Menu

نهاية العصر الإسرائيلي ... بقلم : إياد خالد الشوربجي

نهاية العصر الإسرائيلي   بقلم : إياد خالد الشوربجي   ما تشهده منطقة المشرق الاسلامي من تحولات كبرى ومتسارعة على المستوى السياسي، وما أحدثته الثورات العربية حتى الآن من تغيرات كبيرة في منظومة التوازنات التقليدية للمنطقة لصالح الشعوب وتوجهاتها الوطنية، يشكل خروجاً مطرداً من العصر الاسرائيلي الذي أُدخلت فيه المنطقة بشكل كثيف خصوصاً في العقدين الأخيرين، والذي شهدت المنطقة فيه بروزاً واضحاً وهيمنةً قويةً لدولة الاحتلال، في مقابل دول عربية شكلت أنظمتها في جلها مثالاً للتآمر أو التواطؤ أو التخاذل على أقل تقدير. العصر الاسرائيلي شكل تشوهاً واضحاً في الواقع الجيوسياسي للمنطقة، وفقداناً للبوصلة الوطنية، وفصالاً نكداً بين التاريخ والجغرافيا، وقد تمثل في العديد من المظاهر الطارئة وغير الطبيعية، منها التخلي عملياً من قبل الأنظمة العربية من اعتبار اسرائيل العدو والتهديد الأول للأمة، والترويج لذلك سياسياً واعلامياً، والتحول الى أعداء افتراضيين حددتهم واشنطن وفقاً لمصالحها ومصالح "اسرائيل" بالطبع، وبدء التطبيع مع الأخيرة ظاهراً وباطناً، في اخلال واضح بمصالح الأمة وأولوياتها وهويتها. "اسرائيل" بدأت خلال هذه المرحلة موجات من التغلغل في مفاصل المنطقة، وموجات أخرى من التطبيع والسيطرة والتقسيم، والتي انتهت بتقسيم السودان واستنساخ "اسرائيل" أخرى في جنوبها حيث مصادر النيل، شريان الحياة للشعبين السوداني والمصري، وعلى مرأى ومسمع من النظام المصري المخلوع.كما أن العديد من الأنظمة العربية تعتبر حاضنة وراعية للوجود الاسرائيلي والذي تُمثل العلاقة مع اسرائيل علاقة وجودية بالنسبة لهم، منهم من أقيمت دولهم خصيصاً لتشكل كياناً وظيفياً لحماية أمن "اسرائيل" عبر أطول خط حدودي معها، ومنهم من ارتبط استمرار وجوده في الحكم وتوريثه بتلبية متطلبات هذا الكيان الطارئ أعني "اسرائيل"، لدرجة أن الحرب على غزة قد أُعلنت يوماً من الأيام من إحدى عواصم هذه الأنظمة، والذي اتضح أن غزة تشكل خطراً على الأمن القومي فيها!!. نحن أمام العديد من الظواهر التي تشير الى أن العصر الاسرائيلي بتفاصيله المخزية والمهينة بدأ فعلاً بالأفول، من هذه الظواهر صعود الاسلاميين الى الحكم في تركيا في العام 2002، والتي بدورها بدأت الحكومة التركية حقبة جديدة من العلاقة مع "اسرائيل" تتصف بالندية ومراعاة المصالح الوطنية، بما يتناسب مع حجم الدولة وتاريخها العريق، وبالتالي بدأ التحالف التركي الاسرائيلي في التراجع بشكل كبير، وانتهى شهر العسل بين الدولتين الذي امتد خلال حكم العسكر في تركيا. كما أن خروج الاحتلال من غزة في العام 2005 تحت ضربات المقاومة كعامل فاعل ومُحفِّز، كان عبارة عن مرحلة فاصلة في تاريخ المقاومة التي شَكَّلت الرافعة القوية للأمة، للتخلص مما أصابها جراء التخاذل والاستسلام والتسويق لمشاريع الانهزام، وما تبع ذلك من صعود حماس للحكم في فلسطين عبر الانتخابات التشريعية التي جرت في العام 2006، والتي جرى التنكر لنتائجها والالتفاف والتآمر عليها محلياً واقليمياً ودولياً، في اطار الرفض المبدئي واللامنطقي لوصول الاسلاميين للسلطة من قبل الكثير من القوى على الساحة الدولية، وصمود الحركة وثباتها في وجه ذلك كله، الأمر الذي ساهم في احداث حالة الحراك النهضوي في الأمة والذي نشهد نتائجه في هذه الأيام. كذلك فإن خسارة "اسرائيل" للعدوان على المقاومة في لبنان في العام 2006 وعلى غزة في العامين 2008 - 2009، أدت من ناحية الى صعود نجم المقاومة واعتبارها الظاهرة الأنبل في التاريخ الحديث للأمة وأنها الأداة العملية للخلاص من الاحتلال، وتجاوز ما علق في ذهنية الأمة من رواسب وثقافة الهزيمة، ومن ناحية أخرى الى تهاوي العديد من الأساطير التي قامت وعاشت عليها دولة الاحتلال كمقولة "الجيش الذي لا يقهر" على سبيل المثال، بالإضافة الى تآكل قدرتها الردعية، وهشاشة جبهتها الداخلية. والظاهرة الأبرز هي الانتفاضة الكبرى للشعوب العربية والذي تُوِّجت بسقوط النظام المصري الذي كان رأس الهرم فيه بمثابة كنزٍ استراتيجيٍ "لإسرائيل" كما قال بنيامين بن العيزر، وصولاً الى مهاجمة سفارة الاحتلال في القاهرة على أيدي أبناء الشعب المصري، الذي ظل طوال العقود الماضية يرفض كل أشكال التطبيع مع "اسرائيل" باعتبارها العدو الأول للأمة، في الوقت الذي تُواجه فيه الأنظمة الأخرى نفس المصير، فمنها من سقط ومنها من ينتظر، بفعل الروح الجهادية الجديدة للإنسان العربي بعد تخلصه من عقدة الخوف واصراره على الخلاص.هذه الانتفاضة التي فَرضت على الجميع واقعاً جديداً يقول المراقبون أن ملامحه تشير الى صعود الاسلاميين في مختلف البلدان العربية في حال مُكِّنَت الشعوب من الاختيار بحرية، كما حدث في تونس، البلد الذي غُيِّبَ فيه الدين نحواً من مائة وثلاثين عاماً، بدءاً من الاستعمار وانتهاءً بالاستبداد، لكنها على أية حال تؤسس لمرحلة يتم فيها صعود الشعوب وسقوط الأنظمة، وبالتالي استلام الشعوب لزمام الأمر وصولاً الى عصر النهضة المنتظر. كما أن هناك العديد من الظواهر الأخرى التي تساهم في تدعيم ما أسلفنا به، منها ازدياد عزلة اسرائيل الدولية، وانفضاح صورتها في الخارج، وتفاقم أزمتها الداخلية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، والاخفاقات الأمنية المتكررة والتي كان آخرها الفشل التام للمؤسسة الأمنية في الحصول على معلومات تُذكر بخصوص شاليط، فضلاً عن العثور عليه وتحريره، وقول شاؤول موفاز "أن إسرائيل تعاني أزمة استخبارات في قطاع غزة" يدلل على عمق الأزمة في هذا المجال.كل هذه الظواهر وربما غيرها تشير الى انتهاء العصر الاسرائيلي ايذاناً بزوالها "ويَقولونَ متى هو، قُلْ عَسى أَن يَكونَ قَريباً".