعض الصهاينة أصبحوا يتمركزون في نقاط جذب لم تكن مرغوبة لهم من قبل، وتبرز من ذلك العاصمة الألمانية. 

هجرة لا تلفت الانتباه


لكنّ شاكر نبّه إلى أنّ الهجرة الصهيونية العكسية إلى أوروبا تجري عادة بهدوء ولا تثير الانتباه. وعلّل ذلك بالقول: "يتمتع الصهاينة أساسا بامتيازات الإقامة الميسّرة في أوروبا بسبب حيازة جواز سفر أوروبي مثلاً إلى جانب جواز السفر الصهيوني ، وهو ما يتيح الإقامة والعمل دون عوائق في أي من بلدان الاتحاد الأوروبي أو البلدان الشريكة للاتحاد، وحتى دون أن تلحظ السجلات الرسمية في الدول الأوروبية المؤشرات السكانية الجديدة بدقة".

وأضاف الخبير: "أنّ أنماط حياة الصهاينة من ذوي الأصول الأوروبية تبقى قادرة على التماهي مع الأنماط السائدة في المجتمعات الأوروبية، وبالتالي فلن تكون هذه الإضافة الديموغرافية ملحوظة بسهولة".

وعن تأثير العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، على هذه الهجرة العكسية؛ أوضح شاكر: "على مدى سبعة أسابيع في الصيف استشعر مجتمع الاحتلال حالة من الانكشاف أمام تهديدات وجودية، واتضح لهذا المجتمع أنّ مظلّة الحماية التي تمثلها دولته غير فعّالة في لحظة الحقيقة". 

وقال "إنّ غزة الواقعة في الخاصرة الجنوبية كانت قادرة على حرمان الصهاينة من النوم الهانئ في ليالي الصيف، وقد جرى هذا في قلب العالم العربي الذي يحفل بالمفاجآت الصادمة والتحوّلات الاستراتيجية". وهكذا فإنّ "حالة القلق الوجودي هذه تحفِّز أي قرار بالخروج من المكان والفرار من ضغوط الواقع السياسية والاقتصادية، وستكون أوروبا أو أمريكا الشمالية خياراً معقولاً"، وفق تقديره. 

ولفت حسام شاكر الأنظار إلى أنّ هذه الهجرة العكسية لم تتطوّر بعد إلى حالة عودة إلى "الوطن الأصلي" للإسرائيليين في بلدان أوروبية معيّنة كانت تضمّ تجمّعات يهودية بائدة؛ لأنّ البيئات الحاضنة لم تتطوّر لاستيعاب ذلك على النحو الأمثل.

فبلدان وسط أوروبا وشرقها، مثل المجر وبولندا، لا توفِّر في واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي، حالة احتضان لهجرة يهودية عكسية رغم حركة السفر الصهيونية النشطة إليهما، خاصة مع شيوع التحفظات التقليدية إزاء اليهود بالمقارنة مع بلدان أوروبا الغربية، وحضور الخطاب اليميني المتطرف بوضوح في بعض أوساطها السياسية والشعبية.

ورأى شاكر أنّ الإقامة في فلسطين المحتلة عندما تفقد جدواها الاقتصادية؛ فإنّ بحث الثهابنة عن وجهة سفر أو هجرة متاحة "سيكون الخيار المباشر بالنسبة للذين يملكون مفاتيح الإقامة في الخارج عبر جواز سفر بديل أو تصريح إقامة، بينما يختار مغامرون آخرون الانتقال إلى مستوطنات في الضفة الغربية تتيح مزايا اقتصادية مغموسة بالتهديدات الوجودية"، حسب ما خلص إليه.