Menu

فلسطينيو لبنان ... دعاء وسيم البسيوني

قــــاوم / قسم المتابعة / خَيم الظلمُ واستراح على مخيماتِ لاجئي لبنان، هذا موجَزُ ما يمكنُ أن يقال، وهذا بوحُ قلمي حينما بَدأَ يُسَّطِرُ جُرحهم.

آلامٌ وأحلامٌ سَطَرها لاجئو لبنان في اثنى عَشَرَ مخيما، مخيمات لم يُشهد لها بَعدُ مَثيلاً في تَرسيخِ حَقِ العودةِ وتَجسيدِ الأرضِ الأمِ على أرضٍ حَملت أحلامهم وآمالهم بالعودةِ المنشودة.

جُرحُ التغريبةِ الفلسطينيةِ وإن لَملَمَته الأيامُ والمُتغَيراتُ في بعضِ بلادِ اللجوءِ لم يشهدهُ جريحو لبنان، فالمشهدُ من الثمانيةِ والأربعينَ لليومِ على حاله ويكَأَنَ عَجَلَةَ الزمنِ توقفت عندهم إلا في تِعدادِهم، فالعشرونَ ألفاً الذين لجأوا الى لبنانَ في ذاكَ التاريخِ تضاعفوا 27 مرةً، يَتواجدونَ في خَمسةِ مناطِقَ لبنانية (بيروت، طرابلس، صيدا، صور والبقاع) مناطقُ تَشهدُ على جراحِ الفلسطينيين التي لم تُلملِمُها بُرهَةٌ من زمنِ هذه الأرض.

جُرحُ فِلسطينيي لبنان لم يَتَمثل بحقوقٍ إنسانيةٍ لم يَكُن لهم منها نصيبٌ يوما، فالمَسكَنُ الذي ما زالَ سَقفُهُ من الصفيح يَتَأرجَحُ مع كُلِ حركةٍ ومع كل ألم، لا بُدَ يوماً أن يَقَعَ على رُؤوسِ أصحابه، نعم إنها المخيماتُ الفلسطينيةُ اللُبنانية التي كانت وما زالت في بَعضها سقفها صفيح، ولِتَكتَمِلَ سِنفونِية ُالتَغريبة مع صوتِ "المجاري" الذي رَسَمهُ لنا أجدادنا أثناء حَديثهم عن تلك الأيام!

لم تمنح لبنان لاجئيها أي حقٍ من حقوق الإنسانية، فلا حقوقَ تملك، ولا عمل لشخصٍ بتخصُصِه، لِتُوجه رسالةً مُبَطنَة لباقي الأبناء "لا داعي لِعِلمِكم ولا نَفعَ لِشهاداتِكم فالجوكَر الذي كنتم تُنقِذونَ أَنفُسَكم به لِتَخرجوا من هذا الواقع سنقضي عليه"، جُرحٌ لم يُكتَب لِنزيفه التوقف طالما أن الجرحَ يُسقى كُل يوم.

نَقصُ الخَدَماتِ والبنى التَحيةِ وقِلة الاهتمامِ والمتابعة، وعَدمُ السماحِ بالتوسعِ الأفقي للمباني السكنية، ونَزعُ الحقوقِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ حالُ أَبناء عَينِ الحُلوةِ ونَهر الباردِ وغيرها من المخيمات اللبنانية، التي لم تَغفر لهم البُعد عن لون الدماءِ ومناظرِ القتلى وتَذوقِ ما لم يَتَذوقه الكريمُ بَعد "بُرجُ البراجنة" أَحد المخيماتِ اللبنانية الواقعِ في بيروت والذي شَهِدَ حِصاراً عام 1985م شَّلَ حَرَكةَ أبناءِ المخيمِ لِيؤَدي فقدانُ الطعامِ لأَن يأَكلَ أَبناؤه العشبَ والقِطَطَ والكَلاب!

وثَوابُ من يَخرجُ لِيُؤَمنَ أفضلَ من ذاك فالقتلُ سَيكونُ أفضلَ ما سَيَجلب، وإن أَخَذَتنا الجراحُ للأحمرِ فلن نَغفَلَ عن ذِكرِ صبرا وشاتيلا في ديسمبر عام 1982 حيثُ تَعَرَضَ الفلسطينيونَ للذبحِ من قِبَل ِالجيش الإسرائيلي وبعضِ الميلشيات اللبنانية على مدار ثَلاثَةِ أيامٍ لِتُزَغرِدَ الفردوسُ بقدومِ أحبائها ولينشروا عَبيرَ مِسكِهم في الأرجاء، فثلاثةُ آلافِ حبيبٍ وأكثر على أعتابها سيزفونَ اليوم وكيف وإن كان معظمهم نساء!!

وحَديثا ًوَليسَ بقديمِ عام 2007 شَهدَ تدمير 80% من البنى التحتيةِ لمخيمِ نهرِ الباردِ ونزوح خمسة وثلاثين َلاجئا لمخيماتٍ أخرى بَعد َتَعَرُضِه للقصفِ المستمرِ أكثرَ من مئةِ يوم، ناهيكَ عن آلام المهاجرين إلى الدنمارك وألمانيا والسويد مُنذ ُأن فٌتحَ بابُ الهجرة مع بداية الثمانينيات ليكونَ منَفذ من يبحثُ عن الكرامة.

جُرحُ الجُرحِ باحَ بألمِه حتى سالت دُموعه بمرارةٍ على ما كان وما يكون، لِيصلَ للمقابرِ ويصبِحُ القلمُ عاجزاً عن البوحِ حقاً، فأن يَموتَ المرءَ ولا يكرم بالدفن شيء خارج عن الإنسانية، وأن تدفن الجثث فوق بعضها لعدم تَوَفُر مدافن لها في بعض المخيمات أو لامتلائها في البعض الآخر فلا مسمى لها بعد، وأن يَدفع المرءُ مبالغَ هائلةً لدفنِ مَيتهِ خارجَ المخيمِ جرحٌ يبلغُ نَزفه حَد َالنزيف.