Menu

جون كيري والقدس وتوزيع الابتسامات والأوهام .. بقلم : علي بدوان

جون كيري والقدس وتوزيع الابتسامات والأوهام بقلم : علي بدوان بالرغم من الجهود الأميركية الحثيثة التي قام ويقوم بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإحراز نتائج ملموسة لإعادة إطلاق عملية المفاوضات، إلا أن المعلومات المتسربة لا تبشر بنتائج تُذكر حيال العناوين الرئيسية لقضايا الصراع، وتشير أيضاً إلى اصطدام إمكانية العودة لطاولة المفاوضات بجدار سميك من التعنت "الإسرائيلي". فـ "إسرائيل" تريد فرض شروط جديدة في وثيقة تُشكل نقطة بداية للمفاوضات بحيث يتم الاعتراف الفلسطيني بما يسمى "يهودية الدولة" والتنازل عن القضايا الجوهرية ومنها مسألة المدينة المقدسة، حتى ولو كانت تلك الصياغة مقاربة لعبارة فضفاضة من نمط "عودة القدس الشرقية وحل متفق عليه وعادل لمشكلة اللاجئين حسب قرار 194 للأمم المتحدة ". وكما تصر دولة الاحتلال على استبعاد مسألة اللاجئين الفلسطينيين عن أي وثيقة، وتعمل الآن على تغييب القدس عن المفاوضات وتقزيمها إلى حدود ضيقة عنوانها تقاسم النفوذ الجغرافي (السيادي النسبي دون الأمني) تبعاً " للواقع القائم" في إشارة لعمليات الاستيطان الجائر التي أكلت الأخضر واليابس من شرقي المدينة منذ سنوات الاحتلال المديدة. حتى الاقتراحات القاصرة المتواضعة، وهي اقتراحات مستنسخة طالما تفتقت بها أذهان العبقرية الصهيونية طوال سنوات المفاوضات الممتدة من عام 1993، والتي أطلقها أحد رموز ما يسمى بـ "اليسار الصهيوني" حاييم رامون بشأن القدس على أساس تقاسم الجزء الشرقي منها وإعادة الأحياء العربية واعتبار الجزء المأهول باليهود من المدينة سيبقى تحت السيادة الصهيونية، أما الجزء المأهول بالعرب فسيسلم للفلسطينيين، ووضع "نظام خاص" لمنطقة الحوض المقدس، فقد أثارت تلك الاقتراحات القاصرة ردود فعل سلبية هائلة داخل "إسرائيل"، وأظهرت الردود إياها درجة عالية من الاصطفاف والتخندق وراء الموقف التقليدي المعروف برفض إعادة المدينة للسيادة العربية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال والتمسك بالكتل الاستيطانية الكبيرة التي باتت تطوق المدينة المقدسة من جميع النواحي خصوصاً منها مستعمرات معاليه أدوميم وبسغات زئيف. وفي هذا السياق أشارت نتائج جاءت من استطلاع أجرته صحيفة "هآرتس - ديالوج " بإشراف البروفيسور كميل فوكس من دائرة الإحصاء في جامعة تل أبيب قبل فترة من الزمن ونشرت نتائجه على صفحات الصحف الصهيونية، وذلك في أوساط عينة تمثيلية تضم (502) شخص، أجاب (51%) من المستطلعين بأنهم يؤيدون المحادثات على التسوية الدائمة وفق المنظور الصهيوني، ويعارضون في الوقت نفسه اقتراحات من نمط اقتراحات حاييم رامون المتعلقة بمصير الجزء الشرقي من مدينة القدس والمحتل منذ العام 1967. أما أغلبية مؤيدي الأحزاب اليمينية فيعارضون المحادثات، ويشددون بأن مسألة القدس يجب أن تبقى خارج إطار التفاوض. وفوق هذا، وبالتزامن مع جولات جون كيري ونهاية جولته الخامسة للمنطقة، أعلنت سلطات الاحتلال وضع يدها على مساحات تزيد عن (8000) دونم من الأراضي الفلسطينية المحيطة بمدينة القدس بقصد البناء عليها وتسمين المستعمرات المقامة أصلاً حول مدينة القدس. ومن المتوقع أن تصادق حكومة نتنياهو وسلطات الاحتلال على خطة بناء هائلة للسيطرة الصهيونية على المدينة واستكمال تطويقها بالجدار الديمغرافي الموجود حاليًّا. والخطة، التي تم رصد الأموال اللازمة لإنجازها والبالغة نحو (400) مليون دولار، تتضمن كما أقرت ما يسمى بلجنة التخطيط والبناء "الإسرائيلية" الصهيونية في بلدية القدس قبل مدة من الزمن مخططاً استيطانيًّا لإقامة ثلاثة أحياء يهودية في الجزء الشرقي من المدينة، ويتضمن بناء (20) ألف وحدة سكنية لإيواء عدد كبير من المستعمرين اليهود معظمهم من المتدينين، إضافة إلى (500) شقة في وسط الأحياء العربية بين ضاحية أبو ديس والبلدة القديمة بغرض تفتيتها. كما تتضمن الخطة إياها إقامة مدرسة خاصة لدراسات القدس، وبناء قصر فخم للمحاكم اليهودية وسط المدينة من (11) طابقا، ونقل كل المكاتب الحكومية ومؤسسات الشرطة الإسرائيلية إليها، وتالياً نقل (10) آلاف موظف سكناهم إلى مدينة القدس في عملية متدرجة تستغرق ثماني سنوات، ومن بين الدوائر والوزارات المتوقع نقلها إلى القدس: الوحدة المركزية للإحصاء، مركز التخطيط الصهيوني، وزارة حماية البيئة، مكتب الإعلانات الحكومي، وزارة الزراعة، شرطة إسرائيل، وحدة الجريمة الاقتصادية، مأمورية المياه، سلطة تطوير مكانة المرأة، سلطة تبييض الأموال، لجنة الانتخابات للكنيست، مركز لوجستي استخباري، مديرية اقتصاد المياه، وزارة النائب الأول لرئيس الوزراء، كلية الأمن الوطني، وكل ذلك في مجرى تغيير الخريطة الهيكلية الديمغرافية للقدس، خصوصاً في مناطق الولجة جنوب المدينة، والتلة العليا، ومنطقة مطار عطيروت شمال القدس الشرقية. وسبق الخطوة الصهيونية الأخيرة سلسلة من عمليات التهويد التي أصابت المدينة خلال الفترات الماضية، كان أهمها قيام قوات الاحتلال بهدم أجزاء من بناية المجلس الإسلامي الأعلى بجرافاتها. وهو المبنى المعماري الذي انتهى العمل به عام 1929، والذي يقع على بعد عشرات الأمتار من السور الغربي للبلدة القديمة في القدس، وعلى مقربة من باب الخليل، وبالتحديد في حي (ماميلا)، المقابل لمقبرة (مأمن الله) الإسلامية التاريخية. والبناء المشار إليه يعتبر أحد روائع الفن المعماري والمعلم الحضاري الإسلامي في القدس، وظلت واجهاتها الخارجية ونقوشها شاهدة على إسلامية وعروبة القدس، وعلى حضارة امتدت إلى الأندلس، بل إن أحدهم شبهها بقصور غرناطة الإسلامية الأندلسية، على الرغم من احتلالها ومصادرتها عام 1948 أي قبل تسع وخمسين سنة، حيث يتوقع بعد استكمال عملية الهدم أن يتم حفر المنطقة عميقاً، تمهيداً لإضافة وتشييد مبان وشقق عليها، ملاصقة لما سيبقى من واجهات بناية المجلس الإسلامي الأعلى، كما سيضاف عدة طوابق من على بناية المجلس الإسلامي الأعلى نفسه، وكل ذلك على غرار الطراز المعماري الغربي الحديث بعيداً عن معالم البناء العربي الإسلامي، بحيث تصبح العمارة بصورتها النهائية عمارة لشقق "إسرائيلية". والجدير بالذكر أن عدد سكان القدس (الشرقية والغربية) حاليًّا يبلغ (720) ألف نسمة. ويشمل المستعمرين اليهود في الأحياء التي بنتها الدولة العبرية في القسم الشرقي من المدينة المحتل عام (1967). ومنذ أربعة عقود، زاد عدد السكان العرب بنسبة (257%)، وانتقل عددهم من (68) ألفًا إلى (245) ألفًا حاليًّا، في حين أن السكان اليهود عرفوا نموًا بلغ (140%) وانتقل عددهم من (200) ألف إلى (475) ألفًا. وفي حال تواصل هذا الميل سيشكل العرب نسبة (50%) عام (2035) مع نضوب وتراجع نسب الهجرة الاستيطانية الاستعمارية التهويدية من الخارج نحو فلسطين المحتلة. وعليه، إن الوقائع اليومية تشي بالحقيقة، وتشير إلى السياسات الصهيونية المتعلقة بمستقبل القدس في صيغ جديدة عنوانها أن " قدس يهودية، وكبيرة وقوية "، حيث يندمج هذا الاصطلاح اندماجاً منساقاً وراء التصورات السكانية الصهيونية التي تعمل لتخطيط حدود القدس من جديد واقتطاع مساحات إضافية من مناطق مدن وريف الضفة الغربية المحيط بالجوار المباشر للمدينة في أراض يعيش فيها اليوم عشرات آلاف الفلسطينيين، كأحياء الشيخ جراح، ووادي الجوز، ورأس العامود، وسلوان، والعيسوية، والصوانة، والبلدة القديمة كلها وما حولها، مع ضم كتلة مستعمرات معاليه أدوميم، وميشور أد وميم، وكذلك منطقة هيشوف أدام شمال شرق نفيه يعقوب ومستوطنة جيلو جنوبي القدس. وكل منطقة غوش عتصيون وبيتار عيليت، وكذلك المناطق جفعات زئيف، وجفعون الجديدة وجبل أدار وبيت حورون شمال غرب القدس.وبالمحصلة، إن مجريات ما يجري من زيارات وكواليس سرية يقوم بها وزير الخارجية الأميركية جون كيري الآن تؤكد بأن مسألة القدس باتت عنواناً رئيسيًّا ثانياً مغيباً، إضافة لقضية اللاجئين والحدود، وبالطبع قضية الجولان السوري المحتل. فالساحر الأميركي لا يحمل في جعبته سوى إشارات سريعة للدولة العبرية الصهيونية من أجل زيادة منسوب عمليات التهويد والاستيطان وابتلاع القدس وتغيير معالمها الديمغرافي، وفي الوقت نفسه توزيع الابتسامات والأوهام على الفلسطينيين والعرب. كاتب فلسطيني/ دمشق صحيفة الوطن العمانية