Menu
القدس ليست خطا أحمر لدى المفاوض الفلسطيني

القدس ليست خطا أحمر لدى المفاوض الفلسطيني

القدس ليست خطا أحمر لدى المفاوض الفلسطيني بقلم :نقولا ناصر منذ أعلن رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي إيهود أولمرت في اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية والدفاع، الأسبوع الماضي أن أي اتفاق يمكن التوصل إليه مع الجانب الفلسطيني قبل نهاية العام الجاري لن يشمل القدس، وكبار المفاوضين والمتحدثون باسم الرئاسة الفلسطينية يكررون القول إن القدس خط أحمر ويرفضون تأجيل التفاوض حولها ويؤكدون رفض أي اتفاق دونها، غير أن أولمرت وأسلافه وأياً كان من سيخلفه ما كان لهم أن يجرؤوا على التلويح بأي اتفاق محتمل لا يشمل القدس، لو لم يجدوا سوابق تشجعهم على ذلك في النهج التفاوضي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وهو نهج لم يتعامل قط مع القدس كخط أحمر وإلا لكان جمد اتفاق أوسلو منذ عزل الاحتلال المدينة عن محيطها الفلسطيني بعد أشهر من توقيعه عام 1993 ولو كان فعل لما كانت هناك أصلاً أي مفاوضات يحض شبه إجماع وطني على وقفها الآن. ألم تكن قيادة المنظمة هي التي وافقت على تأجيل التفاوض على قضية القدس منذ مؤتمر مدريد عام 1991 ثم وافقت منذ توقيع إعلان المبادئ في واشنطن عام 1993 على التفاوض لاحقاً حولها على أساس الأمر الواقع الذي نشأ عن احتلال شطرها الشرقي عام 1967 لا على أساس قرارات ’الشرعية الدولية’ التي لا تفوت القيادة فرصة دون التأكيد عليها كإطار للتسوية السياسية مع دولة الاحتلال؟ الم تكن هذه القيادة هي التي وافقت على التفاوض على أرضية عدم رفض الاعتراف بالمكاسب التي حققها الاحتلال في القدس بالقوة المسلحة خلافا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وبالتالي وافقت على تقرير وضعها النهائي بالاتفاق التفاوضي بين الجانبين لا بتطبيق ما صدر من قرارات الأمم المتحدة بشأنها؟ الم تكن هذه هي القيادة نفسها التي لم تعترض على مبادرات وتفاهمات قام بها أعضاء فيها وافقوا ووقعوا مبدئياً على الاعتراف بالمكاسب الاستيطانية للاحتلال في القدس، ووصفت مبادراتهم بالفردية وغير الرسمية، لتوافق ’مبادرة جنيف’ على سبيل المثال على بقاء مستعمرات ’معاليه ادوميم’ و’غوش عتصيون’ و’جفعات زئيف’ وعلى مبادلتها بمساحات مساوية لمساحتها من النقب لا تساويها في القيمة والنوعية والمثل؟ ومن هو الوسيط الدولي الذي سيلوم أولمرت أو غيره من قادة الاحتلال عندما يقترحون اتفاقاً لا يشمل القدس بينما يجد هذا الوسيط أن الجانب الفلسطيني وافق في مبادرة جنيف حتى على إخضاع أي حفريات أو ترميمات في الحرم القدسي الشريف لموافقة الطرفين؟ إن الأمثلة عديدة على استخدام المفاوض والمحاور والكاتب الإسرائيلي لمثل هذه المبادرات حجة ومرجعية ضد قيادة المنظمة قدمها أعضاء بارزون فيها. وكيف لا يتجرأ قادة الاحتلال على إحراج هذه القيادة علناً أمام شعبها ووضعها في موضع شبهة وطنية بمثل ما أعلنه أولمرت الأسبوع الماضي عندما تغض هذه القيادة الطرف عن احد كبار المنظرين لبرنامجها السياسي ونهجها التفاوضي وكان في مرحلة ما عضوا في فريق مفاوضيها وقيادياً في حركة فتح التي تقود المنظمة وما يزال عضواً في المجلس الوطني للمنظمة، والأدهى أنه كان مرة، كما يعرف نفسه في سيرته الذاتية، ’مفوض منظمة التحرير الفلسطينية لشؤون القدس (عام 2002 أي في ذروة انتفاضة شعبية اتخذت من ’الأقصى’ عنواناً لها)’، مثل البروفسور ’سري نسيبة’ رئيس جامعة القدس منذ عام 1995، عندما دعا ’داعية السلام المخضرم’ هذا في مقابلة مع القدس العربي اللندنية الأسبوع الماضي إلى مبادلة القدس بحق اللاجئين في العودة، بلغة ظاهرها حق يحرص على ثالث الحرمين الشريفين لكنها لغة أن لم ترد باطلاً فإنها تخدمه، دون أن تتصدى له قيادة المنظمة في الأقل للقول إن مبادلته المقترحة هذه تمثل اجتهاداً فردياً وشخصياً لصاحبها وأنها لا تتفق مع الموقف الرسمي المعلن لها ! أن المرونة المفرطة للمفاوض الفلسطيني أوقعته في فخ الموافقة على مبدأ ’المبادلة’ بين حقوق هي جميعها من الثوابت الوطنية الفلسطينية ليبدأ في التدرج التبادلي التنازلي من المطالبة بدولة فلسطينية في حدود عام 1967 إلى المطالبة بدولة على مساحة مماثلة بعد موافقته على تبادل الأراضي من حيث المبدأ، وبالرغم من إعلان الرئيس محمود عباس مؤخراً رفضه للتبادل الديموغرافي فإن موافقة المنظمة ومفاوضها على التبادل الجغرافي هي في الواقع موافقة على التبادل الديموغرافي لأن تبادل الأراضي (الذي يريده الاحتلال بنسبة 12 في المئة من مساحة الضفة الغربية وهذه هي تقريباً نسبة مساحة القدس للضفة وتوافق المنظمة عليه بنسبة اقل بحدود ثلاثة في المئة) ليس تبادلاً لأراض خلاء خالية من الناس بل هي أراض استولى الاحتلال عليها عنوة وأقام عليها مستعمراته الاستيطانية التي تؤوي في القدس، حيث يجري التفاوض على تبادل الأراضي، قرابة مائتي ألف مستوطن، والأرض الخلاء هي فقط حصة المنظمة من التبادل الجغرافي في النقب بمحاذاة قطاع غزة وحول ’الممر الآمن’ المقترح بين القطاع وبين الضفة، كما يرشح من مقترحات تفاوضية . فإذا كانت قيادة المنظمة تعتبر القدس خطاً أحمر وترفض حقاً التبادل الديموغرافي فإنه ينبغي عليها أيضاً رفض التبادل الجغرافي كما يجري التفاوض عليه حالياً، خصوصاً في القدس، لأن قيام قوة الاحتلال بنقل سكان منها إلى الأرض التي تحتلها أو نقل السكان الأصليين من هذه الأرض أمر يتعارض تماماً مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وينتهك ثابتاً وطنياً فلسطينياً انتهاكاً صارخاً ويرسخ مكاسب الاحتلال الاستيطانية في بيت المقدس ولا يوجد ما يفسر أي موافقة فلسطينية على كل ذلك أو بعضاً منه سوى رضوخ المفاوض الفلسطيني لرؤية الإدارة الأميركية، التي ما زال يراهن عبثاً على وساطتها، والتي فرضت عليه القبول بتبادل الأراضي لأنها ترى ’من غير الواقعي’ العودة إلى حدود عام 1967 وسحب المستعمرات اليهودية الكبرى، كما التزم الرئيس جورج بوش في رسالته المعروفة لرئيس وزراء الاحتلال السابق أرييل شارون في سنة 2004 . إن أي موافقة فلسطينية على ذلك أو بعضاً منه ستكون غير شرعية ومنتزعة بالإكراه ومفروضة بقوة السلاح للاعتراف بالأمر الواقع في القدس، الذي لم يبق فيها للفلسطينيين والعرب والمسلمين إلا وجود رمزي يتآكل يومياً، ولن يكون السلام مسوغاً وطنياً مقبولاً لإضفاء شرعية فلسطينية على أمر واقع كهذا، ومن المؤكد أن قيادة تمنح أي شرعية مماثلة سرعان ما تخاطر هي نفسها بفقد شرعيتها الوطنية . لقد شهدت القدس لدى قيادة التفاوض والتسوية السياسية تآكلاً متسارعاً في مركزية موقعها في النضال الوطني وتراجعاً متواصلا في أولويتها التفاوضية وتخفيضا في مستوى المسؤولية السياسية عن ملفها وتشتيتاً لا تركيزاً لهذه المسؤولية إلى غير ذلك من العوامل الذاتية التي قادت في إجمالها إلى تهميش قضيتها، التي حاولت انتفاضة الأقصى التي يجري إجهاضها إعادتها إلى مركز النضال الوطني، بينما كان قادة الاحتلال في المقابل يحولون القدس إلى المحور الأساس الذي تدور حوله كل حركتهم السياسية الداخلية والخارجية وكل صراعهم على الأرض مع أهل القدس وأصحابها الشرعيين. إن التهويد المتسارع للقدس والتوسيع المتواصل للاستعمار الاستيطاني فيها وحولها والعملية التي لا تتوقف لإفراغها من أهلها والعمل القائم على قدم وساق لطمس هويتها العربية ومحاصرة الإسلام والمسيحية فيها، مما يحول احتفالية إعلانها عاصمة للثقافة العربية في السنة المقبلة إلى مناسبة منفية تجري أحداثها خارجها، كان كل ذلك وغيره منذ عام 1993 سبباً كافياً لاستجابة قيادة التفاوض للمطالب المبكرة والمتكررة للمؤتمرات الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية - المسيحية لـ ’ربط العملية السلمية بتحرير القدس وعودتها إلى الشعب الفلسطيني ورفض إرجاء التفاوض حولها’ وسبباً كافياً لوقف المفاوضات وإعادة النظر في مرجعياتها الراهنة واستبدالها بمرجعية منبثقة عن توافق وطني كانت القيادة المفاوضة حريصة على تجاهله وتجميد أو تهميش كل المؤسسات التمثيلية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها مؤسسات منظمة التحرير وفتح، التي يمكنها أن تبلور توافقاً كهذا، لكي لا تكون القدس خطا أحمر لحراكها التفاوضي والسياسي يجري تقويم أدائها ومساءلتها على أساسه. كاتب فلسطيني