Menu
من أسرار القرآن الكريم في الحج (2)

من أسرار القرآن الكريم في الحج (2)

  من أسرار القرآن الكريم في الحج (2)   بقلم العالم الكبير د. زغلول النجار   ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ (آل عمران:97) في المقال السابق استعرضنا شيئا من مقاصد الحج‏,‏ وهي صورة من صور الإعجاز التشريعي في كتاب الله كما لخصته الآية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال‏,‏ ومن ذلك مايلي‏:‏ أولا‏:‏ تعريض كل من حج البيت ـ ولو مرة واحدة في العمر ـ لكرامة أشرف بقاع الأرض‏  (‏ الحرم المكي‏)‏ في أشرف أيام السنة‏(‏ الأيام العشر الأولي من ذي الحجة‏).‏ثانيا‏:‏ تذكير الحاج بمرحلية الحياة‏,‏ وبحتمية الرجوع إلي الله ـ تعالي ـ وهي من أحق حقائق الوجود‏,‏ وإن غفل كثير من الناس عنها‏.‏ ثالثا‏:‏ تذكير الحاج بحساب الآخرة‏,‏ وبضرورة محاسبة نفسه قبل أن يحاسب‏,‏ وأن يزن أعماله قبل أن توزن عليه‏,‏ وذلك من خلال الأعمال الإجرائية التي يجب علي كل خارج للحج أن يقوم بها‏,‏ وقد قمنا بتلخيصها في المقال السابق‏:‏ رابعا‏:‏ التدريب العملي علي مفارقة الحياة الدنيا‏.‏ خامسا‏:‏ شهود العديد من المنافع الفردية والجماعية أثناء أداء شعيرة الحج‏.‏‏ سادسا:‏ الاستفادة بهذا المؤتمر العالمي الأول في تاريخ البشرية لمناقشة قضايا المسلمين خاصة‏,‏ وقضايا الإنسانية عامة‏.‏ سابعا‏:‏ خروج الحاج من أداء هذه العبادة في تلك المرحلة المباركة بعدد من الخصال والسجايا الحميدة التي يصعب الحصول عليها في أي رحلة أخري‏.‏وقد ناقشنا في المقال السابق ومضة الإعجاز التشريعي في كل نقطة من النقاط الخمس الأولي في القائمة السابقة‏,‏ ونستكمل ذلك هنا في النقطتين السادسة والسابعة علي النحو التالي‏:‏ سادسا ‏:‏ الاستفادة بهذا المؤتمر الدولي الأول في تاريخ البشرية لمناقشة قضايا المسلمين خاصة وقضايا الإنسانية عامة‏:‏ فالحج يمثل أول صورة من صور المؤتمرات الدولية‏,‏ وهو مؤتمر جامع للمسلمين من مختلف بقاع الأرض‏,‏ يجدون فيه توحدهم في عبادة إله واحد‏,(‏ لا شريك له في ملكه‏,‏ ولا منازع له في سلطانه‏,‏ ولا شبيه له من خلقه‏).‏ ويتوحدون إلي قبلة واحدة‏,‏ هي تلك البقعة المباركة التي بنيت الكعبة عليها‏,‏ ويتوحدون تحت راية القرآن الكريم وهو الكتاب السماوي المحفوظ بين أيدي الناس إلي اليوم بنفس لغة وحيه‏,‏ كما يتوحدون تحت لواء خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ــ وفي نور هديه وسنته فتتلاشي في نور الإسلام العظيم كل فوارق العرق واللون واللغة والوطن والفوارق الاجتماعية والثقافية‏,‏ ويتجسد معني الأخوة الإسلامية في الله ولله‏,‏ وهو من أعظم عناصر القوة في زمن التكتلات الذي نعيشه‏.‏ فما أحري حكام الدول الإسلامية‏,‏ ومستشاريهم‏,‏ وعلماءهم‏,‏ وأصحاب القرار فيهم أن يحرصوا علي المشاركة في هذا المؤتمر الإسلامي الدولي مشاركة فعالة‏,‏ يناقشون مشاكلهم ومشكلات دولهم ويتدارسون مسائل التعاون في مختلف أنشطة حياتهم تمهيدا لتحقيق الوحدة الكاملة بينهم ــ ولو علي مراحل متدرجة مدروسة ــ‏.‏ وما أحري علماء الأمة الإسلامية ومفكريها وقادة الرأي من بين أبنائها وإعلامييها أن يحرصوا علي المشاركة في اجتماعات الحج قبل وبعد أداء المناسك‏,‏ لمناقشة أهم القضايا الشرعية والعلمية والإعلامية المختلفة التي تهم الأمة الإسلامية‏,‏ والبشرية جمعاء‏.‏ وما أحري رجال الأعمال المسلمين أن يستغلوا الحج لمزيد من التعارف والتعاون والتكامل فيما بينهم‏,‏ حتى تتوحد الأمة وتترابط في جسد واحد‏,‏ ويبقي الحج بعد ذلك أعظم المؤتمرات الدولية للتعارف بين المسلمين‏,‏ وتبادل الآراء والخبرات‏,‏ والتشاور والتنسيق والتخطيط في مواجهة كل أمورهم ومشاكلهم والتحديات التي تواجههم‏,‏ ومختلف قضاياهم‏,‏ وذلك من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي والإداري والإعلامي والسياسي بينهم حتى ينتهي ذلك بوحدة كاملة علي أسس راسخة مدروسة إن شاء الله تعالي وما ذلك علي الله بعزيز‏.‏ وكون ذلك يتم في جو من الروحانية العالية‏,‏ والعبادة الخالصة والقرب من الله ــ تعالي ــ والذكر الدائم لجلاله في أشرف بقاع الأرض‏,‏ وأشرف أيام السنة يجعل من دواعي نجاح مؤتمر الحج السنوي ما لا يمكن توافره لمؤتمر سواه خاصة أن هذه العبادة الجليلة يخالطها شيء من استشعار معية الله ـ تعالي ـ والقرب منه‏,‏ والالتزام بتقواه وخشية معصيته في كل أمر مما يعين علي حسن التعارف والتواصل والتعاون والتنسيق والتكامل علي مستوي الأفراد والمؤسسات والحكومات‏,‏ وعلي ذلك فالحج فريضة تلتقي فيها الدنيا والآخرة‏,‏ كما يلتقي فيها أول النبوة بختامها‏,‏ وتلتقي فيها مسيرة النبوة والرسالة السماوية بل ومسيرة البشرية كلها عبر التاريخ‏.‏ فأصحاب الدعوة إلي الله‏,‏ وزعماء الإصلاح في العالم الإسلامي يجدون في موسم الحج فرصة ذهبية لعرض أفكارهم علي الناس‏,‏ وأصحاب كل من الزراعة والصناعة والتجارة يجدونها فرصة كذلك لعقد الصفقات أو لترويج ما معهم من منتجات تحمل إلي هذا المكان الطيب الطاهر من مختلف بقاع الأرض‏,‏ فتحوله إلي سوق عالمية سنوية في ظل القيام بأداء شعائر الله‏,‏ والعمل علي ترسيخ دينه في الأرض‏,‏ ولذلك قال تعالي‏:‏﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾   ‏( الحج‏:48).‏ النقطة السابعة‏:‏ خروج الحاج من هذه الرحلة المباركة بعدد من الخصال الحميدة التي منها ما يلي‏:‏ ‏1 ‏ ـ الزهد في الدنيا والحرص علي الآخرة‏,‏ وذلك لأن الدنيا مهما طال عمر الإنسان فيها فإن نهايتها الموت‏,‏ وليس معني ذلك إهمال مسئوليات الإنسان في الدنيا‏,‏ لأن الإنسان مطالب بالنجاح فيها‏,‏ ولكن ليس علي حساب الآخرة‏.‏ ‏2 ‏ ـ اليقين بأن الحج يطهر الذنوب والآثام‏,‏ انطلاقا من قول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه‏,‏ ولقوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لعمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ حين قدم لمبايعته‏:‏ أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله‏,‏ وأن الهجرة تهدم ما قبلها‏,‏ وأن الحج يهدم ما قبله؟وانطلاقا من هذا اليقين كان واجبا علي كل من أدي فريضة الحج أن يحرص حرصا شديدا علي عدم الوقوع في معاصي الله‏.‏ ‏3‏ ـ الحرص علي أداء العبادات المفروضة في وقتها‏,‏ وعلي الإتيان من النوافل قدر الاستطاعة‏.‏ ‏4‏ ـ التمسك بطهارة النفس‏,‏ واستقامة السلوك‏,‏ وعفة اللسان‏,‏ وغض البصر‏,‏ والتحكم في الشهوات والرغبات والأهواء‏,‏ وكظم الغيظ‏,‏ والعفو عن الناس‏,‏ وصدق الحديث‏,‏ ورقة التعامل مع الآخرين‏,‏ والتواضع للخلق‏,‏ وحسن الاستماع والإتباع‏,‏ والاحتشام في الزي والهيئة‏,‏ وإخلاص السرائر‏,‏ واجتناب سوء الظن بالآخرين والتوسط والاعتدال في كل أمر‏,‏ والثبات علي الحق في كل حال‏,‏ والمجاهدة من أجل نصرته‏,‏ وتحمل تكاليف ذلك‏,‏ والحرص علي العمل الصالح‏,‏ والتنافس فيه حتى يكون في سلوك الحاج قدوة حسنة لغيره‏.‏ ‏5‏ ـ الحرص علي التزود من العلوم الشرعية‏,‏ والثقافة في الدين‏,‏ والالتزام بما يتعلمه المسلم من كتاب الله ومن سنة رسوله‏,‏ وذلك لأن الإسلام دين لا يبني علي جهالة‏,‏ وإنما يبني علي علم والتزام‏,‏ ومصدر التلقي للمسلم هما كتاب الله وسنة رسوله‏,‏ وعلي كل مسلم أن يجتهد في التعرف علي أوامر الله ـ تعالي ـ ويلزم نفسه وأهله بها‏,‏ وفي التعرف علي نواهيه فيجتنبها ويحاربها‏,‏ فإن انغلق عليه أمر من الأمور فعليه بسؤال أهل الذكر كما قال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏ ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾‏(‏ النحل‏:43), (‏ الأنبياء‏:7).‏ ‏6‏ ـ الحرص علي الكسب الحلال‏,‏ وعلي طيب المطعم والمشرب‏,‏ وعلي البعد كل البعد عن الشبهات والمحرمات‏.‏ ‏7‏ ـ المواظبة علي الصحبة الطيبة‏,‏ وعلي التزام جماعة المسلمين‏,‏ وعلي الولاء لله‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾      ‏(‏ الكهف‏:28)‏ ‏8‏ ـ الاهتمام بقضايا المسلمين الكبرى‏,‏ ومن أبرزها قضايا الأمية بشقيها‏(‏ أمية القراءة والكتابة وأمية العقيدة‏)‏ وقضايا الحريات‏,‏ وقضايا التخلف العلمي والتقني‏,‏ وقضايا البيئة ومحاربة كل من الفقر والمرض‏,‏ وقضايا تحرير أراضي المسلمين المحتلة من مثل أراضي كل من فلسطين‏,‏ والعراق‏,‏ وأفغانستان‏,‏ وجنوب كل من السودان والفلبين‏,‏ وأراكان‏,‏ وسبتة ومليلية وجزيرة ليلي وغيرها من الجزر المغربية‏.‏ ‏9‏ ـ المساهمة الفعالة في الدعوة إلي دين الله بالكلمة الطيبة‏,‏ والحجة الواضحة‏,‏ والمنطق السوي‏.‏ ‏10‏ ـ العمل علي جمع كلمة المسلمين في وحدة كاملة ـ ولو علي مراحل متتالية والوحدة الأوروبية أمام أنظارنا أنموذج لذلك‏).‏ وإقبال الحجيج لأداء هذه الشعيرة من مختلف بقاع الأرض شهادة للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ وشهادة للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏.‏ فصل اللهم وسلم وبارك عليه‏,‏ وعلي آله وصحبه‏,‏ ومن تبع هداه‏,‏ ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏