Menu

الشيخ صالح بن حميد: من اعتمد على الله كفاه ومن استغنى به أغناه

قـــــاوم- قسم المتابعة : أكّد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، أنّ من اعتمد على الله كفاه ومن سأله أعطاه، ومن استغنى به أغناه، والقناعة كنز لا يفنى والرضي مال لا ينفذ وقليل يكفى خير من كثير يلهي، والبر لا يبلى والإثم لا يُنسى والديان لا يموت وكمال الرجل أنّ يستوي قلبه في المنع والعطاء والقوة والضعف والعز والذل، وأطول الناس غمًا الحسود، وأهنأهم عيشًا القنوع، والحر الكريم يخرج من الدنيا قبل أنّ يخرج منها. وحثَّ فضيلته في خطبة الجمعة الّتي ألقاها اليوم في المسجد الحرام المسلمين بتقوى الله عز وجل، وأنّ يجعلوا مراقبتهم لمن لا يغيب عنهم نظره، وأنّ يشكروا من تترادف عليهم نعمه، والتوبة من المعاصي والاستعداد ليوم يُأخذ فيه بالأقدام والنواصي، وقال: "ها أنتم في مقتبل عام هجري جديد جعله الله عام خير وبركة، وأمن و أمان، وجمع فيه كلمة المسلمين على الحق، وأعز الإسلام وأهله ونصر الحق وأوليائه". وأضاف يقول: إنّ "في قوارع الدهر لعِبرا، وفي حوادث الأيام لمزدجرا، مرور الليالي والأيام يخرب عامرا ويعمر قفال"، محذرًا من الزخارف المضلة، حيث الفرص تفوت والأجل موقوت والإقامة محدودة والأيام معدودة، قال تعالى: {ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون}. ومضى فضيلته يقول: "إنّ حديث الزهد ليس تزهيدًا في العمل و لا في عمارة الأرض، ذلكم أنّ الصلاح الإنساني ينبع من أعماق النفوس ومن القلوب التي في الصدور، تزكوا القلوب بالإيمان وأنوار القرآن، وتتطهر النفوس بالطيب من القول والصالح من العمل والحسن من الخلق مصدر النعيم الأكبر في الدنيا قلب خالطته بشاشة الإيمان، نعيم يغني عن كل نعيم". وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنّ عالم اليوم يعيش أزمات فكرية ومشكلات اقتصادية ومختنقات مالية، وقال: وعلاقة الإنسان في ديننا في هذه الدنيا عمل وتسخير وبناء وتعمير، كما أنها في ذات الوقت علاقة ابتلاء واختبار، وغاية ذالك كله تحقيق العبادة لله عز وجل، والمسلمون في عباداتهم يجمعون بين تحقيق العبودية لله وتوحيده والإخلاص له، وبين شهود المنافع وابتغاء فضل الله. وأشار إلى أنّ الزهد في الدنيا يكون في ستة أشياء في النفس والناس والصورة والمال والرئاسة، وكل ما دون الله، مستشهدًا بقول ابن القيم، معلقًا على ذلك ليس المراد رفضها فقد كان داوود و سليمان عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما، ولهما من الملك والمال والنساء ما لهما، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق وقدوة الزاهدين، وكان يأكل اللحم والحلوى والعسل ويحب النساء والطيب والثياب الحسنة، وكان علي بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف والزبير وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين من الزهاد على ما كان لهم من الأموال الكثيرة، وقد قيل للإمام أحمد أيكون الرجل زاهدًا ومعه ألف دينار؟ قال نعم؛ على ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت. وزاد الشيخ بن حميد يقول: من حقق اليقين وثق بالله في أموره كلها، ورضي بتدبيره ولم يتعلق بمخلوق لا خوفًا ولا رجاءً، وطلب الدنيا بأسبابها المشروعة، ومن رزق اليقين لم يرض الناس بسخط الله، ولم يحمدهم على رزق الله ولم يذمهم على ما لم يؤته الله، وقد علم أنّ رزق الله لا يجره حرص حريص ولا ترده كراهية كاره، فكفى باليقين غنى ومن غني قلبه غنية يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، فالقناعة لا تمنع ما كتب والحرص والطمع لا يجلب ما لم يكتب، فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبك. وقال فضيلته: "إنّ من عظمت الدنيا في عينه أحب المدح وكره الذم، وربما حمله ذلك على ترك كثير من الحق خشية الذم، والإقدام على شيء من الباطل ابتغاء المدح فهو كاسب لغيره ساع لقاعد جائع لواجد فقره بلؤم طبعه، وفرط شره وإشراف نفسه لا ينتفع بشيء، ولا يستريح من تعب كم من غني كثير المال تحسبه فقيرًا معدمًا، نفسه صغيرة ووجهه عابس ترهقه قترة، حريص على ما في يديه طامع فيما لا يقدر عليه". وبيَّن أنّ بعض العلماء قالوا لقد جهل قوم فظنوا أنّ الزهد تجنب الحلال، فاعتزلوا الناس وضيعوا الحقوق وجفوا الأنام، واكفهرت وجوههم ولم يعلموا أنّ الزهد في القلب، وأنّ أصله انصراف الشهوة القلبية، فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد والقلب المعلق بالشهوات لا يتم له زهد ولا ورع.