Menu

أهالي غزة كالجسد الواحد

قــــــاوم / غزة / أمام إحدى البنايات السكنية في مدينة غزة، تجاذب علي الشامي أطراف الحديث لدقيقتين، مع رجل كان يجلس على كرسي خشبي عند مدخلها، ثم التفت إلى أفراد أسرته ملوحا لهم بيده قائلا “هيا أسرعوا لقد عثرنا على شقة سكنية”.

بسرعة هرول جميع أفراد العائلة الـ”خمسة”، نحو والدهم، وصعدوا درجات السلم، لا يصدقون بأنه أصبح لديهم جدرانًا تأويهم، بدل التي حولتها الطائرات الإسرائيلية إلى كومة ركام، خلال حرب الـ30 يومًا على القطاع.

وبعد أن جلس الشامي على أرض صالون الشقة الجديدة الخالية من أي أثاث، قال: “لقد منحني صاحب العمارة هذا البيت مجانا، وأخبرني بأنه يحق لي السكن فيه إلى الوقت الذي أشاء، دون دفع المال”.

وبمنديل أبيض مسح الشامي، العرق عن جبينه وأضاف للأناضول: “لم أصدق ما سمعت من صاحب المنزل، حمد لله أن الناس تشعر بآلام بعضها، وأننا وجدنا مكانًا نبيت فيه”.

“وحقيقة لا أملك ما يكفي من المال لدفع إيجار المنزل، لقد تركنا كل ما نملك، حيث نقطن في بيت حانون شمالي القطاع، وهربنا تحت وابل القصف الإسرائيلي المتواصل”، كما يقول الشامي.

ووفقًا لشّامي، فإنه “منذ ساعات صباح أول يوم في التهدئة، انطلق يبحث عن منزل”، وقال “كنت قلقًا من ألا أجد منزلا، أمام هذا الاكتظاظ الذي نعاني منه في الأساس، فكيف الآن بعد هدم آلاف البيوت”.

ومنذ الـ 7 من يوليو/ تموز الماضي شنت إسرائيل حربًا على قطاع غزة، أطلقت عليها اسم (الجرف الصامد)، وأسفرت عن استشهاد 1867 فلسطينيًا، وإصابة 9563 آخرين.

وتسببت الغارات الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة، بتدمير 5238 وحدة سكنية، وتضرر 30050 وحدة سكنية أخرى بشكل جزئي، منها 4374 وحدة “أصبحت غير صالحة للسكن”، وفق معلومات أولية صادرة عن وزارة الأشغال العامة الفلسطينية.

ومنذ صباح أمس الثلاثاء، أعلن عن “تهدئة مؤقتة” بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، برعاية مصرية، لمدة 72 ساعة.

وتبلغ مساحة قطاع غزة 360 كيلو مترا مربعا، يقطن فوق هذا الشريط الساحلي الضيق، نحو 1.8 مليون نسمة، مما يجعلها أكثر المناطق في العالم اكتظاظًا بالسكان.

وفوق سطح منزلها، رفعت إيمان مشتهى، غطاء خزان المياه، أسود اللون، وقالت مبتسمة “انظروا لقد امتلأ حتى النصف، بعد أن بقي خمسة أيام بدون قطرة واحدة، إلا أن جارتي تكفلت بتوزيع المياه بيننا”.

وبابتسامة رسمت على وجهها قالت: “ستتوقف صيحات الأطفال الآن طلبًا للاستحمام، أو طهي الطعام لهم، ففي فترة انقطاع المياه نتيجة قصف العديد من خطوطها، كنا نعتمد على تناول المعلبات”.

وأضافت مشتهى الأم لثلاثة أطفال: “أسكن على الطابق الثالث، ونتيجة لانقطاع الكهرباء لم تعمل المضخات لذلك لم تصل المياه لمنزلي في اليوم الوحيد الذي جاءت فيه، وجارتي تسكن في الطابق الأول والمياه تصلها دون الحاجة لمضخات”.

وتوقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، عن العمل بشكل كامل، بعد أن استهدفت الطائرات الإسرائيلية خزان الوقود الرئيس للمحطة، صباح الـ 29 يوليو/ تموز الماضي، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن معظم محافظات القطاع.

أما الصيدلانية رانية المصري، فقد جمعت ما تستطيع من أدوية ومستلزمات طبية، مما هو موجود داخل صيدليتها، وقامت بتوزيعها مجانًا على من يحتاجها.

وقالت المصري (29 عامًا): “لا فائدة للمال الآن، هناك العشرات من الأمهات لا تملك لأطفالها الحليب أو الحفاظات، وهذه أكثر الأوقات ضرورة لمساعدتهم، يجب أن نطبق قول رسولنا الكريم بأن المسلمين كالجسد الواحد في تراحمهم، وعند الشدائد”.

وأوضحت المصري أنها تواصلت على قدر استطاعتها مع العشرات من الأسر في حيّاها وفي الأحياء المجاورة، لكي تزودهم بالأدوية التي يحتاجونها مجانًا.

واقتسمت ألاء الخزندار “28 عامًا ما تمتلك من طعام، في ثلاجة منزلها، مع عائلة الزعانين  النازحة من شمال القطاع، والذين استقر بهم الحال، للسكن في بيت مجاور لها، غير مكتمل البناء.

وتقول مريم الزعانين، أحد أفراد العائلة النازحة، “نحن لم نطلب شيئًا من ألاء، لقد جلبت لنا الطعام والخبز، وإنها لا تتوقف عن سؤالنا إن كنا نحتاج شيء أو لا، الحمد لله أن الخير مازال في نفوس الناس.

وأشارت الزعانين إلى الفراش الذي تجلس عليه وقالت: “أحضرت لنا ألاء الفراش، وانظروا إلى هذه الثياب المنشورة على حافة الشرفة، هي من تكفلت بغسلها أيضًا، ونصفها منها أصلا”.

وتقول الزعانين، “عرضت ألاء علينا، أن تأتي الفتيات والنساء منا للسكن معها رغم أنها لا تعرفنا، ويبقى الرجال في هذا المنزل غير المكتمل”.

واستدركت: “لكن عددنا الذي تجاوز الـ 20، لن يكفي منزلها الذي تقدر مساحته بنحو 120 مترا مربعا”.

وتصف الزعانين حياتهم بين هذه الجدران غير مكتملة البناء بـ “المأساوية” إلا أن المساعدات والتكافل التي تلقوه من ألاء وغيرها، خفف من معاناتهم الكثير”.

ونزحت الآلاف من العائلات التي تقطن في المناطق الحدودية في قطاع غزة، لتعرضها للقصف الشديد، واتجهوا إلى وسط مدينة غزة التي تشهد قصفًا أقل حدة نوعًا ما.

وفور أن بدأ محمد العشي، باستخدام المولد الكهربائي الاحتياطي الخاص به، صعد درجات السلم، يطرق أبواب الشقق السكنية الثمانية في العمارة التي يقطن فيها، ويعرض على ساكنيها أن يشحن لهم هواتفهم المحمولة والمصابيح الكهربائية، نتيجة لانقطاع الكهرباء المستمر عن القطاع.

وقال العشي إن “زوجته أيضًا طلبت من النسوة في عمارتهم السكنية غسل ملابسهم المتسخة، بغسالتها”.