قــــاوم- قسم المتابعة:
على فوهة الموت، يرقد مستقبل الأسير المضرب عن الطعام جمال النوري من مخيم النصيرات بعد عشر سنوات من المعاناة في سجون الاحتلال.
نافورة صمت تسكب القلق على زوجته، وطفلتيه فيما تحافظ الأم على رباطة جأشها وهي تتحدث يوميًّا لوسائل الإعلام وتدعم صموده مطالبةً بنصرة قضيته.
ويخوض النوري (31 عامًا) إضرابًا مفتوحًا عن الطعام لليوم الـ 32 على التوالي، مطالبًا بالإفراج عنه وفق قانون "شيلش" القاضي بمنح الأسير حريته بعد إمضائه ثلثي المدة إضافة لمطالبته برؤية طفلتيه "منار وابتسام".
صمود ودموع
وحده التحدي يبلل عروق النوري وقد جفّ حلقه وبردت أوصاله مع كل يوم يمرّ وهو مضرب عن الطعام وقد نزل وزنه لأكثر من 13 كجم.
في حجرة الضيافة، بالكاد تحبس الأم دموعها قبل الولوج في الحديث عن جمال الذي صادر الاحتلال مقتنياته وحاول إجباره ليكسر إضرابه عن الطعام.
وتضيف: "صادروا أغراضه الشخصية وملابسه ورفض وضع المحلول والفيتامين، لأن الفيتامين يفتح الشهية فقد حاولوا إعطاءه إياه ووضعه بين الأسرى كي يأكل ويشرب".
وتنبش الطفلتان منار (11 عامًا)، وابتسام (10 أعوام)، كل يوم آلاف الذكريات، لأب لم يعرفنه إلا عبر الصور والرسائل الورقية فتحدث الأولى الثانية أنها ستجتهد في واجباتها المدرسية لتنال إعجاب أبيها!.
شوق إلى لم الشمل
تدخل الطفلتان منذ أضرب الأب في نوبة بكاء يومية تنتهي بهدهدة والدتهن المتحرّقة شوقًا لجمع شمل الأسرة، فيما تدفع والدة جمال الألم، بكثير من شحذ الهمّة والتفاؤل بقرب اللقاء.
وكان النوري اعتقل خلال محاولته السفر عبر معبر رفح في أول تموز (يوليو) 2002 وحكم عليه بـ20 سنة، نزلت بعد الاستئناف لـ 13 سنة، تنقل خلالها في سجون المجدل ونفحة وبئر السبع.
وقالت زوجته، إنها لم تتمكن من زيارته سوى مرتين، الأولى قبل 6 شهور، حيث تعرّضت للتفتيش والتنكيل، فيما لم تتمكن الطفلتان من رؤية أبيهما حتى الآن.
وتضيف: "اعتقل ومنار عمرها سنة، وكنت أحمل بطفلتي الثانية ابتسام فلم يرها، وقد تعرض كثيرًا للعزل في سجنه، ومنذ كبرت البنتان، لا ينقطع سؤالهما عنه".
تسللت كلمة "بابا" إلى ثغر منار وابتسام رغم أنهما لا يعرفان ملامحه، لكن صوره المنتشرة على جدران البيت توقد الاشتياق إليه.
وتعرض النوري خلال أسره للتعذيب الذي أثّر على صحته، فنزل وزنه في الشهور الأولى لاعتقاله بشكل كبير، ونال التعذيب من عينيه لأن جنود الاحتلال نكلوا به وضربوه على رأسه كثيرًا.
ومنذ أعلن إضرابه عن الطعام لا تكف منار وابتسام عن مراجعة رسائله الواردة لهما في مناسبات عدة كعيد ميلادهن ومناجاته لهما بطاعة أمهما.
كابوس
تتلقف الأم والزوجة أخبار جمال وحياته في الإضراب عبر قليل من المعلومات الواردة من السجن لشهود عيان وسجناء مرّوا بحجرته أو شاهدوه في تنقلاته.
عن ذلك تضيف الأم: "نسمع أخباره من الأسرى ومصادر أخرى، يؤكدون أنه صامد، لكنه وزنه نزل كثيرًا، وقد ناشدته عبر الإذاعات ودعوته للصمود في عزله بسجن إيشل وربما نقلوه يوم الثلاثاء للمستشفى حسب المقرر له".
وكان المحامي الذي زار جمال قد اتصل قبل يومين بوالدته وأخبرها أن وزنه انخفض كثيرًا وأن مطالبه بتفعيل قانون "شليش" صحيحة وعادلة.
وبعث جمال لأسرته رسالة شفوية يدعوهم لعدم القلق عليه والاكتفاء بدعم صموده والدعاء له فهو يمضي في إضراب مطالبه قانونية وعادلة، كما قال.
أما زوجته فتقول إنها تعيش منذ بدأ إضرابه عن الطعام ازدواجية غريبة وكابوس لا ينتهي، فتارة تفرح لصموده هي وبناتها وتارة تبكي لمعاناته.
رسائل
وتتجرع الأم هذه الأيام مرارة بعده في السجون بذات المذاق الذي خالج حلقها في الأيام الأولى لاعتقاله، وقد نكأ الإضراب جراحها من جديد.
وتطالب والدة جمال، المؤسسات الإنسانية والدولية بتقديم العون للأسرى، خاصة المضربين عن الطعام، وعدم الاكتفاء بالتصريحات وإحياء يوم الأسير في كل سنة.
وتوجه زوجته رسالة له تقول فيها: "أسلم عليك يا جمال.. ولن أقول لك اصبر فأنت صامد وصابر.. نحن نعرف بطولتك ونتمنى تفريج كربك وتخرج في أقرب وقت ونراك في البيت وأنت دائمًا في بالنا وبناتك مشتاقات لك ويسلمن عليك كثير".
وتأخذ الأم دورها بإطلاق رسالة فتتابع: "خليك ثابت وصامد، ومن بدأ طريقًا سيكملها، وخلي إيمانك بالله قوي، وأقول له كمل مشوارك ونحن ثابتين ونتمنى لقاءك عن قريب والخيرة فيما اختاره الله".
تتكوّم "ابتسام" إلى جوار أمها مراقبة حديث جدتها وقد أوشكت على البكاء، تستمد شيئًا من صمودها الطفولي وتقول: "أقول كيف حالك يا بابا.. نفسي أشوفك يا بابا.. أنا مشتاقالك، احنا نستمد قوتنا منك وخليك صامد وصابر يا بابا..".
تسمع ابتسام بإضراب الأسرى عن الطعام وتتمنى نجاحه، وهي هذه الأيام منشغلة كثيرًا بمراجعة رسائله الواردة من سنوات مضت في مناسبات عيد الميلاد وشهادات النجاح المدرسية.
وتتابع عائلة الأسير جمال النوري المضرب عن الطعام في سجون الاحتلال أخباره عبر وسائل الإعلام مستغلةً أي نافذة إعلامية لتوجه له رسائل الصمود وشخذ الهمّة.
المصدر : المركز الفلسطيني للإعلام