Menu

إبقاء الشعب في الظلام .. بقلم : نقولا ناصر

إبقاء الشعب في الظلام بقلم : نقولا ناصر وصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري نتائج محادثاته خلال جولته الثالثة في المنطقة منذ تقلد منصبه مع قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي ومع الرئاسة الفلسطينية بأنها كانت "بناءة" ومقترحات طرفيها "بناءة" و "جادة جدا ومدروسة جيدا .. لما قد تبدو عليه طريق التحرك قدما" قائلا "إننا تقدمنا"، لكنه نصح علنا بالامتناع عن إصدار "تصريحات علنية بالقطعة" عما يدور وراء الكواليس لأنه "من الأفضل" في رأيه "العمل بهدوء" داعيا إلى تبني "استراتيجية بعيدة عن الأضواء".  ويفترض كيري وإدارته أن الشعب الذي يحدث كل ذلك باسمه ليس جديرا بمعرفة ما هو "البنّاء" ؟وما هو "التقدم" الذي تم إحرازه ؟وما هي طبيعة "التحرك قدما"؟، ليظل شعب القضية في الظلام كما كان منذ حيكت معالم مأزق الوضع الراهن في الدهاليز الدبلوماسية المظلمة والغرف المغلقة التي أنتجت "عملية السلام" العقيمة التي يحاول كيري اليوم إحياء عظامها وهي رميم.  لذا فإن كيري عندما اكتفى باجتماع لمدة عشرين دقيقة مع الوفد الذي استقبله بمقر الرئاسة في رام الله ليطلب بعد ذلك اجتماعا ثنائيا استغرق ساعة مع الرئيس محمود عباس على انفراد لم يعلن أي منهما عن تفاصيل ما دار فيه إنما كان منسجما مع دعوته للتعتيم على الشعب الفلسطيني.  وبالكاد أقلعت طائرة كيري من مطار اللد بعد أن أنجز هو ورئيسه باراك أوباما التطبيع السياسي بين دولة الاحتلال وبين تركيا حتى أعلن بأن طائرة زميله وزير الدفاع تشاك هاغيل سوف تهبط فيه في الحادي والعشرين من هذا الشهر بهدف البناء على هذا الانجاز و "إحياء" التعاون العسكري بينهما، ليسبقه أو يلحق به عضو مجلس الأمن القومي الأميركي بيل غوردون الذي تسلم ملف "الشرق الأوسط" في إدارة أوباما الثانية من سلفه دنيس روس.  وهو ما لا يترك إلا القليل من الشك في أن الحركة الدبلوماسية الأميركية الناشطة في المنطقة إنما تدور في سياق استراتيجية إقليمية تتم التغطية عليها بتسليط الأضواء على "إحياء" مفاوضات ما يسمى "عملية السلام" بين دولة الاحتلال وبين مفاوض فلسطيني لم يعد أحد من شعبه يعرف على وجه اليقين ما إذا كان يفاوض باسم منظمة التحرير التي وقعت اتفاقيات أوسلو أم باسم دولة فلسطين التي اعترفت الأمم المتحدة بها دولة غير عضو فيها أم باسم سلطة الحكم الذاتي التي تمخضت عن اتفاقيات أوسلو، ليظل الشعب الذي يفاوض هذا المفاوض باسمه في الظلام.   ويجري الحديث عن "بناء مجموعة دعم" عربية من الدول العربية الشريكة في "عملية السلام" كحاضنة للحركة الدبلوماسية الأميركية الناشطة في المنطقة والهدف المعلن لها احتضان مفاوض الرئاسة الفلسطينية وإسناده ودعم الدبلوماسية الأميركية في سعيها الحثيث لاحياء المفاوضات مع دولة الاحتلال من دون تسليط الأضواء على كون هذه المجموعة أيضا هي جزء لا يتجزأ من مجموعة دعم إقليمية للمساعي الأميركية من أجل "تغيير النظام" السوري وفك ارتباطه الاستراتيجي مع إيران والمقاومة اللبنانية، ليظل الشعب المفترض أن تدعمه "مجموعة الدعم" هذه في الظلام.  وفي هذا الإطار "الإقليمي" يجري كذلك حديث نفاه كيري عن مقترحات أميركية ل"تعديل" مبادرة السلام العربيةالتي تبناها "بالاجماع" القادة العرب في مؤتمرات قممهم لتصادق عليها ستة وخمسون دولة في منظمة التعاون الإسلامي بالرغم من المعارضة الشعبية الفلسطينية الواسعة لها، والتي قال كيري إنها "تقترح .. طريقا إلى الأمام ليصنع العالم العربي السلام مع إسرائيل" ولذلك فإنها "تظل بيانا هاما جدا"، لكنها "ليست أساسا للتفاوض" كما أضاف.  وذلك بالرغم من حرص مفاوض منظمة التحرير على الاستشهاد بقرارات لمجلس الأمن الدولي واللجنة الرباعية الدولية ببياناتها الرسمية المتتالية التي تكرر ذكر المبادرة كمرجعية ل"عملية السلام" ومفاوضاتها، وقد عقدت اللجنة الوزارية للمبادرة اجتماعا لها بنهاية الأسبوع في قطر حضره عباس وسط حديث عن وفد يمثلها سيزور عواصم غربية من دون أن يفصح أحد عن حقيقة ما دار فيه وما الجديد الذي سوف يحمله وفدها، ليظل الشعب الذي تصدر كل هذه القرارات والبيانات وتنعقد هذه الاجتماعت باسمه في الظلام.  ودار ويدور الحديث أيضا عن محادثات رباعية فلسطينية إسرائيلية أردنية أميركية في العاصمة الأردنية الشهر المقبل لم ينفه نفي وزير الدولة الأردني لشؤون الاعلام محمد المومني بأن "الأردن لن يكون طرفا في المفاوضات" و"لن يتدخل فيها" بل ألمح نفيه إلى إمكانية إجراء هذه المحدثات في عمان عندما قال إن "الأردن يسعى إلى إزالة كافة الحواجز أمام عودة المفاوضات" التي يظل الشعب الفلسطيني في الظلام بشأن ما استجد حتى للتفكير في استئنافها مع دولة الاحتلال.  ووسط تحليلات إخبارية تتحدث عن مهمة رئيسية لكيري تتمثل في منع أي انتفاضة فلسطينية ثالثة للتفرغ للجبهة العسكرية الساخنة في سورية يدور حديث أيضا أكده كيري عن رشوة للشعب الفلسطيني تتمثل في "جهود جديدة" لـ"دفع التنمية الاقتصادية" الفلسطينية، في ظل الاحتلال طبعا، قال كيري إنه اتفق مع رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على "عدم كشف تفاصيلها في هذه المرحلة" إلى ما بعد تحويلها إلى "مبادرة" بعد اجتماعات بشأنها سيجريها الأسبوع المقبل مع "المؤسسات المالية" الأميركية والدولية، واعدا بـ"تغييرات ستأتي قريبا" في الضفة الغربية المحتلة، من دون أي إشارة إلى "السلام الاقتصادي" الذي يدعو نتنياهو إليه والذي تصب "مبادرة" كيري المرتقبة في خدمته بلا ريب، ولمعرفة كيري بالاجماع الفلسطيني على رفض هذا "السلام الاقتصادي" حرص على الاستدراك بأنه "لن يكون عوضا عن المسار السياسي أو بديلا عنه"، ليظل الشعب الفلسطيني أيضا في الظلام بشأن ما يخطط له من وراء "دفع التنمية الاقتصادية" الموعودة.  وفي سياق سياسة التعتيم ذاتها التقى الرئيس عباس في السابع من هذا الشهر توني بلير ممثل "الرباعية" الدولية التي تبنت "السلام الاقتصادي" بحجة "تحسين نوعية الحياة" تحت الاحتلال فكان ممثلها بلير خير مسوّق له من دون الافصاح عن دوره ولجنته في جهود كيري لـ"دفع التنمية الاقتصادية" الفلسطينية.  ويمارس كيري وإدارته الآن دبلوماسية المكوك السرية التي انتهجها سلفه هنري كيسنجر وقد رفعت مستوى هذه الدبلوماسية من مستوى "مبعوث رئاسي" أميركي إلى مستوى وزير خارجية، في مشروع وصف بـ"السري" لتحريك المفاوضات، ولمعرفة كيري وإدارته بأن الذاكرة الوطنية الفلسطينية لم تنس النتائج الكارثية التي قادت إليها مثل هذه الدبلوماسية الأميركية ومعرفتهم بعدم ثقة الشعب الفلسطيني فيهم ومعرفتهم بمعارضته لما يدبرون، فإنهم حريصون على إبقائه في الظلام، ويبقى اللوم على من يستجيب فلسطينيا لحرصهم هذا، ضعفا أم تواطؤا. إن تجربة تمرير اتفاقيات أوسلو من وراء ظهر الشعب الفلسطيني تجربة مرة يجب منع تكرارها بكل الوسائل الوطنية والشعبية.