Menu

ثورة سباع لا ثورة جياع!... بقلم : حبيب أبو محفوظ

ثورة سباع لا ثورة جياع!   بقلم: الإعلامي/ حبيب أبو محفوظ   مخطئ من ظن أن الثورة المصرية بكل تجلياتها وإنجازاتها العظيمة، كانت تستهدف شخص الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فهو -بحسب رجل الأعمال المصري المعروف أشرف سعد، والذي جالسه طويلاً، وعرفه جيداً-:"إنسان بسيط جداً، ويصل لدرجة (السذاجة)، وهو بحاجة للتوجيه في كل صغيرة وكبيرة"، وإن أردتم الحقيقة والواقع فالثوار كانوا يريدون رأس النظام المتمثل بشخص مبارك، لا مبارك نفسه!. لم يكن نجل الرئيس السابق جمال مبارك بعيداً عن المشهد المصري، فهو الذي كان يصيغ لوالده خطابات الرد على الثورة، لا سيما الخطاب الأخير، والذي استفز فيه عموم الأمة العربية والدولية حتى أمريكا نفسها، فضلاً عن الثوار في مصر، ولا أكون مبالغاً لو قلت بأن مبارك لم يكن على إطلاع تام بحقيقة ما يحصل في الشارع!، بالرغم من أن الثورة أخذت عمقاً إعلامياً من محيطها الإقليمي والدولي لم يكن أحد ليتخيله. بدا واضحاً أن النظام السابق، وعلى رأسه مبارك، قد كذب كذبةً وصدّقها، لجهة أن الملايين التي خرجت إلى الشارع كانت تؤيد "الريس"، وهذا تحديداً ما صورته جريدة الأهرام المصرية -المحسوبة على النظام-، والتي أظهرت صور مسيرة جمعة الغضب المليونية وكتبت بالخط العريض:"الملايين يخرجون تأييداً لمبارك" .. "يوم الوفاء لمبارك في كل المحافظات المصرية" .. "مسيرات مليونية في حب الرئيس"، لكن المضحك المبكي في الأمر أن ذات الجريدة قالت في اليوم التالي لتنحي مبارك على صفحتها الرئيسية:"الشعب أسقط النظام"!!. هذا الأمر يدفعني للحديث أكثر عن الطابور الخامس من المطبلين والمزمرين والمنافقين صباح مساء لشخص الزعيم، (أي زعيم)، فمن كان يصدق بأن ابن النظام المصري السابق الإعلامي عمرو أديب سيظهر –بعد سقوط النظام-، على شاشة "دريم" وهو يبكي من ظلم وفساد مبارك ونظامه، من كان يظن بأن تحولاً سريعاً وعجيباً لألسنةٍ حداد شداد على كل من يعارض النظام، لتصبح بين عشية وضحاها، تخطب ود المعارضة، لتصور النظام المصري السابق وكأنه وحشٌ كاسر استطاعت الثورة المباركة الاطاحة به. لم يأتِ شباب الثورة المصرية من الفضاء الخارجي، فهم أبناء "أم الدنيا"، ووصلت السذاجة بالنظام السابق لأن يلصق التهمة الجاهزة والمفصلة على المقاس لكل من ينادي بالإصلاح سواء في مصر أو غيرها من الدول بأن هؤلاء أشخاصٌ مارقون على الوطن، ويعملون لحساب أجندات خارجية، حتى لو خرج الشعب بملايينه إلى الشارع!. نجح الثوار في تحقيق أهدافهم وأكثر من ذلك، ونجاح الثورة الحقيقي تمثل في جعلها مظلة جامعة لكل القوى والأطياف المصرية، ضد حكم مبارك، وهو أمر صعب الحدوث، أو من المستحيل تكراره في مكان آخر، فشملت الثورة الفلاحون والعمال والعاطلون عن العمل والموظفون والمهنيون، والطلاب وبعض أفراد من الشرطة والجيش ورجال أعمال وإعلاميون ورؤساء شركات، وشارك فيها موظفون كبار في الدولة بمؤسساتها الدينية والقضائية.يصف الصحفى الأمريكى جون ريد وضع الحكومة الروسية فى أكتوبر 1917، فى كتابه "10 أيام هزت العالم"، قائلا إنه "فى مجال العلاقة بين حكومة ضعيفة وشعب ثائر يحل الوقت؛ عاجلا أو آجلا يغدو فيه كل عمل من أعمال الحكومة باعثا لغيظ الجماهير، وكل امتناع منها عن العمل يثير احتقارها". هذا تماماً ما حصل مع نظام مبارك، فعلى طريقة البيضة أولاً أم الدجاجة، حاول النظام السابق تسويق فكرة أن "مبارك مصر ومصر مبارك"، وبالتالي سيأتي على الناس الطوفان بعد الرئيس، فلم تسعف النظام جميع التنازلات التي قدمها ذلك أنه لم يعي مفهوم الثورة والثوار. عُرفت الثورة المصرية على أنها امتحان صريح لكافة القوى السياسية، فى صراع من أجل استلام الحكم، والسيطرة على الحكم، فالصورة المثالية للزعماء قد سقطت وإلى الأبد، من خلال المشهد المقيت الذي ظهر به مبارك متشبثاً بكرسيه بالرغم من أن عمره جاوز الثمانين!، وقد ترك ذلك آثاراً لا تمحى لجيلٍ مصري قادم!. التحية كل التحية لشهداء ثورة التحرير، والتحية كل التحية لشباب ثورة التحرير، إننا نرى مستقبل مصر زهراً زاخراً بالأحداث العظام من خلال عيونكم وإصراركم على تحقيق رفعة مصر وإزدهارها، نرفع القبعات احتراماً .. ونرفع الأيادي لله شكراً وامتنانا.