Menu

نساء يتصدّرنَ مقاومة المعتدين على المسجد الأقصى

قـــــــاوم / القدس المحتلة / تتنوع أساليب الصمود في مدينة القدس، وفيها تتسع مفاهيم "الرباط"، ولكن تبقى له صلة خاصة بالمسجد الأقصى، إذ لا يكتفي المرابطون بالصلاة والمكوث في الأقصى، بل يحاولون ربط تفاصيل حياتهم اليومية بالمكان.

مشروع "مصاطب العلم في المسجد الأقصى"، هو إحدى تجليات هذا الرباط، وهو البرنامج الذي ينتظم فيه كثير من المرابطين والمرابطات حول الأقصى، يتلقون فيه دروساً في مواضيع مختلفة شرعية ودنيوية، ويتصدون لاقتحامات المستوطنين التي تتزامن مع برنامجهم التعليمي. وتقوم مؤسسة عمارة الأقصى والمقدسات، وهي مؤسسة تابعة للحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948، بالإشراف على البرنامج التعليمي. وقد برز في هذا البرنامج دور خاص للنساء.

بعد شهور قليلة من بدء مشروع "مصاطب العلم"، واستقطابه عدداً من الرجال الذين يدرسون علوم القرآن مقابل الجامع القبلي في المسجد الأقصى، بدأ المشروع الخاص بالنساء، وذلك في يونيو 2010.

واليوم، يرى المتجول في ساحات المسجد الأقصى من الساعة الثامنة صباحاً وحتى بعد صلاة الظهر، مجموعات كبيرة ومتفرقة من النساء ينتظمن في حلقات علمية.

وبحسب هنادي الحلواني، إحدى "المركِّزات" التربويات لمشروع "مصاطب العلم للنساء"، فإنه استقطب في بدايته وبشكل عشوائي، خمسين طالبة من أعمار مختلفة ومستويات تعليمية متنوعة.

تطوّر مستمر

تطوّر المشروع بشكل متسارع، حتى وصل مجمل عدد طالباته عام 2014 إلى 500. وتنوعت دروس البرنامج بدءاً من محو الأمية وانتهاء بشهادة البكالوريوس الجامعية. وقد كانت الطالبات في المشروع من المقدسيات، إلا أنه، ومنذ شهور قليلة، بدأ باستقطاب أعداد جديدة من النساء من الأراضي المحتلة عام 1948 اللواتي يسافرن لمدة قد تصل إلى ساعتين للالتحاق بحلقات العلم.

وترى الحلواني أن المشروع يأتي في سياق "إحياء المسيرة التعليمية التاريخية لمصاطب العلم في المسجد الأقصى، وتأكيداً على أن المسجد مؤسسة متكاملة وليس فقط مكان عبادة".

عدا عن ذلك، فللمشروع أبعاده في الحفاظ على المسجد الأقصى في وجه محاولات تهويده. وتلاحظ الحلواني الفرق بين اليوم وما قبل بدء المشروع فتقول: "كنا قبل 2010 نرى الأقصى في ساعات الصباح الباكر شبه خالٍ من المسلمين، أشبه بمتنزه عام مفتوح للمستوطنين والسياح ولا وجود عربي فيه، لكن وجود مصاطب العلم اليوم ونجاحها في جذب المسلمين والمسلمات إليه، دحض الادعاءات الإسرائيلية بأن المكان لا صاحب له".

ويرى القائمون على المشروع والمشاركات فيه، أن برنامج "مصاطب العلم" المخصص للنساء أضاف بُعداً جديداً للدفاع عن المسجد الأقصى في وجه الهجمات الاستيطانية والتهويدية.

وتقول زينة عمرو، إحدى مدرسات المشروع: "تجلس طالبات مصاطب العلم في المنطقة الأكثر حساسية بالنسبة لاقتحامات المستوطنين، أي باب المغاربة الذي يضخ يومياً عشرات المستوطنين، بالتالي هي أول من يرى المستوطنين المقتحمين للمسجد وأول من يتصدى لهم". وتضيف عمرو: "سلّح برنامج مصاطب العلم النساء بالوعي والفهم الكامل لمخططات الاحتلال في تهويد القدس، فأصبحن على علم بما يجري في المدينة والأقصى بشكل خاص، وأصبحن هن صاحبات المبادرة والشجاعة في الوقوف أمام هذه المخططات".

تشاركها الرأي الحلواني، التي تُرجع الأمر كذلك إلى الجو العام الذي يجعل المرأة الفلسطينية أقل عرضة للاعتقال من الشباب والرجال، مما جعلها أكثر جرأة للتصدي والتكبير في وجه المستوطنين.

تستدرك الحلواني بالتحذير من أن الوضع "تغير أخيراً، فمنذ أربعة شهور تقريباً، أصبحنا نرى حالات متزايدة من اعتقال النساء وضربهن والاعتداء عليهن بوحشية، بل أصبحت بعض الإجراءات تستهدف النساء، دون الرجال".

استهداف للنساء

دفعت النساء ثمن دورهن المتميّز في الدفاع عن المسجد الأقصى، فخصّتهن شرطة الاحتلال بجملة من الإجراءات القمعية والتنكيلية، منها مثلاً احتجاز بطاقات هوية كلّ من تدخل المسجد الأقصى في ساعات الصباح، وأحياناً يتم استدعاؤها للتحقيق معها بعد خروجها من المسجد إثر انتهاء برنامجها التعليمي. كما يعمد الاحتلال الى إحاطة حلقات العلم والتدقيق في وجوه الطالبات وتصويرهن والتضييق عليهن.

وقد برز في الأيام الأخيرة، المنع المشدد لدخول النساء من كل الأعمار للمسجد الأقصى في ساعات الصباح، فمنذ بداية شهر أغسطس الحالي، منعت النساء في غالب أيام الأسبوع من دخوله، بينما سُمح ذلك للرجال من كل الأعمار. وعادة ما تحتشد النساء عند أبواب المسجد الأقصى المختلفة ويكبّرن في وجوه الجنود، محاولات الدخول للمسجد عنوة، الأمر الذي عرضهن للاعتداءات والضرب والإصابة بالقنابل.

وقد أصبح مشهد النساء المحتشدات على أبواب الأقصى والممنوعات من دخوله صباحاً، مشهداً مألوفاً، ويتكرر أكثر في الأعياد اليهودية، وذلك للسماح للمستوطنين باقتحام المسجد. وفي حال منعهن من الدخول، ترابط النساء على البوابات ويتصدين لاعتداءات الاحتلال.

وترفض زينة عمرو أن تنقل حلقات العلم إلى أبواب الأقصى، عندما تمنع الطالبات من دخوله، فتقول "نرفض أن نتخذ بديلاً عن المسجد الأقصى، وحين نمنع من دخوله يكون دورنا الاحتجاج".

وفي حال غياب الهجوم المباشر من قبل الاحتلال، لا تتوانى مراكز الشرطة عن إرسال أوامر استدعاء لطالبات المصاطب، وقد هُدد بعضهن بالإبعاد عن المسجد الأقصى وعن القدس.

ويبدو واضحاً أن البرنامج الذي يهدف بالأساس إلى ربط النساء الفلسطينيات بالمسجد الأقصى، يحقق أهدافاً عدة في آن، فقد تطور المشروع عبر سنواته الأربع، وتنوعت مواضيع العلم التي يطرحها.

تقول الحلواني، إن المشروع وفّر فرصة لكثير من الفتيات والسيدات لتحقيق أنفسهن وتطوير مهاراتهن.

على سبيل المثال، يقدم المشروع دورات تربوية للأمهات في أسس التربية السليمة والتعامل مع الأطفال، كما يوفر دورات محو أمية للسيدات الكبار في السن اللواتي حرمن في الماضي من فرصة التعليم.

وقد تُّوِّج المشروع باتفاق بين إدارته وجامعة القدس المفتوحة، يسمح لطالبات الجامعة المفتوحة بأخذ صفوفهن والانتظام فيها من قلب "الأقصى".

كما أنه يُقدّم منحاً دراسية بقيم مالية مختلفة للطالبات الملتحقات به.

وللمشروع ضوابط تجعله أقرب إلى الجامعة المتكاملة، إذ تُجرى للطالبات المسجلات فيه مقابلات للتعرف إليهن قبل قبولهن، ويشترط انضباطهن في الدوام وتأدية الواجبات المفروضة عليهن.

ن.س. (26 عاماً) إحدى الطالبات المشاركات تحمل بيدها "آيباد" لتوثيق اعتداءات شرطة الاحتلال على زميلاتها، واقتحام المستوطنين للمسجد. وتقول لـ"العربي الجديد" إن "العربَ محرومون من شرف الدفاع عن الأقصى، ونحن أهل القدس والداخل المحتل نتحمل هذه المسؤولية، وجود الخطر يشجعني ولا يخيفني، وأنا أؤمن أن المستوطنين يحسبون لوجودنا حساباً ويخافون من متابعتنا لهم".

كما تؤكد هـ. أ (29 عاماً) كلام زميلتها قائلة: "أشعر بالفخر أنني وزميلاتي ننوب عن كلّ العرب والمسلمين في الدفاع عن الأقصى". وتضيف أنه "لو كان وجودنا غير مؤثر، لما رأينا القوات الخاصة بأعدادها الكبيرة تتصدى لنا، ولما رأينا هذا الإصرار الإسرائيلي على استصدار أوامر الإبعاد عن المسجد الأقصى بشكل مكثف".

وتستذكر هـ.أ. دورها وزميلاتها بتلقي بعض الضربات عن الشباب للسماح لهم بالتفلت من الاعتقال. بعد أن روت تفاصيل الحادثة وتفاصيل التحقيق معها بعد ذلك تعلق هـ.أ بحزم: "في الماضي لم يكن يهمني ما يجري سياسياً في القدس، لكن حلقات العلم هذه غيّرت حياتي، لا يهمني أي شيء من التهديد، المهم أن نكون "قد حالنا".