Menu

كي لا ننسى.. 32 عاما على ذكرى صبرا وشاتيلا

قاوم _ ذاكرة الوطن /

قبل 32 عاما وبين الأيام 16 - 19 أيلول (سبتمبر) 1982 ارتكبت مليشيا القوات اللبنانية وقوات سعد حداد مجزرتهم الشهيرة في مخيمات اللاجئين في صبرا وشاتيلا، بدعم وتغطية من الجيش الصهيوني ومن ثم اقتحمت وحدات الاستطلاع من جيش الاحتلال الصهيوني المخيم لتقتل 63 مدنياً فلسطينياً ولتنسحب تلك الوحدات وتستلم مهام استكمال ارتكاب المجزرة لأدوات الإحتلال من بعض الجهات اللبنانية، ليقتحم المخيم 350 عنصراً منها في 16/9/82 ليرتكبوا وعلى مدار 43 ساعة واحدة من أبشع المجازر في القرن العشرين بحق النساء والأطفال والشيوخ من المدنيين العزل.

المجزرة وقعت في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين (جنوب بيروت) وحي صبرا اللبناني الفقير، بعد يومين من اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل. وبدت كأنها انتقام لمقتل الجميل الذي كان زعيما للمليشيات اليمينية المتعاونة مع دولة الاحتلال .


كما أتت المجزرة بعد يوم من اجتياح قوات الاحتلال الصهيونية بقيادة وزير الأمن آنذاك أرييل شارون غرب بيروت وحصارها المخيم بناء على مزاعم بأن منظمة التحرير التي كان مقاتلوها قد غادروا لبنان قبل أقل من شهر خلفوا وراءهم نحو ثلاثة آلاف مقاتل في المخيم. وتحت هذه الذريعة حوصر المخيم، وقام جيش الاحتلال الصهيوني بأمر من قيادته المتمركزة على مشارف شاتيلا بإلقاء قنابل الإنارة فوق المخيم لتسهيل تحرك رجال المليشيات داخله. وقد قام هؤلاء، في أيام الخميس والجمعة والسبت (16 و17 و18 أيلول) بعمليات قتل واغتصاب وتقطيع جثث طالت النساء والأطفال والشيوخ بصورة رئيسية، امتدت إلى مستشفيي عكا وغزة القريبين لتشمل طواقمهما من الممرضات والأطباء، إضافة إلى عائلات لبنانية تقيم في صبرا وحرج ثابت القريب.


عمليات القتل التي كشف عنها النقاب صبيحة السبت تمت، حسب المعطيات المجمع عليها، بإشراف ثلاث شخصيات رئيسية حينها هي وزير الأمن الصهيوني أرييل شارون، ورئيس الأركان في جيش الاحتلال رافائيل إيتان، ومسؤول الأمن في القوات اللبنانية إيلي حبيقة.
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عام 2012 عن وثائق سرية جديدة ترجح تورط جهات أميركية في مجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982.

ونُشرت الوثائق في مقال تحت عنوان "المجزرة التي كان يمكن تفاديها"، كتبها سيث إنزيسكا، وهو باحث أميركي في جامعة كولومبيا، تمكن من العثور على مستندات تاريخية صهيونية توثق حوارات جرت بين مسؤولين أميركيين خلال هذه الفترة. وتنقل وثيقة صادرة بتاريخ 17 أيلول العام 1982، وقائع جلسة عقدت بين  شارون ومبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط موريس درابر.

وبحسب الوثيقة، فقد طمأن شارون درابر إلى أن دولة الاحتلال لن تورّط الولايات المتحدة في الجريمة قائلاً: "إذا كنت متخوفاً من أن تتورط معنا، فلا مشكلة، يمكن لأميركا بكل بساطة أن تنكر الأمر أو علمها به، ونحن بدورنا سننكر ذلك أيضا". وتشير الصحيفة إلى أن هذا الحوار يؤكد أن الصهاينة كانوا على علم بأن حلفاءهم اللبنانيين قد دخلوا المخيم، وأن عمليات تصفية عشوائية قد بدأت.

وتتحدث وثيقة أخرى عن لقاء جرى بين الموفد الأميركي وشارون بحضور السفير الأميركي سام لويس، ورئيس الأركان إيتان، ورئيس الاستخبارات العسكرية إيهودا ساغي، ذكّر خلاله درابر بموقف بلاده المطالب بانسحاب قوات الجيش الصهيوني من بيروت، فرد شارون قائلاً: "إن الإرهابيين لا يزالون في العاصمة، ولدينا أسماؤهم، وعددهم يتراوح ما بين 2000 و3000"، متسائلا: "من سيتولى أمن المخيمات؟"، فأجاب داربر بأن الجيش وقوى الأمن اللبناني ستقوم بذلك. وبعد مفاوضات توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بإنسحاب دولة الاحتلال من لبنان خلال فترة 48 ساعة، بعد "تطهير" المخيمات.

ولم يترك شارون طاولة الاجتماع إلا بعدما تأكد من أن الاتفاق لا يحمل أي إلتباس، إذ حدد المخيمات التي سيدخلها لتصفية "الإرهابيين" على حدّ تعبيره، وهي صبرا وشاتيلا، برج البراجنة، الفاكهاني. وعندها قال درابر: "لكن البعض سيزعم بأن الجيش الصهيوني باق في بيروت لكي يسمح للبنانيين بقتل الفلسطينيين". فما كان من شارون إلا أن رد: "سنقتلهم نحن إذاً... لن نبقي أحداً منهم، لن نسمح لكم ـ ويقصد للولايات المتحدة ـ بإنقاذ هؤلاء الإرهابيين". وبسرعة رد داربر: "لسنا مهتمين بإنقاذ أحد من هؤلاء". وكرر شارون: "إن كنتم لا تريدون أن يقتلهم اللبنانيون فسنقتلهم بأنفسنا"، وأعاد السفير درابر موقف الإدارة الأميركية بالقول: "نود منكم الرحيل.. دعوا اللبنانيين يتصرفون".

بعد هذه المحادثة بثلاثة أيام بدأ الانسحاب الصهيوني في السابع عشر من أيلول. وقد شهد هذا النهار أسوأ لحظات المذبحة: قوات منظمة التحرير الفلسطينية كانت بالفعل قد أخلت بيروت، وبعد ليلة ثانية من الرعب، انسحب مسلحو حزب "الكتائب اللبنانية" من المخيمات في صباح السبت. وبعدما علم بفظاعة المذبحة في المخيمات، وجه درابر برقية إلى شارون كتب فيها: "هذا رهيب، لدي ممثل في المخيمات، وهو يعد الجثث.... يجب عليكم أن تخجلوا". كذلك وبْخ الرئيس الأميركي رونالد ريغان رئيس الوزراء الصهيونية مناحيم بيغن بعبارات قاسية غير معتادة، حسبما ذكرت الصحيفة.

وكذلك يعتقد المفكر والكاتب الأميركي نعوم تشومسكي أن الإدارة الأميركية هي من تتحمل المسؤولية لأنها أعطت الضوء الأخضر للمؤسسة الإسرائيلية باجتياح لبنان في العام 1982، لا بل يعتقد تشومسكي بأن الولايات المتحدة طعنت في ظهر كل من الحكومة اللبنانية والفلسطينيين حين أعطت الطرفين ضمانات بسلامة الفلسطينيين بعد مغادرة الفدائيين بيروت، إلا أن القوات الأمريكية انسحبت قبل أسبوعين من انتهاء فترة تفويضها الأصلية بعد الإشراف على مغادرة مقاتلي منظمة التحرير، قبل أن توفر الحماية للسكان المدنيين. ورفضت أمريكا قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة استنكار المذبحة. ويعتقد تشومسكي أن: "القتلة من بعض الجهات اللبنانية لم يكونوا مدعومين من إسرائيل، فحسب بل كانوا أيضاً معروفين معرفة تامة من قبل المخابرات الأميركية والصهيونية .


وأثار الكشف عن المجزرة ضجة في أنحاء العالم وفي دولة الاحتلال ، مما دفع حكومة رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن إلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة عرفت بـ”لجنة كهان”. ، أمرت الحكومة الصهيونية المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا وقتها إسحاق كاهن، أن يرأس اللجنة بنفسه، وأعلنت اللجنة عام 1983 نتائج البحث. وقررت اللجنة أن وزير الدفاع في حينه أرئيل شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسع للحيلولة دونها، كما انتقدت اللجنة رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن، ووزير الخارجية يتسحاك شامير، ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان وقادة المخابرات، موضحة أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت. واضطر شارون للاستقالة من منصب وزير الدفاع وقتئذ وتوارى عن المسرح السياسي لسنوات، لكنه عاد مطلع عام 2001 أقوى مما كان عندما فاز حزبه في الانتخابات وأصبح رئيسا للحكومة. غير أن مسؤولية شارون الأخلاقية عن المجزرة بقيت تطارده خارج إسرائيل.

وبعد أن بثت هيئة الإذاعة البريطانية في يونيو (حزيران) 2001 برنامجا تناول إحتمال محاكمة شارون كمجرم حرب، قام محامون متضامنون مع ضحايا المجزرة بتحرك في بلجيكا استنادا إلى قانون "الاختصاص العالمي" المقر عام 1993 الذي يسمح بملاحقة مجرمي الحرب.  ورفعت ناجية من المجزرة تدعى يعاد سرور المرعي وأسر 28 من الضحايا دعوى أمام إحدى محاكم بلجيكا لمحاكمة شارون،  وبادرت الأخيرة إلى فتح تحقيق في القضية وسط ضغوط إعلامية على المتهمين، مما دفع إيلي حبيقة إلى إبداء الاستعداد للإدلاء بشهادته أمام المحققين البلجيكيين، بعد أن أعلن أن لديه من المعطيات ما سيغير مسار الرواية التي أشاعتها تحقيقات لجنة كهان. لكن حبيقة ما لبث أن اغتيل مع أربعة من مرافقيه في كانون الثاني (يناير) 2002 في عملية تحمل على الأرجح بصمات الاستخبارات الصهيونية . وتعرضت المحاكمة لاحقا للإجهاض بعد ضغوط صهيونية وأميركية على بلجيكا، مما دفع الأخيرة لاحقا لتعديل قانون الاختصاص العالمي.

وأشارت تقديرات إلى أنه ارتقى في المجزرة بين 4000-4500 شهيد من 12 جنسية، حسب شهادة الكاتب الأمريكي رالف شونمان أمام لجنة أوسلو في تشرين أول 1982، العدد الأكبر للشهداء من اللاجئين الفلسطينيين، يليه شهداء من اللبنانيين والسوريين والمصريين والإيرانيين والباكستانيين والبنغلاديشيين والأردنيين والأتراك والسودانيين ومكتومي القيد، وشهيدة جزائرية هي أمال عبد القادر يحياوي (25 سنة) والشهيد التونسي صالح ولقبه أبو رقيبة (65 سنة)، وشهيد تنزاني هو عثمان ولقبه عثمان السوداني (25 سنة).  وهناك من يدّعي أن فرق الصليب الأحمر جمعت نحو 950 جثة, فيما أشارت بعض الشهادات إلى أن العدد قد يصل إلى ثلاثة آلاف, لأن القتلة قاموا بدفن بعض الضحايا في حفر خاصة.